انتقادات واسعة بعد إعلان مصر توقيع عقد إنشاء
أطول برج في أفريقيا بالعاصمة الإدارية الجديدة مع شركة صينية، في الوقت الذي يعاني
فيه المصريون الفقر، والتهديد بالعطش، ونزوح 5 ملايين مصري من الدلتا على خلفية
أزمة المياه.
وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، بسام راضي،
مساء الأربعاء، إن شركات صينية ستقوم بتشييد أطول برج بالقارة الأفريقية، وذلك إثر
استقبال رأس النظام عبدالفتاح السيسي، مسؤولا بالحزب الشيوعي الصيني.
وتنفذ المشروع شركة ( cscec ) الصينية، على مساحة
تبلغ 1,7 مليون متر مربع، وبتكلفة تصل لنحو 3 مليارات دولار، وكان وزير الإسكان
مصطفي مدبولي (رئيس الوزراء الحالي) أكد في آذار/ مارس الماضي، أن المشروع سيتم
تنفيذه في نحو 3 سنوات، بدلا من 6 سنوات.
وأوضح الوزير أن استثمارات المشروع تقدر بنحو 3
مليارات دولار، بقرض صيني، تسدد هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة 15 بالمئة منه،
دفعة مقدمة، والـ85 بالمئة الباقية يتم تمويلها من القرض بفترة سماح مدة الإنشاء،
ثم السداد بعد ذلك على 10 سنوات.
والبرج المنتظر أن يكون الأعلى بمصر وأفريقيا
يتوسط حي الأعمال بالعاصمة الإدارية، ويجاوره 12 مجمعا تجاريا، و5 مبان سكنية
وفندقين، بحسب وكالة شينخوا الصينية، التي نقلت عن الشركة الصينية توقعها الانتهاء
من البرج في غضون 43 شهرا.
ورغم أن فكرة إنشاء أطول برج بالعالم استأثرت
بها الإمارات بعد بناء برج خليفة، بدبي، بتكلفة 1.5 مليار دولار، وبارتفاع 828
مترا، ويتم حاليا بناء أطول برج بالعالم بجدة السعودية كأول بناء يصل ارتفاعه كيلو
مترا، وبقيمة 165 مليون دولار، فيما تبني تركيا أطول برج بأوروبا، ليكون أطول من برج
إيفل بباريس بطول 400 متر.
ويرى مراقبون أن أوضاع الدولة المصرية تختلف كليا
عن أوضاع الإمارات والسعودية وتركيا سياسيا واقتصاديا، حيث بلغت نسبة المصريين
الذين يعيشون تحت خط الفقر 27,8 بالمئة، (30 مليون مصري لا يستطيعون الوفاء
باحتياجاتهم الأساسية)، حسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، لعام 2018.
ومؤخرا، أعلن وزير الموارد المائية، محمد عبد العاطي،
أن مصر تقع بمنطقة شبه قاحلة، والتنبؤات السكانية لعام 2025 تكشف أن نصيب الفرد من
المياه سينخفض لأقل من 500م3 سنويا، ومن المتوقع أن تؤدي تأثيرات تغير المناخ
بالساحل الشمالي لهجرة 5 ملايين شخص من الدلتا.
لمن يتم البناء؟
وفي تعليقه حول جدوى بناء مصر أطول برج بأفريقيا، وجه الخبير الاقتصادي، رضا عيسى، تساؤله للمسؤولين بالدولة، قائلا: "لمن
تبنون هذا البرج بالعاصمة الإدارية؟" مشيرا إلى أن "أموال البيع لأي وحدات سكنية بالبرج ستذهب لجيب الشركات التي تبيع الوحدات، ولا تدخل موازنة
الدولة"، موضحا أن الدولة تتحمل أعباء البناء وتوفير الخدمات، وتسدد القروض
التي تبنى بها تلك المنشآت، ولا تحصل على أي إيرادات".
عيسى، أشار بحديثه لـ"عربي21"، إلى جانب
آخر، قائلا إنه "ما زال لدينا أكبر مدينة مقابر يسكنها ملايين الأحياء من
المصريين؛ حيث مقابر البساتين والغفير بالقاهرة"، مؤكدا أن "فتح باب
الاستثمار الأجنبي بمجال الإسكان لا يخدم ملايين المصريين، وهو خطأ استراتيجي".
وقال: "ببساطة شديدة، فإن تشجيع الدولة على
فتح الاستثمار الأجنبي، واستخدامه للتطوير العقاري بدلا من توجيهه للإنتاج الزراعي
والصناعي، له أخطاره المستقبلية التي تضر باقتصاد البلاد".
وأضاف أن أهم الأخطار هي "نزوح تلك الأموال
وأرباحها للخارج"، موضحا: "فالاستثمار الأجنبي غير مقبول بالعقارات؛ لأن المستثمر يبني للأغنياء ولا يبني للفقراء، وهنا تفقد الدولة رسالتها ودورها
بتوفير السكن لمن يستحق".
وأشار إلى أنه "منذ عامين، نشرت شركة سوديك
العاملة بمجال البناء وصناعة الأسمنت التقرير السنوي العالمي لها، وقالت إنها
سعيدة في مصر بمشروعات الدولة؛ لأنها زادت الطلب على الأسمنت، وضاعفت أرباحها وحصتها
بالسوق المصرية".
وأشار إلى أن "تقارير السجل العيني بمصر رصدت أن 40 بالمئة من العقارات بالمدن الجديدة مثل العبور والشروق وبدر وغيرها
يمتلكها غير مصريين"، متوقعا أن يأتي الدور في الاستثمار العقاري للأغنياء
بجزيرة الوراق، ومنطقة ماسبيرو، ومطار النزهة، وغيرها من المناطق بالقاهرة.
يجب عدم تسويد الصورة
وعلى الجانب الآخر، اختلف الكاتب والمحلل السياسي،
محمد حامد، مع الرؤية السابقة، مؤكدا على أهمية الاستثمارات الصينية في مصر، وموضحا
أن الصين هي من ستتحمل الإنفاق على إنشاء البرج.
حامد، قال لـ"عربي21"، أرى أن
الاستثمارات المصرية الصينية أكبر من ذلك، ويجب عدم تسويد الصورة بالحديث عن العطش
والجوع والتهجير ومعاناة الشعب؛ فالعاصمة الإدارية بكل مشتملاتها هي مشروع قومي، وفرصة أن يكون لدينا عاصمة جديدة بعيدا عن العاصمة القديمة".
وأوضح أن "هذه العاصمة ستشمل كثيرا من
البنايات التي تليق بالعصر والطراز الحديث في بناء العواصم الجديدة"، مثنيا
على تجربة مصر في استنساخ التجارب الدولية ببناء العاصمة الإدارية وبناء أشياء
جاذبة النظر للمصريين والأجانب"، معتبرا أنه "أمر جيد ومحمود".
وقال إنه "بالنسبة للحديث عن المعاناة
الاقتصادية للشعب، فهو حديث قديم جديد منذ مبارك ومرسي و30 يونيو، ولكنه حديث تجدد
بسبب رفع الأسعار وتحريك سعر الدولار مقابل الجنيه"، موضحا أن "كل هذا
أثر سلبا على المواطن المصري، لكن العاصمة الإدارية حالة خاصة".
"لزوم الفشخرة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد الأستاذ
بجامعة القاهرة، الدكتور نادر فرجاني، بناء البرج، واعتبر أنه "برج صيني لزوم
الفشخرة الكذابة للعسكر بقرض جديد يتحمله الشعب المسكين".
ودعا الناشط إيهاب أبو سعده النظام بدلا من بناء
أطول برج بفتح المصانع وتوفير الأمن لأجل السياحة.
فشل بأول مشروع له كوزير.. هل ينجح مدبولي بالعاصمة الإدارية؟
ما دلالات الإطاحة بوزيري الدفاع والداخلية المصريين
لماذا يتمسك النظام المصري باختيار رجل اقتصاد لرئاسة الوزراء؟