بقبضة قوية ضرب المشير السيسي الكرسي الذي كان يجلس عليه صائحا "لن أسمح للخائن الحرامي بالاقتراب من هذا المقعد"، كان الجنرال يقصد جنرالا آخر ترأسه كثيرا من قبل، بل وأهانه حين كان طالبا بالكلية الحربية، واصفا إياه بـ "الولد النتن"، وهو الفريق أول سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية ونائب رئيس المجلس العسكري الحاكم عقب ثورة يناير؛ في الوقت الذي كان السيسي يشغل فيه رئاسة المخابرات الحربية وعضوية ذلك المجلس العسكري.
السيسي الذي كان يتحدث في مؤتمر تسويقي له بعنوان "حكاية وطن"؛ أعلن في ختامه ترشحه لدروة رئاسية جديدة، أراد إرسال تهديده لخصمه العنيد على الملأ، وفي مؤتمر عام تنقله وسائل الإعلام المصرية وغير المصرية. وفي طريقها إلى خصمه فإن الرسالة ستمر على مراكز قوى تدعم ذلك الخصم، وستصل أيضا إلى الناخبين المحتملين، فتخيفهم على مستقبلهم.
لسنا أمام معركة انتخابية حقيقية، كما أننا لم نعد أمام مسرحية هزلية كما كنا نصفها من قبل بعد ترشح عنان في مواجهة السيسي، خاصة إذا صمد في مواجهة الضغوط السياسية والأمنية والتعقيدات والعقبات الانتخابية والإدارية، بل نحن أمام معركة بين مراكز قوى داخل النظام، أسلحتها تتوزع بين الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات، ومراكز الأعمال والإعلام والدولة العميقة، والشعب هو أحد عناصر القوة، وقد يكون آخرها؛ مرجحا لأحد الطرفين عند تساوي الموازين، وذلك على خلاف المعركة الانتخابية الرئاسية الوحيدة النزيهة التي شهدتها مصر في 2012، كثمرة لثورة يناير، والتي أنتجت أول رئيس مدني منتخب لمصر، بعد 60 عاما من الحكم العسكري.
في ظل حالة الانسداد السياسي والعمل الثوري، ينظر الكثيرون لهذه الانتخابات باعتبارها فرصة يمكن استثمارها لفتح المجال العام في الحد الأدنى، أو ربما تكون فرصة للتخلص من حكم السيسي مباشرة؛ اغتناما لحالة الغضب الشعبي الواسعة التي لم تجد طريقة آمنة للتعبير عن نفسها من قبل. ويستدعي هذا الفريق تجارب تحولات ديمقراطية عقب انقلابات عسكرية تمت عبر الصناديق الانتخابية مثل تشيلي والأرجنتين والبرازيل وتركيا، وقد يحاجج البعض أن هذه التجارب شهدت انتخابات تنافسية حقيقية توفرت لها الحدود الدنيا من ضمانات النزاهة التي مكنت قوى مدنية ديمقراطية من الفوز وهو ما يغيب عن الحالة المصرية الحالية التي تجري في بيئة شديدة القمع ضد المنافسين وإقصائهم وملاحقتهم وتشويههم، ولعل المثال الأبرز على ذلك ما حدث مع الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، ولكن يرد مناصرو فكرة الانتخابات بأن واجبهم هو المحاولة، وبذل الجهد بدلا من الخلود لحالة الركود السياسي التام التي تتيح للنظام التبجح بشعبية زائفة وبغياب أي معارضة حقيقية.
في ظل حالة الانسداد السياسي والعمل الثوري، ينظر الكثيرون لهذه الانتخابات باعتبارها فرصة يمكن استثمارها لفتح المجال العام في الحد الأدنى
السيسي مستعد لإشعال حرب أهلية في حال شعوره بالخطر على كرسي الحكم. وللتذكير، فقد تعرض الفريق سامي عنان لمحاولة اغتيال عقب ترشحه لانتخابات 2014
ليس من الحكمة أن تتسبب هذه المعركة بين الجنرالات في المزيد من التشتت بين القوى السياسية الساعية للخلاص من حكم السيسي، والتي تنقسم حاليا بين ثلاث جبهات
الكومبارس والمناضل في انتخابات مصر الرئاسية
ولا يزال العرض مستمراً في السيرك المصري