ما زال السؤال الملح و
المهم هذه الأيام هو: هل يمكن للعرب و المسلمين مواجهة الهجمة الشرسة التي يعدها
الغرب ضد الإسلام و العروبة، بالتوصل إلى تسوية نتفادى فيها إشعال الطائفية والغلو في الفرقة؟
لنأخذ هذه المرة دروسا
ممن سبقونا على طريق الحرية و الديموقراطية و الحرص على المصالح الوطنية ، وأطرح
هنا نهجا تبناه الاستعمار البريطاني لإخضاع الدول و تحقيق مصالحه في إخضاعها أو
احتلالها ، وذلك بتجنب لغزو العسكري المباشر على المستعمرات حفاظا على حياة جنودها
و حرصا على موازنتها المالية ، فعلى سبيل المثال غزت شبه القارة الهندية عن طريق إنشاء
شركة الهند الشرقية التي اتخذت التجارة كغطاء للاحتلال و مضت في تشكيل جيش من
الهنود تابع لها وقد تيسر لها السيطرة على الهند كلها باستخدام الهنود وسياسة فرق
تسد التي برعت في استخدامها وحققت لها أهدافها. وهو ذات النهج الذي يمارس في الوقت
الحاضر ضد الإسلام و الدول العربية.
رقي الفكر السياسي
العربي الإسلامي
ودعونا نلاحظ خصيصة
رقي الفكر السياسي عند العرب في صدر الإسلام ، فقد أرسى الإسلام مبادئ
الديموقراطية وخرج عن القبيلة حينما امتنع الرسول صلي الله عليه و سلم عن تعيين
خليفة له توخيا لإرساء نظام الاختيار والانتخاب كوسيلة لتنصيب الحكام ، وعليه فقد
اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة وتمت
مبايعة أبي بكر خليفة للمسلمين وهو منصب تغلب عليه السياسة أكثر من الدين ، وقال أبو
بكر ما معناه: وليت عليكم ولست بخيركم فإن أصلحت
فأعينوني و إن أخطأت فقوموني ، وقام رجل ليقول والله إن أخطات لقومناك بسيوفنا .
و لكن هذه النواة
المبكرة للفكر السياسي الراقي المعاصر تراجعت بعض الشيء عندما ترجمت الشوري وقتها
(و إلى الآن في بعض الدول الإسلامية ) إلى شخصيات قليلة ذات نفوذ قبلي سميت أهل
الحل و العقد و لم تستوعب الطريق الذي يؤدي إلى التطبيق الديموقراطي بالشكل الحالي
وهو الذي أرسته تجارب و ثورات شعوب كثيرة على مر قرون.
ولكن للأسف لم يستوعب
الفكر القبلي الوراثي هذا النهج في اختيار الحكام الذين لقبوا بالخلفاء ، فراح
البعض ينادي بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولى بالخلافة لأنه قريب للرسول ،
وذهب البعض إلى أن الرسول قد أوصى بالخلافة لعلي مستندين إلى حديث الغدير وحديث
الخلفاء الاثني عشرة . وهكذا وضعت الخطوط الأولى لخلاف تاريخي بين أكبر طائفتين
إسلاميتين، أهل السنة والجماعة والطائفة الشيعية.
واستفحل الخلاف بالخوض
في تفصيلات جانبية فيمن لديه العصمة الأنبياء أم الأئمة هل كل الصحابة عدول أم أن
بينهم المنافق والفاسق. ومضت الخلافات تستعر بين المسلمين لدرجة اغتيال ثلاثة منهم
عمر و عثمان وعلي ، و النزاع بين علي و معاوية إلى آخر الخلافات المتصاعدة و
المتجددة التي مست السيدة عائشة ولمن يكون التوسل و من هو المهدي المنتظر و مدى
مشروعية زواج المتعة و وضع اليدين على الجانبين أم على صدر المصلي و السجود على
الرقعة الحسينية إلى آخر هذه التفاصيل الجانبية التي لا تمس جوهر الإسلام كدين و
التي توارثتها الأجيال ، فقد نمي هذا الخلاف و ترعرع عبر القرون إلى يومنا هذا ،
وراح ضحيته مئات الألوف من المسلمين سنة و شيعة وهو أمر لا يستسيغه عقل و لا يقبله
منطق .
وقد قام العديد من العلماء بمحاولات بم يكتب لها
النجاح في قمع الطائفية بدأها محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وتبلورت بتأسيس
جمعية التقريب بين المذاهب. و شجع العديد من علماء السنة هذا الاتجاه مثل محمود
شلتوت، وأصدر الأزهر فتواه الشهيرة بصحة التعبد بالمذهب الإباضي والشيعي
الاثناعشري والزيدي وخصص الأزهر رواقا للشيعة ونشأت فيه جماعة التقريب بين المذاهب .
تفاقم الخلافات
الطائفية:
وواصلت الطائفية
مسارها إلى العصر الحاضر فأججت جماعة الشيعة في ايران والعراق و اليمن ولبنان
الخلاف بين السنة والشيعة بعد فشل الثورة الإيرانية في الخروج بالمذهب الشيعي من حدود إيران كما
أخذت المواجهة بين السنة والشيعة تتراوح بين صراع فكري يتمثل في محاولة استقطاب
الفريقين لأكبر كم من الأتباع من الفريق الآخر، إلى الصراع السياسي والمواجهات
المسلحة. وسبب هذا الصراع رغبة كل جماعة فرض سيطرة مذهبها في أوسع نطاق ممكن.
وهكذا نتبين أنه لا
معنى للعداء مع إيران حتى إن لم يكن لوحدة الدين فعلى الأقل بمنطق عدو عدوي صديقي
حيث إن إيران تجاهر بعدم قبول احتلال فلسطين و تدعو إلى إنهائه ومن هنا قد نصل إلى أنه لا يجوز أن ننضم للغرب المعادي للعروبة و الإسلام في معاداة إيران. كما
ينبغي التفرقة بين الخلاف الطائفي و بين أطماع
الدولة فالأول لا مكان له في هذا القرن و الثاني يحل بالتفاوض والتنازلات
المتبادلة.
فإذا بادرت الدول
العربية بفتح إمكانية التعاون مع إيران فمن الممكن التوصل إلى وقف محاولات إيران
الطائفية للمد الشيعي بناء على مفاوضات سياسية كدول وليس طوائف تسفر عن توازن
القوي الحقيقي و تكشف عن المكاسب التي يحققها التلاحم الثابت أو المؤقت .
وهنا نجد أن السعودية
وهي أكبر الدول العربية في المنطقة ما زالت بها نزعات قبلية قديمة ولا يبدو أنها
قابلة للاستمرار في عالم جديد كما أنها تعاني من خطورة الانقسام كما أن تسميتها باسم الملك ابن سعود الذي قام بغزوها
تعتبر ظاهرة فريدة لا مكان لها في عالمنا. ولذلك لا يجب التعويل على مواجهاتها
الدائبة وتخوفها من الغزو الإيراني الطائفي ، بل يتوجب التخفيف من هذا التوجه و
الدخول في مفاوضات لوضع قواعد يلزم بها الطرفين ، مع توقي انضمام دول مسلمة اخرى إلى
الفريق السعودي الإماراتي البحريني لهذا الخط السياسي السعودي .
و يؤخذ في الاعتبار في
هذا المجال أن السعودية هي أول الدول تحالفا بل وتآمرا مع أمريكا كما أرساها الملك
عبد العزيز مع روزفلت وهي تخشى دائما تعاظم الدور المصري ولذلك تبذل الجهود و الأموال (مع
الإمارات ) لمحاصرة ووقف صعود القوة المصرية مرة أخرى .
احتمالات التضامن الإسلامي
العربي :
يرد في الذهن إندونيسيا
و ماليزيا و باكستان (ذات السلاح النووي ) و أفغانستان ، وهي دول لم تتبلور لديها
نوايا التعاون الوثيق مع دول المشرق العربي التي تضم الدول الإسلامية تركيا و إيران بعد التمزق السياسي و الاجتماعي الذي قضي
على ريادة مصر و قيادتها.
و يقتضي الأمر إذا
استشراف إمكانيات التضامن والقدرة علي إرساء تضامن و تعاون في دائرته الواسعة مع
دول الشرق الأقصى المسلمة و تحتاج إلى جهد حثيث لتصعيد اهتمامها في داخل منظمة
المؤتمر الإسلامي والاتصالات الثنائية ، و يسبق ذلك السعي لإيجاد نوع من التضامن و
الوقوف الصارم ، وإن كان وقتيا في وجه
الخطر بين الدول التي تقع في دائرة الخطر
في المشرق العربي و وعدم تجاهل دور و قوة تركيا و إيران وذلك للوقوف في وجه الأخطار
الكبرى الوشيكة التي تهددها في هذه
المرحلة والتي تعتبر صفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية خطوة أولي في طريق هذا
الخطر الداهم .
كل ذلك لا بد أن يجري
بالتعامل مع الدور النشط وأطماع القوي
الخارجية مثل أمريكا و روسيا و فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي .