بعد قبولها دعوة الانقلاب العسكري لزيارة مصر ثم الإشادة به؛ اهتزت صورة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، لدى الثوريين والمعارضين المصريين الذين طالما اعتبروها رمزا للكفاح ضد الاستعمار والحكام الخونة، وأيقونة ثورية لحقوق الأمم وحريات الشعوب.
وعلى إثر دعوة مصرية لتكريم بوحيرد بفعاليات الدورة الثانية لمهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة، استقبلت مصر المناضلة الجزائرية استقبالا رسميا من وزير الخارجية سامح شكري، واحتفاء شعبيا حافلا، بدأ منذ وصولها مطار القاهرة السبت 17 شباط/ فبراير الجاري، فيما أقيمت احتفالية، لها الأحد الماضي، بالمجلس القومي للمرأة بالقاهرة، والثلاثاء الماضي، عاشت بوحيرد مراسم استقبال حافلة بمدينة أسوان بالصعيد، قبل تكريمها بمهرجان المدينة بحضور نخبة من الفنانين والمسؤولين.
الغضب من بوحيرد، تزايد بعد إشادتها بقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، ودوره في مكافحة الإرهاب، وقالت بحوار لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أمس السبت، إنه "يخوض حرب وجود لمنع تقسيم العالم العربي"، دون أن تشير لملف الحريات بعهد السيسي سيّء السمعة.
زيارة بوحيرد تأتي في الوقت الذي تعاني فيه مصر من قمع الحريات، وغلق للمجال العام، واعتقال المعارضين، والتضييق على المنافسين بالانتخابات الرئاسية، وعدم اعتراف النظام بحقوق وحريات المصريين، وما تعرضت له الثورة المصرية من انتكاسات، وهي القضايا التي ناضلت من أجلها ضد الاستعمار الفرنسي بستينيات القرن الماضي.
وبوحيرد، انضمت للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1954، وهي ابنة 20 عاما، والتحقت بصفوف الفدائيين وألقي القبض عليها عام 1957، وحكم عليها بالإعدام ليخفف بالسجن 3 سنوات، فيما تحولت لأيقونة نضال الثوار بأفريقيا والعالم العربي بجملتها الشهيرة للاستعمار، "إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة".
والسؤال هو: هل خسرت المناضلة الجزائرية تاريخها بقبول دعوة الانقلاب لزيارة القاهرة، ثم الإشادة بالسيسي؟ وهل تغير منظور الحرية لدى بوحيرد وهي التي دافعت عنها وفجرت ثورة بلادها ضد الفرنسيين؟
لعبة تجميل السيسي
يرى الأكاديمي الجزائري، وليد دوزي، أنه فيما يخص زيارة "بوحيرد لمصر الحبيبة، فإن نظام السيسي، من جهة، يحاول استخدام الفنانين والرياضيين والشخصيات الثورية في تلميع صورته أمام الرأي العام المصري والدولي".
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أضاف لـ"عربي21"، أنه من جهة أخرى، فإن السيسي يحاول "صرف أنظار الرأي العام المصري والدولي؛ خاصة بعد اهتزاز صورته عقب حملات الاعتقال الأخيرة في صفوف المرشحين لانتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، إضافة إلى عملياته العسكرية بسيناء".
خسرت تاريخها
الكاتبة الصحفية أسماء شكر، أكدت أن "بوحيرد، خسرت كل تاريخها الثوري والنضالي من وجهة نظري؛ فبعدما كنا نضرب بها المثل في تصديها للعدو المستعمر، وللحكام الخونة، فوجئنا بزيارتها لعدو المرأة المصرية الأول عبد الفتاح السيسي".
شكر، في حديثها لـ"عربي21"، انتقدت قبول المناضلة الجزائرية دعوة نظام السيسي لها لزيارة مصر، قائلة "السيسي الذي نكل بالنساء والفتيات والذي في عهده قتلت المرأة وسجنت وتم اغتصابها في مقرات الاحتجاز، وعانت المرأة في عهده في الزيارات والمحاكم منذ 5 سنوات ومازالت تعاني خلف ابنها وزوجها وأخوها وأبوها".
وتساءلت شكر، قائلة: "كيف لجميلة بوحيرد، أن تقابل السيسي وتشيد به وبمواقفه؟"، مضيفة "عن أي سيسي تتحدث بوحيرد"، مؤكدة أن "الموقف الأخير لجميلة زلزل صورة البطلة والنموذج النسائي الذي يحتذى به لأنها فجأة تختم تاريخها بجلوسها مع مجرم حرب مثل السيسي، ما يجعلني أراجع تاريخها النضالي كله والبحث عن مصداقية هذا النضال".
"تحلت بالدبلوماسية"
أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة 3 –الجزائر، لطفي دهينة، يرى أن المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد تحلت بالدبلوماسية وأشادت بشعب مصر وتاريخه، موضحا أن "تصريح بوحيرد اتسم باللباقة ولم يخرج عن المتعارف عليه في اللغة الدبلوماسية في بلد استضافها في مهرجان تكريمي لشخصها ولتاريخها".
الأكاديمي الجزائري، أضاف لـ"عربي21"، أن المناضلة الجزائرية "عبرت عن حبها وشكرها للشعب المصري العظيم والذي يربطه تاريخ مشترك مع الشعب الجزائري خاصة في الثورة الجزائرية؛ وهي الحقبة التي عايشتها المجاهدة وتدرك تماما عمق العلاقات التي تربط الشعبين".
اقرأ أيضا: مناضلة جزائرية تستنكر تصوير فيلم مغربي عن حياتها لهذا السبب
وقال دهينة، إنها "كانت دبلوماسية حينما أشادت بالسيسي وجهوده فيما أسمته بمحاربة الإرهاب، خاصة وأنها مدعوة رسمية من نظامه"، مضيفا وإن "كان هناك جدل كبير في مصر فيما يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان ما جعل الأمر يبدو غريبا نوعا ما من مناضلة كبيرة ولها تاريخ حافل في التصدي للظلم، لكن لا ننسى أنها مدعوة في حفل رسمي، ولابد أن تتسم تصريحاتها بالدبلوماسية حتى تتجنب أي احراج لدولتها أو للمضيف".
سليمان الحلبي
وعبر مواقع التواصل انهالت الانتقادات لبوحيرد، وقال الكاتب الصحفي صلاح بديوي، "صدمتنا المناضلة الجزائرية بقبولها دعوة صهاينة الانقلاب وزيارة مصر المطعونة في عرضها وأرضها ودينها".
وقال الكاتب الصحفي سليم عزوز، "بوحيرد تشيد بالسيسي، والله لو كنت (سليمان الحلبي) قاتل (كليبر) ولا تلزمينا بثلاثة أبيض".
وعرض الكاتب الصحفي عماد أبوزيد، صورا لبوحيرد مع الرئيس جمال عبدالناصر والسوري بشار الأسد، ووزير خارجية الانقلاب سامح شكري، متسائلا: "ما سر دعم بوحيرد لهذه الأنظمة وهي تعلم ما حدث ويحدث الآن بالبلدان العربية؟"، متعجبا "أليس من الواجب أن تكون في صف الشعوب وليس التصوير مع الأنظمة".
تزايد ظاهرة اعتزال السياسة في مصر هربا قمع السيسي
مقترح قانون يمنح طلاب مصر درجات مقابل التصويت بالانتخابات
السيسي يلتقي الإنجيليين الأمريكيين.. ماذا قال لهم؟