ليس من السهل التنبؤ دائما بما ستحمله الأوامر الملكية في
السعودية. هذه الأوامر وإن كانت في العادة تخص حركة التعيينات والإقالات والإعلان عن إنشاء أو دمج الوزارات والمؤسسات السياسية الكبرى في البلد، إلا أنها أحيانا ما تحمل مفاجآت من دون مقدمات، ولربما أتت بعض هذه الأوامر في أوقات يستحيل توقع حدوثها، كما حصل مع حالة إقصاء محمد بن نايف. الأمر اللافت أيضا أن حالة العطاء والهبة من الملك ارتبطت بهذه الأوامر، فبات المجتمع يضع أحلامه بين يديه حال الإعلان عن هذه الأوامر في انتظار زيادة الرواتب أو الإعفاء عن قروض أو غير ذلك من أنواع الهبات. فهل هذه الأوامر هي أداة سياسية بذاتها، تستل في الوقت الذي يريده صاحب القرار؟
طبيعة الأوامر الملكية توحي بأنها أداة لا يمكن الاستغناء عنها، وتبرز أهمية هذه الأداة في المظاهر التالية:
أولا: تكرس هذه الأداة من قدرة الحاكم وتمكنه من الفعل السياسي وتركز كل مواطن القوة في يده، فهذه القرارات تصور مشيئة الملك النافذة، وعليه تبقى مؤسسة الملك والديوان الملكي هي المؤسسة التشريعية الوحيدة التي يجب أن تحظى بكامل الاحترام، لهذا فنحن نسمع بين فينة وأخرى عن أوامر ملكية ربما لا تعني الكثير، إنما فقط لتأكيد الهيمنة السياسية المتمثلة في الإرادة الملكية.
ثانيا: لا تزال هذه الأوامر الملكية بمنزلة المسكن لجروح المجتمع السعودي، مع الأسف الشديد لقد انساق المجتمع السعودي في لعبة التخدير هذه، حتى بات يظن نفسه جديرا بالاهتمام والرعاية مع كل حزمة للأوامر الملكية. وتلاحظ قبيل الإعلان عن هذه الأوامر موجة التفاؤل بأن هذه الأوامر ستجلب عائدا ماليا، أو ستخفف عن الشعب أعباء مالية أو غيرها، حتى أصبح المجتمع يعتقد أنه الشعب المختار الذي يستحق المكافأة دائما؛ وإغداق المال عليه وهو جالس يطالع شاشة التلفزيون.
ثالثا: هذه الأوامر تُكسب صاحب القرار قدرة سريعة على اتخاذ أي سياسة، وخاصة إذا تعلق الأمر بإقالة المنافسين أو غير المرغوب فيهم. إن الأوامر الملكية تعطي صاحب القرار (الملك أو المتحكم في الديوان الملكي) حقا كاملا وتحركا مباغتا تجاه أي شخص، وفي الوقت الذي يريد وبالصيغة التي يريد، وهذا ما حدث فعلا مع أمراء عديدين مثل الأمير مقرن بن عبد العزيز ومحمد بن نايف ومتعب بن عبد الله.
إن 46 أمرا ملكيا تعتبر جملة من التشريعات والقرارات الحساسة؛ كونها اختصت بتعيين أمراء مناطق ونواب وتشريع خطط تخص الشأن العسكري، لكن الأوامر الملكية جعلتها شأنا سهلا بالإمكان الإعلان عنها في ليلة واحدة، بينما مثل هذه القرارات في دول أخرى تحتاج إلى وقت ودراسة.
سيستمر هذا الأسلوب السياسي، حيث إن ذهاب جزء من القدرة النافذة للأوامر الملكية ستفقد صاحب القرار تحكمه في التشريع والمناورة مع أي شخص غير مرغوب فيه، كما أنها مؤشر على السلطة المطلقة التي من الصعب أن تتنازل عنها أسرة
آل سعود. لهذا يصعب جدا التنبؤ بتحول سياسي يمنح عددا من الصلاحيات التشريعية لمؤسسات أخرى كمجلس الشورى، وستبقى لعبة الأوامر الملكية في يد الحاكم يستقوي بها ويرغب بها، فهي العصا والجزرة في الفلسفة السياسية للحاكم في السعودية.