تنبع المشكلة التي تحاصر سياسات المملكة المتعثرة في الخارج؛ في كون الحاكم السعودي غير مدرك لطبيعة التحالف ومفهومه. فمنذ 2011، مرت التحالفات
السعودية مع الأطراف المقابلة بحالات تنوعت في ارتداداتها السلبية، بدءا بدعم الانقلاب في مصر عام 2013، والذي لم يواري تعاطفه مع نظام بشار والحوثيين، والدخول أيضا في مغامرات سياسية، ربما لن يكون آخرها فرض الإقامة والمواقف السياسية على بعض حلفاء المملكة، كما حدث مع سعد
الحريري. وهذه فضيحة مدوية أظهرت السياسة السعودية بشكل صبياني، وضربت في عمق الاتزان والعقل التي اتسمت بها الدبلوماسية السعودية.
تكمن مشكلة المملكة في طبيعة تصورها للتحالفات، ذلك أفضى بطبيعة الحال إلى نشوء ظاهرتين أحجمت معها قدرة السياسة السعودية على إحداث فارق في موازين القوى إقليميا وهو ما يؤكده الكثير من المختصين والباحثين بأن الموقف السعودي إلى تراجع كبير.
أولى الظاهرتين هو فشل المملكة في المحافظة على تحالفاتها المكتسبة والتاريخية، أكد ذلك الانعكاس المفاجئ في حادثة استقالة سعد الحريري، حيث اعتبر تراجعه عن موقفه الذي أعلنه من الرياض ضربة قاسية ومخجلة أفقدت المملكة ثقة حليفها في
لبنان. أتساءل كغيري: كيف للمملكة أن تفرط في حليفها وهي بأمس الحاجة إليه في لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله؟ ليس هناك من تفسير سوى سببين من وجهة نظري، أولهما: التهور الذي يمسك بالأمير محمد بن سلمان، والتوهم بسهولة القضاء على
الحوثيين وتحجيم دور إيران. هذا السلوك قاد ابن سلمان إلى فتح ملفات عديدة ومتزامنة لم يستطع احتوءاها؛ في
اليمن وقطر ولبنان، وملفات السياسة الداخلية.
السبب الثاني: توهم المكانة والسلطة الذاتية، وأعني هنا أن المسؤول السعودي الآن بات يمد يده إلى الحليف لتقبيلها، وليس لأنها مبسوطة للمصافحة. إن التصرف المخجل مع الحريري وفرض الإرادة عليه، وكذلك خطاب الاستعلاء القبلي مع قطر؛ بأن المملكة هي السيد الآمر، كل ذلك يبين التصور الذي تغشى القيادة السعودية، وبالتالي انسحب ذلك على خسارة دبلوماسية كبيرة للمملكة في لبنان وملف الأزمة مع قطر.
الظاهرة الثانية عدم قدرة المملكة على خلق تحالف ميداني حقيقي، لماذا الميداني؟ إن المواجهة مع إيران بالدرجة الأولى لم تكن ساحتها الوحيدة اليمن، لكيلا يتغنى أحد بالانتصار على إيران. إن قطع العلاقات الدبلوماسية ولقاءات التصوير مع مقتدى الصدر والتحالف العسكري الإسلامي، كل هذه أهازيج إعلامية لن تهزم صمود مليشيات الحوثي، ولن تقطع الامتداد الميداني العسكري لأتباع إيران في العراق وسوريا ولبنان، وهذا يثبت فشل المملكة في قيادة تحالفات ميدانية، مثلما حصل في العراق ولبنان. فبعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 وحرب لبنان في 2006، أضاعت المملكة فرصة الوصول إلى المكونات السنية، وتزويد هذه القوى بأدوات الفعل والقوة الصلبة، وتجميع قاعدة شعبية حقيقية. لقد انقلب الأمر رأسا على عقب يوم أن غفلت المملكة عن التواصل مع هذه القوى وتشجيعها، حيث بات المكون السني في العراق ولبنان تحت جريرة الاتهام والتسلط، فمجرد حمل السني للسلاح أضحى جريمة يلاحق عليها لوحده دون غيره.
دعك من هذه الإخفاقات، فحتى الساحة الميدانية الوحيدة أمام إيران، وهي اليمن، لم تنجح المملكة في إقامة تحالف حقيقي مع أي قوة يمنية في صف الشرعية. ماذا بيد الحكومة اليمنية المبعثرة؟ إن لم تستطع المملكة الوثوق بحليف ميداني في اليمن، فهي لما سواها أضيع.