قال خبراء
المصارف والمؤسسات المالية المحلية والدولية، إن السنوات الماضية شهدت تحولا نوعيا في عمليات
غسل الأموال، إذ باتت أكثر خطورة، وتأثيرا في المسار
الاقتصادي الدولي، فاتسع نطاقها، وزاد اعتمادها على أساليب التكنولوجيا الحديثة، ونشطت مستغلة ثغرات النظام المالي العالمي إلى أقصى حد، وانتقلت في كثير من الأحيان من إطار الجريمة المنظمة، التي تقوم بها عصابات إجرامية، إلى وضعية جديدة تشارك فيها دول عبر رجال أعمال على ارتباط قوي بالأنظمة السياسية فيها.
وكرد فعل على هذا التطور كان من الطبيعي أن يتحول ملف الاهتمام والتصدي لتلك العمليات من النطاق الاقتصادي إلى النطاق الاستخباراتي، إذ لم تعد عملية مكافحة غسل الأموال حصرا على أجهزة الشرطة المحلية، وإنما تطلب الأمر أن يحتل التصدي لها أولويات ملفات الأمن القومي، وضرورة التنسيق بين الأجهزة الأمنية كافة في الدولة، بل توسيع نطاق التنسيق ليضمن تعاونا إقليميا ودوليا لوضع حد لاستفحال تلك الظاهرة، خاصة أن العديد من المؤشرات تربط بين هذا النوع من الجرائم والإرهاب.
يعتقد الدكتور ريتشارد فوستر أستاذ الاقتصاد الكلي أن الخطورة الراهنة لعمليات غسل الأموال، التي دفعت الأجهزة الأمنية إلى وضعها على قائمة أولوياتها تكمن في أنها تسمح لغاسلي الأموال أو القوى التي تقف خلفهم بالتحكم في الاقتصاد الوطني.
ويقول وفقاً لصحيفة "الاقتصادية"، إن زيادة العرض النقدي بصورة غير مخطط لها، أو خارج الأطر التي يحددها البنك المركزي، وهو ما يحدث من جراء عمليات غسل الأموال يؤدي إلى خفض معدلات الفائدة، ما يعني زيادة معدلات الاستهلاك من السلع والخدمات، ويتم ذلك عبر زيادة الاقتراض لسهولته وانخفاض تكلفته، ويوجد ذلك في الأمد الطويل زيادة مصطنعة في عديد من الأصول الوطنية مثل القطاع العقاري.
حيث أن انخفاض أسعار الفائدة وسهولة الحصول على القروض يتواكب غالبا مع اتجاه المستهلكين إلى شراء الأصول العقارية، ويوجد ذلك فقاعات اقتصادية، سواء بطلب غير واقعي على الأصول، أو اقتراض الأموال دون أن يكون لدى المقترض قدرة مالية حقيقية للسداد.
وتشير تقديرات المؤسسات الدولية العاملة في مجال مكافحة غسل الأموال إلى أنه يتم غسل تريليوني
دولار أمريكي كل عام، من بينهم نحو 1.2 تريليون دولار تعود إلى أموال الجريمة المنظمة.
ويقدر الخبير البريطاني السابق في وحدة مكافحة الأموال في شرطة اسكتلنديارد، قيمة عمليات غسل الأموال في العالم بنحو تريليوني دولار، وذلك بناء على معلومات مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة، إذ يقدر أن ما يراوح بين 2 و5 في المئة من الناتج المحلي لجميع دول العالم يذهب إلى عمليات غسل الأموال، ولا يمكن وقف تلك الظاهرة إلا عبر تعاون وتنسيق تام بين الأنظمة المصرفية في العالم.
ويحمل كثير من الخبراء الاقتصاديين المؤسسات المصرفية المسؤولية الأساسية لتفشي تلك الظاهرة.
سارة فاينلي المديرة التنفيذية في مجموعة نيت ويست المصرفية تقر بوجود عديد من الثغرات في النظم المصرفية حول العالم تمثل مدخلا ملائما للأشخاص الذين يقومون بعمليات غسل الأموال.
وتشير إلى أن المصارف الدولية أنفقت العام الماضي نحو ثمانية مليارات دولار للامتثال للقواعد المنظمة لمكافحة غسل الأموال، ومنذ عام 2008 عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية وحتى الآن دفعت البنوك غرامات تقدر بـ 321 مليار دولار بسبب الإخفاقات التنظيمية التي أتاحت الفرصة لعمليات غسل أموال.
وتضيف: "القواعد المصرفية التنظيمية لمكافحة غسل الأموال في تزايد، ونظرا للتعقيدات المرتبطة بتلك القواعد زادت البنوك الدولية عدد العاملين فيها لسد الثغرات التي ينفذ منها المتورطين في غسل الأموال ثلاثة أضعاف عددهم عام 2011".
لكنها تحذر من أن الإفراط في تلك القواعد قد يحد من قدرة المصارف على توفير أداء سلس في معاملتها البنكية، بما قد يكون له تأثير سلبي اقتصاديا وماليا على عديد من الدول التي تعتمد على مرونة أنظمتها المالية لجذب الاستثمارات الدولية.