قبل أن يتعرّض الرئيس الفنزويلي مادورو لمحاولة اغتيال بأكثر من نصف
قرن، سجل فيدل كاسترو رقما قياسيا في محاولات الاغتيال، تجاوزت المئتين، وما شهدته
القارة اللاتينية من حراكات وثورات وانقلابات حال دون استقرارها إلا فيما ندر،
وكان العالم يتصور أن الاغتيال الجسدي استبدلت به اغتيالات سياسية واقتصادية، في
مقدمتها الحصار باعتباره وصفة نموذجية لإفشال الدول. وحين زار الفيلسوف الفرنسي
سارتر هافانا في ستينات القرن الماضي، سمع من كاسترو عبارات مريرة، منها أن تلك
القارة المنكوبة بالاستعمار تحولت النعمة فيها إلى نقمة، وقال إن الكوبيين وحدهم
من يعرفون مرارة السكر.
لقد ورث مادورو الرئاسة عن سلفه شافيز، ولم تكن التركة سهلة لأن
شافيز تجاوز الكثير من الخطوط الحمر بالنسبة للولايات المتحدة، واتخذ مواقف
راديكالية من قضايا تحررية منها القضية الفلسطينية، ما ضاعف من السخط عليه، لأن
مثل هذه المواقف تغريد خارج السرب الذي ترى واشنطن أنه محكوم رغما عنه أن يبقى في
مدار جاذبيتها.
وما
مرت به شعوب تلك القارة من تجارب حصّنها ضد إعادة الخديعة خصوصا في التجربة
التشيلية، فالولايات المتحدة غذت الديكتاتور بينوشيه وأدخلته أكثر من مرة إلى غرفة
الإنعاش لكنها كالعادة وانسجاما مع برغماتيتها تخلت عنه عندما فقد الصلاحية، ورغم أن
سلفادور الليندي لم يكن دكتاتورا وحاول الصعود ببلاده من الهاوية إلا انه لقي
مصيرا مأساويا شاركه فيه صديقه الشاعر الأشهر في العالم في تلك الفترة بابلو
نيرودا!
والاغتيال
كما محاولة الانقلاب عندما يفشل يكون له تأثير شديد على أوضاع البلاد والعباد لأن
الرصاصة التي لا تصيب تُدوش كما يقال، وبعد محاولة اغتيال مادورو ستدخل البلاد
مجددا في صراعات أوشكت ذات يوم أن تصبح حربا أهلية.
عن صحيفة الدستور الأردنية