في
الانتخابات الرئاسية
المصرية عام 2012، كان التفاؤل يملأ نفوس المصريين، فتزاحموا في الطوابير أمام اللجان الانتخابية، لإدراكهم أن أصواتهم هي التي ستحدد شخص الرئيس الجديد، بخلاف ما كان يحدث طوال العقود السابقة.
وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2014، خلت اللجان من الناخبين، وهو ما أكدته كاميرات الفضائيات المنصوبة أمام اللجان، وصيحات إعلاميي النظام الحاكم للجمهور للنزول إلى اللجان. وقامت السلطات بمد التصويت يوما ثالثا، والذي لم يتغير المشهد خلاله باستمرار خلو اللجان من الناخبين.
لكن النتائج التي تم إعلانها لتلك الانتخابات تحدثت عن حضور كبير لم ترصده كاميرات فضائيات النظام، كما تحدثت عن نسبة موافقة عالية على اختيار وزير الدفاع، ما أفقد الناس الثقة بالعملية الانتخابية بشكل كبير.
ولهذا، فقدت الانتخابات الرئاسية المقبلة الكثير من اهتمام المصريين، حيث تذكرهم بأحوالهم السياسية المتردية منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن، وترسانة القوانين المكبلة للحريات، وآلاف المعتقلين بالسجون، ومئات الأشخاص الذين تم التحفظ على أموالهم وشركاتهم.
قوانين تظاهر وإرهاب وطوارئ
فمنذ يوم فض تجمع المعتصمين بميداني رابعة العدوية والنهضة، في آب/ أغسطس 2013، فقد تم إعلان حالة الطوارئ مساء نفس اليوم لمدة شهر، وإعلان حظر التجول في 14 محافظة، أي بنصف عدد المحافظات المصرية، ثم تمديد الطوارئ لشهرين، وبعد ذلك مباشرة إصدار قانون التظاهر، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، والذي قيد الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية.
ثم كان قانون الكيانات الإرهابية في شباط/ فبراير 2915، والذي توسع في تجميد أموال المعارضين ومنعهم من السفر، وسحب جوازات سفرهم أو إلغائها، ومنع إصدار جوازات جديدة لهم، وتلاه قانون الإرهاب في آب/ أغسطس من نفس العام، والذي توسع في عقوبات السجن لسنوات عديدة لمن تتهمهم السلطات بممارسة تصرفات تراها إرهابية.
فالسجن المشدد لمدة عشر سنوات للإضرار بالوحدة الوطنية أو بالسلام الاجتماعى، أو بالأمن القومي، أو حتى بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو المباني والمستشفيات ودور العلم، والسجن المشدد لكل لمن أنشأ أو استخدم موقعا الكترونيا بغرض الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لارتكاب أعمال إرهابية.
ثم عاد قانون الطوارئ مرة أخرى في نيسان/ إبريل من العام الماضي، ليتم تجديده ثلاث مرات أخرى، وكأن النظام الحاكم لم تكفه التعديلات التي أجراها في قانون التظاهر، وقانون الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية، وقوانين أخرى.
كما لم يكفه ما قام به من حصار للنقابات، باستبعاد غير الموالين من قياداتها، والجمعيات الأهلية بإصدار قانون كبل نشاطها، والجامعات بإلغاء انتخابات قياداتها، ومؤسسات القضاء بتدخل
الرئاسة لاختيار رؤساءها، والأجهزة الرقابية التي أصبح من حق الرئيس عزل رؤسائها.. والأحزاب التي تم تفجير بعضها وتحولت لهياكل كرتونية، والبرلمان باختيار أعضائه من قبل أجهزة سيادية، ليكتفي بدور الموافقة على ما ترسله له الحكومة دون ممارسة دوره الرقابي.
قتل واعتقال وغلاء وبطالة
وكاميرات المراقبة الأمنية التي تملأ الميادين والشوارع والمباني الحكومية، وإلزام المحلات الخاصة بتركيبها، واعلام الصوت الواحد، وحجب المواقع الإخبارية، وشراء الفضائيات من قبل جهات سيادية، واستخدام ما يطلق عليهم المواطنين الشرفاء للنيل من المعارضين، واستخدام بعض المحامين لرفع قضايا عليهم.
وهذا بخلاف عمليات الاعتقال والقتل؛ التي لم تتوقف منذ الهجوم على أنصار الشرعية بميدان النهضة في الثاني من تموز/ يوليو 2013، وما تلاه من مقتل المتظاهرين أمام نادي الحرس الجمهوري، ثم بمجزرة ميدان رمسيس الأولى، ثم أمام النصب التذكاري لحرب أكتوبر، ثم برابعة العدوية والنهضة، ثم بمجزرة ميدان رمسيس الثانية، وأحداث مسجد الفتح، وسيارة الترحيلات.. وضحايا العديد من الميادين، مثل الدقي والمطرية وغيرها.. وحصار واقتحام العديد من القرى بالمحافظات، منها دلجا بالمنيا وكرداسة وناهيا في الجيزة، والبصارطة والخياطة بدمياط، والميمون وأشمنت وبني حدير في بني سويف، ودار السلام ودفنو في الفيوم، والعتامنه في سوهاج، وشرابيل في الغربية، وأويش الحجر في الدقهلية.. وعمليات التصفية الجسدية والاختفاء القسري، وقتل الطلاب داخل الحرم الجامعي، واعتقال النساء والشيوخ والأطفال، واغتصاب الفتيات، والتوسع بأحكام الإعدام وتنفيذها.
فعندما يعيش المصريون أجواء الخوف تلك، إلى جانب حالة الغلاء والبطالة، خاصة بعد تعويم الجنيه وإنفاق الموارد بمشروعات مظهرية، وينتظرون موجة جديدة من الغلاء عقب الانتخابات استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي.. فهل يذهب المواطن لينتخب من حرمه من حريته وضيق عليه معيشته، وحيرته بشأن دور القوى الدولية والإقليمية بتحديد الشخص المطلوب الذي يحقق مصالحهم، وإذا اختار شخصا آخر فما يدريه أنه مجرد كومبارس أو محلل كما حدث من قبل، وحتى إذا لم يكن كومبارس فما هي الضمانات ألا يقوم الجيش بعزله، كما حدث من قبل مع أول رئيس مدني انتخبه المصريون عام 2012؟