نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا لمراسلها للشؤون الدفاعية ديون نيسيبون، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل خلال سنته الأولى في الرئاسة النصح المقدم له من مستشاريه للأمن القومي الذين اتسموا بالحذر.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ترامب زاد عدد الجنود في أفغانستان، وأخر خطته لنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس بناء على طلب من مستشاريه للأمن القومي، وكذلك حافظ على اتفاقية الاحتواء النووي مع إيران مع أنه كان يشتمها.
ويقول نيسيبون: "الآن وصل ترامب إلى مرحلة يثق فيها بأن جهوده لحث وإقناع وتخويف منافسيه عالميا تمكنه أن يفعل ما لم يستطع أسلافه فعله، بحسب الناس الذين يعرفون كيف يفكر، ومع وجود فريق أمن قومي جديد بجانبه، فإنه يقوم بالتحرك قدما بجهوده لتفكيك أحد أعمدة أجندة الرئيس باراك أوباما، وبفعله هذا فإنه قد تجاوز الحدود التقليدية لعملية اتخاذ القرارات بشأن السياسة الخارجية والأمن القومي".
وتذكر الصحيفة أن ترامب قام يوم الثلاثاء بآخر خطوة، حيث أهمل نداءات الحلفاء الأوروبيين، وانسحب من الصفقة التي عقدها أوباما عام 2015، التي أوقفت برنامج إيران النووي.
وينقل التقرير عن المدير العام لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبويتز، الذي كان يدعو لتعديلات على الصفقة مع إيران لا إلغاءها، قوله: "إنه فن الصفقات: رفض الالتزام بالاتفاقيات التي ليست لصالح أمريكا، والخروج أو التهديد بالخروج من هذه الاتفاقيات، واستخدام أكبر قدر من الضغط للحصول على صفقة أفضل".
ويلفت الكاتب إلى أن المخاطر المحتملة لهذه السياسة أصبحت واضحة بعد ساعات من إعلان ترامب تحول أمريكا إلى سياسة المواجهة، حيث أعلن المسؤولون السوريون أن إسرائيل قامت بغارات جوية ضد عدد من الأهداف الإيرانية في دمشق، وحذرت إسرائيل السكان في مرتفعات الجولان من احتمال قيام إيران بشن هجمات، ما زاد من مخاوف المزيد من الصراع في الشرق الأوسط.
وتفيد الصحيفة بأن سياسة ترامب هذه أثارت الانتقادات من الذين يشككون في جدوى استراتيجيته، فقال ليون بانيتا، الذي عمل مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية ووزيرا للدفاع في ظل حكم أوباما، إنه يبدو أن ترامب ينوي أن يهدم إنجازات سلفه كلها، دون أن تكون لديه رؤية لما يجب أن يحل محلها.
وأضاف بانيتا: "والنتيجة هي أنه يتخذ خطوات تخلق كثيرا من الفوضى، دون أي نوع من الاستراتيجية لما يجب فعله تاليا.. وإن لم تكن لديك استراتيجية إلى أين تذهب بعد أن تلقي بقنبلة يدوية في غرفة، فذلك يجعل الوضع خطيرا".
وينوه التقرير إلى أن حلفاء ترامب يعترفون بخطورة سياسة الرئيس، لكنهم يقولون إن التكتيكات بدأت تعود بفوائد، خاصة دفع زعيم كوريا الشمالية المتقلب كيم جونغ أون، إلى التفاوض مع أمريكا، حيث قام ترامب بإثارة مخاوف قيام حرب لمدة أشهر، من خلال تقليله من شأن كيم، وأطلق عليه لقب "رجل الصواريخ"، وبقي يهدده بـ"النار والغضب"، كما شدد ترامب على فريق الأمن الوطني لديه بضرورة تطوير خيار لضرب كوريا الشمالية، وهي سياسة يتبناها علنا مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون.
ويبين نيسيبون أنه في الوقت الذي يرى فيه منتقدو قرار ترامب بشأن إيران يوم الثلاثاء، بأنه يقلل من احتمال قبول كوريا الشمالية بصفقة مع أمريكا، فإن بولتون يرى أن ذلك التحرك يقوي من موقف أمريكا في المفاوضات، حيث قال: "إنه يبعث برسالة واضحة بأن أمريكا لن تقبل صفقات غير ملائمة"، مشيرا إلى أن سياسة المواجهة مع كوريا الشمالية أثارت مخاوف وقوع حرب نووية، لكن مؤيدي ترامب يقولون إن التهديدات أخافت كيم.
وتورد الصحيفة نقلا عن دوبويتز، قوله: "أعتقد أن كيم جونغ أون قلق من ناحية ترامب.. فقد يظن أنه يستطيع أن يلعب لعبة ترامب، لكنه يحتاج أن يكون قلقا من أن ترامب مستعد للذهاب إلى ما لم يذهب إليه أي رئيس أمريكي سابق، فيما يتعلق بوضع أكبر قدر من الضغط، فيمكن لترامب أن يكون زناده على (تويتر)، وممكن أن يكون متوحشا، وسيعلم كيم جونغ أون المزيد قريبا".
وينقل التقرير عن حلفاء ترامب، قولهم إن الرئيس رأى سياسته مع كوريا الشمالية قالب محتمل يمكن استخدامه مع إيران؛ باستخدام التهديد والتخويف للعدو، والضغط على الحلفاء القلقين باتخاذ خطوات صارمة لعزل المنافس المتسبب بالمشكلات، والاضطرار إلى طاولة المفاوضات.
ويشير الكاتب إلى أن ترامب قام بإحاطة نفسه بفريق أمن قومي جديد، يهدف إلى تسخير أسلوب الرئيس للوفاء بوعود قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية، بحسب أشخاص على دراية بطريقة تفكير الرئيس.
وتستدرك الصحيفة بأن الإدارة تواجه صعوبة في إقناع حلفائها الأوروبيين للعمل مع أمريكا بعد ما حصل، حيث نأى القادة الأوروبيون، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانيويل ماكرون، بأنفسهم عن القرار الأمريكي، في الوقت الذي وعدت فيه تلك الدول بالعمل مع إيران على إنقاذ الاتفاقية.
ويلفت التقرير إلى أن ترامب يعتمد على كل من إسرائيل والسعودية، أشد منافسي إيران في الشرق الأوسط، ليقودوا الجهود للحد من نفوذ إيران الإقليمي، وكلاهما في حرب مفتوحة مع إيران ووكلائها بشكل أو بآخر، مشيرا إلى قول بعض المحللين بأن إعلان يوم الثلاثاء زاد من مخاطر وقوع اشتباكات عبر الحدود.
ويقول نيسيبون إنه الآن، ومع وجود مستشارين في الأمن القومي يفكرون بالأسلوب ذاته، فإن ترامب يقوم بتحدي الوضع الراهن، فهو يريد خروج القوات الأمريكية من سوريا، وأعرب عن أمله في أن يحصل ذلك في أفغانستان، مشيرا إلى أن مسؤولين أمريكيين سيقومون يوم الجمعة القادم بافتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في القدس، وهو ما كان يقول بعض مسؤولي النظام بأنه لن يحصل لسنوات.
ويضيف الكاتب: "الآن قام ترامب بإلغاء الاتفاقية مع إيران، التي قال له حتى بعض أعضاء فريقه للأمن القومي إنها فعالة".
وتورد الصحيفة نقلا عن أحد مسؤولي إدارة ترامب السابقين، قوله: "لسنا قوة إمبريالية.. إنه (ترامب) لا يريد للشباب الأمريكيين أن يموتوا في هندوكوش، في الوقت الذي يدفع فيه دافعو الضرائب التكلفة، شعار أمريكا أولا يعني عكس العزلة -حيث من مصلحتنا القومية أن يكون لدينا حلفاء- وليس محميات".
ويلفت التقرير إلى أنه بالنسبة للبعض، فإن سياسة ترامب الخارجية تذكر باستراتيجية الرئيس رونالد ريغان لمواجهة الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي، حيث قام ريغان بالتقليل من شأن موسكو، واصفا إياها "بالإمبراطورية الشريرة"، وسمع مرة على المايكروفون يمزح حول قصف الاتحاد السوفييتي خلال خمس دقائق.
ويوضح نيسيبون أنه كان يخشى من أسلوب ريغان بأن يشعل حربا نووية، لكنه في المحصلة تفاوض وتوصل إلى اتفاقية تاريخية غير متوقعة لتخفيض عدد الأسلحة النووية على الجانبين.
وتستدرك الصحيفة بأن هناك فروقا بين الرئيسين، ففي الوقت الذي اعتمد فيه ريغان على توصيات فريق مستشاري الأمن القومي المخضرمين، فإن ترامب يغتاظ من توصيات مستشاريه، وذلك هو سبب التغيير المستمر في كبار المسؤولين.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى قول بانيتا: "كان رونالد ريغان كيّسا بما فيه الكفاية ليعتمد على أشخاص ذوي فطنة في المواقع الرئيسية، أناس يعرفون ماذا يفعلون، وكان مستعدا لأن يأخذ بنصحهم.. وأظن أن هذا الأمر شكل مشكلة بالنسبة للرئيس الحالي".
واشنطن بوست: احمنا يا رب من قرارات ترامب
أتلانتك: ما أوجه الشبه بسيناريو كيماوي العراق ونووي إيران؟
صندي تايمز: ما هي احتمالات المواجهة بين إيران وإسرائيل؟