كشف الصحفي الأمريكي مايكل وولف، مؤلف كتاب نار وغضب، والذي يبدو كمخبر صحفي نجح في التسلل إلى دهاليز
البيت الأبيض بمباركة من ترامب نفسه، والذي يبدو أنه هو الآخر قد خدع فيه، ليعود
الكاتب بمجموعة من الملاحظات المثيرة للاهتمام؛ وضعها في كتاب.. كشف النقاب عن
نظرة ترامب لنفسه ولمن حوله في الدوائر القريبة، والدوائر البعيدة أيضا. كما كشف
الكاتب عن وجهة نظر رجال ترامب وحوارييه في شخصيته وطريقة تصرفه؛ التي وصفت في بعض
الفقرات، وعلى لسان بعض كبار رجال البيت الأبيض، بأنها تنم ليس عن جهل، بل عن غباء.
ما
يهمنا في الكتاب نحن العرب؛ ليس فقط تأكيد ما ذهبنا إليه في مقالات سابقة عن صحة
ترامب العقلية والنفسية، بناء على تحليل علمي لكبار الأطباء الأمريكيين بعد أسابيع
من استلام ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثير ذلك على العالم بأسره ،
بل ما يهمنا - بكل تأكيد - هو كيف يرى البيت الأبيض حكام المنطقة، ونظرته ورفاقه
إلى أهم قضايانا العربية.
في
الكتاب المشار إليه، يشير الكاتب إلى تقرب محمد بن سلمان إلى جاريد كوشنر، زوج بنت
ترامب ومستشاره لشؤون القضية الفلسطينية، وتزلفه إليه بأنه سيكون رجل أمريكا في
المملكة، ما يعني باختصار؛ أن ابن سلمان عرض نفسه لكي يكون عميلا لأمريكا، وهو ما
جعل ترامب يبدأ خطته لدعمه. ونقل عنه الكاتب قوله: لقد قمت وجاريد كوشنر بهندسة
انقلاب في السعودية وجئنا برجلنا (أي الرجل بتاعنا) إلى القمة.
لعلك
عزيزي القارئ في حالة اندهاش كيف أن ابن سلمان المسلم الذي يمثل "دولة
الشريعة" الوحيدة في العالم، كما يدعي النظام السعودي، يجتمع برجل مناصر
للصهاينة ومستثمر في مستوطناتها، لكي يتوسط له عند الرئيس الأمريكيّ مع العلم أن
المعروف في عالم المخابرات والجاسوسية أن تسعى الجهة المخابراتية لتجنيد العملاء،
وليس سعي الزبون لكي يطرح نفسه عميلا لجهة ما.
الكشف
عن سعي محمد بن سلمان لكي يكون رجل أمريكا التي كانت تصنف في عهود ملكية سابقة على
أنها دولة معادية و"تقتل المسلمين" وتغزو بلادهم؛ هو تأكيد لتسريبات
سابقة عن تحركات سفير الإمارات في أمريكا، يوسف العتيبة، وتعاونه الدائم مع اللوبي
الصهيوني لتسويق ابن سلمان على أنه قائد مرحلة العلمانية الجديدة في المملكة،
إضافة إلى تقديمه على أنه صديق جديد ليس لأمريكا، بل لإسرائيل، والرجل الذي
بمقدوره تغيير معادلة الصراع في المنطقة، ليصبح الكيان الصهيوني حليفا بينما إيران
وقطر وتركيا أعداء يجب التصدي لأفكارهم وخططهم، وعلى رأس تلك الخطط دعمهم للقضية
الفلسطينية.
إذن،
كما جاء الصهاينة بعبد الفتاح السيسي رئيسا انقلابيا لمصر، فقد فعلها ترامب،
وبالتعاون مع جاريد كوشنر، في السعودية، لإيصال ابن سلمان للسلطة. فقد أوحى إليه
وساعده في تنفيذ خطته الجديدة، والتي بدأت بخلع محمد بن نايف، على عكس توجهات
وزارة الخارجية الأمريكية، لما يمثله من ثقل أمني. ونتذكر جميعا كيف أن ترامب غرد
مؤيدا لخطوات ابن سلمان حين اعتقل أبناء عمومته ووضعهم في فندق الريتز حتى يعلنوا
له الولاء المطلق. وكان المبرر المعلن هو أن هؤلاء لصوص للمال العام، ويجب عليهم
تسليم ثرواتهم لخزانة ابن سلمان، ليبدا مرحلة حكمه وقد جمع السلطة والثروة.
ويسرد
الراوي في كتابه "نار وغضب" أنه، واحتفاء بترامب الذي قرر دعم ابن سلمان
في خطته للانقلاب على السلطة في المملكة، فقد نصح ابن سلمان بدعوة قادة المنطقة
للمشاركة في مؤتمر وهمي للحديث عن مكافحة الإرهاب. وقد جيء بالحكام والمسؤولين من
كل صوب وحدب لمشاهدة ترامب، والتمتع بالسلام عليه ومصافحته، والعودة بما خف وزنه
وزاد ثمنه. والحقيقة أن المؤتمر - كما كشف الكاتب مايكل وولف - تحول إلى احتفاليه
بالرئيس ترامب وزوج ابنته وابنته الفاتنة إيفانكا؛ التي شاهدنا جميعا الصور
المتداولة لبعض الأمراء وقد شغلوا بالنظر إليها عن الاستماع لكلام أو أحاديث
المتحدثين في المؤتمر وفي الديوانيات التي استقبل فيها آل ترامب.
يقول
الكاتب إن احتفالا رهيبا أعد خصيصا لترامب؛ كلف السعودية، التي رفعت مؤخرا أسعار
البنزين والكهرباء على مواطنيها، حوالي 75 مليون دولار. ومن بين التجهيزات التي
أعدت لترامب، عربة جولف من الذهب الخالص لكي تحمله في ملاعب الجولف في القصر
الملكي. وعلى فكرة، ما ذكره الكاتب لم يكن بعيدا عما صرح به ترامب نفسه بعد عودته
من احتفاليه تنصيبه على عرش الجميع، فقد غرد بانبهاره بما رأى من حفاوة، وما شاهد
من حياة رغيدة وخيالية.
ليس
الأمر متعلقا بتعيين ابن سلمان رجلا لأمريكا في المنطقة، بل مرتبطا بالدور الجديد
لابن سلمان في المنطقة. وحسب المؤلف، فإن صفقة القرن التي اتفق عليها تقضي بمنح
غزة لمصر، والضفة للأردن، والقدس للصهاينة. وبالتالي، فإن المطلوب من ابن سلمان
ليس فقط التخلي عن فكرة أن القدس عربية وإسلامية، وهو الشعار القديم الذي صدر عن
القمة الإسلامية التي عقدت عام 1969 عقب حريق المسجد الأقصى، ولكن المطلوب من ابن
سلمان يتجاوز الصمت الذي اعتاد عليه ومن قبله من حكام السعودية في الفترة
الأخيرة.. المطلوب هو الحديث، وبصراحة، عن أن القدس ملك لليهود، وليس للعرب ولا
المسلمين فيها نصيب. ولذلك سارع ابن سلمان باستدعاء أبو مازن وضغط عليه للتنازل عن
القدس، وذلك قبل انعقاد قمة إسطنبول التي عقدت بعد أسبوع من إعلان ترامب قراره
المشؤوم بنقل سفارة بلاده إلى القدس.
إذا
وضعنا ما جاء في الكتاب المشار إليه مع تسريبات نيويورك تايمز المكتوبة وتسريبات
قناة مكملين الصوتية، فيمكننا فهم الموضوع على النحو الذي أعلنا عنه من قبل، وهو
أن كل ما جرى وما يجري في المنطقة، من حصار قطر والتهديد بغزوها، والمطالبة بإغلاق
قناة الجزيرة، وتهديد حماس والضغط عليها، والتعامل الأمني الدموي مع الإخوان
المسلمين.. إنما يجري لصالح العدو الصهيوني، وإغلاق ملف فلسطين إلى الأبد، وإعادة
رسم خريطة العلاقات في المنطقة على النحو التالي: نضمن لكم البقاء في السلطة أطول
فترة ممكنة، وتضمنون لنا إغلاق الملف الفلسطيني وأمن الكيان الصهيوني.
انتفاضة القدس.. خسائر ومكاسب ترامب!
القُدسُ بوابةُ الصفقةِ الكُبرى