منذ وصل ترامب إلى البيت الأبيض وعلى نحو مفاجىء كمن هبط بمظلة، وهو يستخدم مفردات المعجم التجاري حتى في تصريحاته السياسية، فالرجل مقاول أولا وأخيرا ولا تعنيه الأبعاد الرمزية، سواء تعلقت بأوطان أو مقدسات أو حقوق بشرية. كل شيء بالنسبة له خاضع للتسعيرة ولا يعترف بما يسمى أخلاقيا الخسارات الرابحة، أي المواقف التي تكلف أصحابها أثمانا باهظة، لكنهم يصرون على اتخاذها لأسباب غير مادية على الإطلاق !
وحين يكون معجم رئيس الدولة الأكبر والأغنى والأقوى لكن ليست الأعظم، خاضعا للحواسيب ومعايير الربح، والربح أيضا لأن الخسارة ليست من مفرداته، فإن هذا الخطر أخلاقيا وثقافيا لا يقلّ عن خطر استخدام السلاح النووي؛ لأن الإبادة قد تتم دون إراقة قطرة دم واحدة.؛ لأن ضحاياها ليسوا بشرا من لحم ودم، أو أبراجا من حديد وإسمنت وحجارة، بل منظومة من القيم التي كافحت البشرية عدة ألفيات لترسيخها وعدم العودة مجددا إلى الغاب وشرائعه الدموية .
ومن يرصد تغريدات ترامب ولغة جسده، يدرك على الفور أن الرجل لا يجتذبه شيء كالأرقام، وأشك أنه قرأ رواية لوليم فولكنر كالصخب والعنف أو قصة لوليم سارويان، أو حتى قصيدة لألن عنزبرغ، بخلاف بوش الأب الذي لم يجد مدخلا لمذكراته بعنوان التقدم إلى الأمام، أفضل من مشهد من رواية لمارك توين، وكذلك بخلاف جون كنيدي الذي كان يرى البيت الأبيض مضاء إذا زاره شعراء.
إن ثقافة المقاول ومكوناته النفسية لا تعترف بغير الأرقام الصماء، لهذا لم تكن إهانة الأفارقة مجرد زلة لسان من إنجلوساكسوني تنطبق عليه مواصفات "الواسب"، بل هي من صميم تربويات متعالية ومن أدبيات التجارة التي لم يسلم منها حتى الرقيق في زمن الرجل الأبيض ذي القلب الشديد السواد!
إن خطورة هذا النفوذ الكوني وهذه السطوة المادية على كوكبنا، هي في تجريف أقانيم الآدمي الثلاثة: الحرية، والوعي، والكرامة!!
الدستور الأردنية