«النظام الخامنئي»، لن يسقط اليوم ولا غدا. ما زال النظام يُمسك بكل
«مفاتيح السلطة»، التي تضمن بقاءه. لكن من المؤكد أنّ إيران تهتز بقوة تحت وطأة
التظاهرات الشعبية، التي وإن كانت محدودة في أعدادها، إلا أن خريطة انتشارها، خصوصا
في المدن التي تضم طبقة متوسطة واضحة وأبرزها طهران ومشهد وشيراز والأحواز وأصفهان
تشعره بالقلق وتدفعه نحو الاندفاع لتطويق ما يجري، حتى لا تشرق الشمس يوما، وما
كانت مظاهرات محدودة تصبح شعبية وهادرة.
ما
يُعزّز ذلك، أن «الحرب» التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية فاعلة ومؤثرة، وهي
ابتداء من اليوم، تستنزفه أكثر فأكثر وذلك مع تنفيذ الفصل الأول من قرارات
المقاطعة «الترامبية». لا شك أن أكثرها إيلاما في قطاعي النفط والدولار. طهران
تأمل بأن يقع «عصيان أوروبي للقرارات الترامبية»، لكن هذا العصيان سيبقى محدودا، لأن
«قسما من تمويل الشركات خصوصا الأوروبية أميركي».
بعيدا
عن تفاصيل حجم المظاهرات وما يجري فيها فإن متابعتها إضافة إلى وقائع الداخل من
قوى ومواقع ذات تأثير تختصر الكثير من أسباب «القلق الخامنئي»، ما يُعزّز ذلك أن
مَن ينزلون إلى الشارع هم من الطبقة المتوسطة والكادرات الذين فقدوا الكثير من
إمكاناتهم وقدراتهم المالية، والأهم أنهم فقدوا آمالهم بالتغيير الواسع والعميق.
ومن
هذه التفاصيل من دون تسلسل ولا أولوية:
* د.
علي ولايتي المستشار الكبير للمرشد آية الله علي خامنئي والعارف بكل تفاصيل «إيران
العميقة» لأنه أمضى 11 عاما وزيرا للخارجية ومثلها أو أكثر مستشارا أول للمرشد،
وهو ما زال حتى الآن. كشف لوكالة «ايسنا» الإيرانية المقرّبة منه «أن 5432 من
أبناء المسؤولين وغيرهم يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية، وأن عدد الذين
يتابعون منهم دراساتهم الجدية هو بالمئات. الأخطر من ذلك أنّ حجم أموال الإيرانيين
(لم يذكر مَنْ هم ولكن من الواضح أنّه يهدّدهم ضمنا) المودعة في أميركا تبلغ أكثر
من 148 مليار دولار». التقرير حُذف من الوكالة بسرعة. المهم أن «الرسالة» وصلت.
السؤال لماذا تولى ولايتي لعب دور «ساعي البريد» في هكذا قضية معقّدة؟
* في
مشهد التي يُمسك بها السيّد إبراهيم رئيسي المرشح الفاشل لرئاسة الجمهورية وحاضن
الحضرة الرضوية للإمام الرضا. خرجت مظاهرة محدودة (عدة مئات) الأهم أن العميد في
الحرس الثوري، نزل إلى الساحة واختلط بالمتظاهرين، ودخل في نقاش معهم حول أسباب
نزولهم إلى الشارع. ويبدو أنه فشل في إقناعهم لأن المتظاهرين قالوا له ببساطة:
«نشكرك أرسل لنا المحافظ». وذلك كما ورد في وكالة فارس المحسوبة على «الحرس الثوري».
* إن
مظاهرة مدينة قُم التي يقيم فيها أبرز العلماء وآلاف طلاب الحوزات برزت فيها
شعارات موجّهة إلى خامنئي «اترك سوريا واهتم بأحوالنا»، و«لا غزّة ولا لبنان، روحي
فداء إيران».
واللافت
للانتباه هو انتشار هذه الشعارات التي يعود قسم منها إلى الحملة الانتخابية
الرئاسية في المظاهرات العديدة، وفي كل المدن المهمة التي تعيش على وقع التظاهرات.
وإن شعارا جديدا بدا بارزا وفاقعا لأنه تناول لأول مرّة المرشد مباشرة مثل: «اخجل
يا خامنئي».
* إن
وزير الدفاع الجنرال أمير حاتمي، خرج عن ما يشهد من عقلانية، وأطلق تصريحا وكأنه
يجهل أن الطبقة المتوسطة في إيران إلى جانب شرائح واسعة تضم المثقفين والطلاب،
يتابعون بدقة ما يجري في البلاد وما حولها وفي العالم. قال الجنرال حاتمي: «إن
أميركا وحلفاءها خصّصوا 500 مليار دولار لنشر الاضطرابات في إيران». وأوضح أن هذا
الرقم خيالي ولا يمكن للرئيس ترامب مهما فعل أن يجمعه.
* إن
المرشد آية الله علي خامنئي رفض إصدار عفو عن الشيخ مهدي كروبي ومير حسين موسوي
وزهراء رهنودي، الذين يقيمون في الإقامة الجبرية والعزلة التامة منذ ثماني سنوات،
رغم أن قرارا صدر من «مجلس الأمن القومي» ودعمه الرئيس حسن روحاني، لإطلاق سراحهم.
ويعزّز هذا القرار من المرشد، من توجّه «النظام الخامنئي»، لتنفيذ سياسته التي دأب
عليها وهي الانفتاح على الخارج والتشدد في الداخل. ولذلك فإنه يجب توقع ارتفاع
منسوب القمع للمظاهرات والقيام بحملة واسعة ضد مجموعات معروفة وغير معروفة
لإدخالها إلى السجون.
وما
تصعيد «قائد الحرس» الجنرال محمد علي جعفري برفضه «الحوار مع أي رئيس أميركي حاضرا
ومستقبلا»، سوى مؤشر إلى توجه «الجناح القوي» في «النظام الخامنئي»، نحو التصعيد
ومحاصرة أي محاولة شعبية وسياسية لملاقاة الرئيس دونالد ترامب في وسط الطريق. ما
يُعزز وجود خطر من التصعيد أن عميدا في الحرس وصف المعارضين من المتظاهرين بأنهم
«مفسدون في الأرض». بلا شك هذا أخطر اتهام لأن عقوبته الموت.
الرئيس
حسن روحاني، يحاول جاهدا وقف تدحرج «كرة النار» في وسط الطريق لأنه يعرف أنّ
استهدافه تكتمل نتائجه في انهيار النظام، وهو ما لا يريده، خصوصا أنه «ابن النظام»
منذ مطلع الثورة في جميع محطاتها. خطابه أمس إضافة إلى قراراته الأخيرة التنظيمية
المالية والإدارية، ستوضح طبيعة ونوعية المسار الجديد والمواجهة.
الرئيس
الأسبق محمد خاتمي الذي رغم محاصرته ومنعه من الظهور، انتفض وطالب بـ «الاستماع،
بدلا من قمع الإيرانيين الذين لديهم مطالب محقّة على سبل عيشهم المعرضة للخطر».
وشدّد
خاتمي على ضرورة «دعم الوحدة الوطنية وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والتأكيد
على أنّ دور الإصلاحيين محوري». وكان خاتمي في ذلك يُحذّر من التوجه نحو قمع
الشارع وإبعاد الإصلاحيين بدلا من الانفتاح عليهم.
آية
الله مصباح يزدي المتشدّد جدا، معروف بأنه ضمنا ضد «ولاية الفقيه»، وأنه يميل إلى
إقامة نظام «طالباني» في إيران، وأنه حتى لا يخرج من دائرة السلطة، أعلن التزامه
بالمرشد خامنئي. المفاجئ أنّه صعّد من موقفه وهو المقيم في قُم، وذلك في معرض
التحذير فأعلن «أن توجها ينمو ويتصاعد في البلاد بأنه لا حاجة لنظام الوليّ الفقيه».
بعد
ثلاثين سنة على آية الله علي خامنئي في الزعامة المطلقة، هل يُقدم على ما يجب
القيام به لإنقاذ النظام وإيران عبر الوحدة الوطنية والقبول بدور الإصلاحيين
الأساسي..أم أنه يكون «الوليّ الفقيه» الأخير؟
عن صحيفة المستقبل اللبنانية