نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمراسلها ريتشارد سبنسر، تقول فيه إنه قبل عقد كان العدو رقم 1 لبريطانيا وأمريكا هو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، المتعصب الديني الذي قاد تمردا يهدف إلى طرد القوات الغربية من العراق.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن القوات لا تزال هناك، مستدركا بأنه في إشارة إلى مدى التحول الذي حصل في العراق، فإن كلا من لندن وواشنطن تعلقان الآمال في سياساتهما الشرق أوسطية على نجاح مقتدى الصدر، الذي كان قلما يذكر اسمه دون وصفه بـ"رجل الدين الناري"، في الانتخابات.
ويلفت الكاتب إلى أن الصدر يعد زعيما شعبويا من عائلة عراقية عريقة من رجال الدين الشيعة، وقد وصفته وزارة الدفاع الأمريكية في ذروة التمرد عام 2006، بأنه أكبر تهديد لاستقرار البلد، أكبر حتى من تنظيم القاعدة.
وتفيد الصحيفة بأن الصدر لا يزال يعارض الوجود الغربي في البلد، لكنه في الوقت ذاته، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أصبح شخصية بارزة في معارضة السياسيين المدعومين إيرانيا في البلد، بالإضافة إلى أنه أصبح يشجب السياسة الطائفية الشيعية، بعد أن كان ينظر إليه على أنه يمثلها، ما جعله في صف الغرب في الانتخابات البرلمانية، التي ستحدد إن كانت بريطانيا وأمريكا حافظت على تأثيرها في البلد.
وينقل التقرير عن ضياء الأسدي الذي يقود قائمة حزب الصدر في البرلمان، قوله: "إنه يسعى لتحقيق ائتلاف مع أناس يريدون إقامة دولة مدنية وليست طائفية"، حيث يعد الصدر الزعيم الروحي لحزبه، ولن يترشح شخصيا للانتخابات.
ويقول سبنسر إن "الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين الذين يرصدون الانتخابات لا يتحدثون عن أي علاقة مع الصدر، لكنهم، دون شك، حريصون على بقاء حيدر العبادي رئيسا للوزراء لدورة ثانية، وهذا يعني أنهم يأملون أن يدعمه الصدر، حيث يعترف بأنه صانع ملوك ويحظى بقاعدة دعم عريضة بين الطبقة العاملة الشيعية، ولا يتوقع أن يكسب حزبه السلطة، لكنه أشار إلى استعداد حزبه لأن يدعم العبادي".
وتذكر الصحيفة أن الصدر قام برحلة سياسية غريبة، فهو ابن رجل دين شيعي بارز، وزوج ابنة رجل دين شيعي بارز، وبعد تمرده ضد القوات الغربية اعتزل في قم، وهي أهم مراكز التعليم الشيعي، ثم عاد إلى العراق بخطاب مليء بالعداوة لإيران، ويقول إنه يريد أن يرى عراقا حرا من النفوذ الإيراني، وأن تكون الحكومة علمانية، وأن يهتم رجال الدين بالدين، وألا يشكل كون الشخص سنيا أو شيعيا أي معنى سياسي.
ويورد التقرير نقلا عن الأسدي، قوله في مقابلة في بغداد: "هدفه النهائي هو أن يرى هذه التصنيفات تختفي.. إنه يرغب أن يرى حملات انتخابية تقوم على البرامج والأجندات".
ويجد الكاتب أن "حملة إعادة انتخاب العبادي تشكل مفارقة، فمن ناحية ظاهرية جاءت رئاسة العبادي لبلده في فترة تغيرت فيها حظوظه، فعندما تولى العبادي الحكم عام 2014 كان تنظيم الدولة في أوجه، بعد أن هزم الجيش العراقي الضعيف والفاسد، واستولى على مساحات شاسعة في شمال البلد حتى حدود كردستان العراق، واستطاع العبادي أن يعلن الانتصار بعد أن استطاعت قواته، التي أعادت القوات الأمريكية تدريبها، أن تطرد تنظيم الدولة من العراق".
وتنوه الصحيفة إلى أن الحياة في بعض المناطق التي كانت ترزح تحت حكم تنظيم الدولة عادت شبه عادية، حيث تزدهر التجارة في مناطق مثل شرق الموصل والفلوجة، فيما أصبح الوضع الأمني في مناطق لم يستطع التنظيم الوصول إليها، مثل بغداد، أفضل بكثير من أي وقت منذ الغزو عام 2003، حيث هناك تراجع في السيارات المفخخة وحوادث الاختطاف.
وبحسب التقرير، فإن فترة حكم العبادي شهدت تخفيفا من الضوابط الاجتماعية، منوها إلى أنه كانت هناك مليشيات في ظل حكم سلفه نوري المالكي، تقوم بمهاجمة البارات، وتقتل الرجال الذين يشك بكونهم مثليين.
ويستدرك سبنسر بأن "العبادي يفتقر إلى القاعدة الشعبية، وسلفه المالكي لا يزال مغتاظا من خلعه من الحكم بعد أن سيطر حزبه، (حزب الدعوة)، على السلطة بشكل أو بآخر منذ عام 2005، والعبادي أيضا ينتمي لحزب الدعوة، ولكنه شكل فصيلا منشقا ونجاحه في الانتخابات غير أكيد، فعليه أن يعتمد على دعم الصدر وعلى حزب شيعي معتدل جيد اسمه حزب الحكمة، يقوده رجل دين آخر، بالإضافة إلى الأحزاب الكردية".
وتجد الصحيفة أن "العبادي ضحية لنجاحه، فلأن الأمن لم يعد قضية العراقيين الأولى، فإنهم قد تنبهوا لأزمات طويلة الأمد، مثل الفساد المستشري الذي أدى إلى ضياع سنوات من أموال النفط، من خلال الخدمات العامة المنهارة، وهذا الفساد وصل ذروته تحت حكم المالكي، بحسب جميع الروايات تقريبا، لكن المفارقة أن العبادي قد يدفع الثمن".
وينقل التقرير عن أبي حسن، الذي يعمل في قطاع الحديد في بغداد، في مدينة الصدر، قوله: "لا أؤمن بأي من الأحزاب"، وأضاف أنه مثل الكثيرين لن يصوت لأي شخص؛ بسبب الفساد "العجيب" لأعضاء البرلمان العراقي.
ويقول الكاتب إنه لا أحد يحاول إخفاء هذا الفساد، ففي مقابلة تلفزيونية قبل عامين اعترف السياسي العراقي مشعان الجبوري بأنه تقاضى رشاوى قيمتها تجاوزت المليون دولار، وأنه كان من الغباء لو لم يأخذها؛ لأن الجميع يأخذ الرشاوى، لافتا إلى أن الصدر يقود حملات ضد الفساد في الوقت الذي كان فيه أعضاء البرلمان من حزبه متواطئين.
وترى الصحيفة أن "الفريق الوحيد الذي يستفيد من هذا الوضع هو (تحالف التحرير)، الذي تم تأسيسه من الحشد، وهي القوات الشيعية التي دربها الحرس الثوري الإيراني، فلديه شعبية لا بأس بها، ومستعد بالتأكيد أن يشكل ائتلافا مع المالكي لتشكيل حكومة موالية لإيران، وهو ما يعني أيضا أن المليشيا ستبقى قوة مستقلة، ما سيترك العراق مثل لبنان، حيث يتم تعريف السياسة بحسب الطائفة ووجود جيش خاص يأخذ الأوامر من طهران".
ويبين التقرير أن هذا يجعل الغرب يأمل أن يقوم مؤيدو الصدر، الذين حاربوهم في السابق، بالتصويت، حيث تعهد بعدم دخول أي ائتلاف يضم المالكي، ويريد أن يتم استيعاب المليشيات في الجيش.
وينقل سبنسر عن الأسدي، قوله: "لا يريد (الصدر) علاقة مع أمريكا، ويريد من أمريكا تغيير سياستها في الشرق الأوسط.. وتريد إيران عكس سياستها الخارجية في العراق، لكن يجب الاتفاق على أن للعراق مصالحه الخاصة".
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه "بالنسبة للغرب، فإن عدو عدوي هو صديقي، وإن كان عدوي أيضا".
فورين بوليسي: هذا سيناريو حرب مباشرة بين طهران والرياض
الغارديان: كيف سيرد المجتمع الدولي على فوز حزب الله وحلفائه؟
الغارديان: هل يطيح مهاتير التسعيني بنجيب "الفاسد"؟