لم تعد الكتابة عن الشرق الأوسط منتجة. معظم ما كتب وقيل، وسيكتب
ويقال، لم يعد مثمراً ولا منتجاً لأنه أصبح فصلاً جديداً من بكائية وحفلة لطم مملة
كل تفاصيلها معروفة التفاصيل. انتهى تقريباً تقاسم الشرق الأوسط، ما بقي منه، لان
التنازع عليه ما زال قائماً يرسم بدماء الشعوب، مثل سوريا، فقد مضى الكثير منه ولم
يبق سوى القليل منه...
الوجهة
الجديدة للعمل هي باتجاه أفريقيا. ما زالت الأرض الأفريقية غنية لكل أنواع الغزو
ولذلك يتعدد الغزاة ويتنافسون في نشر المليارات من الدولارات. لم يعد الغزاة
"بيض" يحملون في حقائبهم بعض الهدايا المصنعة أو الصناعية ليستبدلوها
بالاستيلاء على مناجم الذهب والماس. لقد نضج الأفارقة بعد أن دفعوا ضريبتها
الباهظة من دمائهم وحرياتهم وثرواتهم. انتهى زمن "الاستعمار الأبيض"،
وبدأ عصر جديد عنوانه "العقود والمشاريع الضخمة".
الغرب،
وتحديداً بريطانيا وفرنسا ومعهما الولايات المتحدة الأميركية، كتبوا فور انتهاء
"الحرب الباردة"، بأيديهم ونفذوا بسرعة ودون أي رؤية مستقبلية الانسحاب
من أفريقيا. اعتبروا انه جرى استثمار ثرواتها ولا داعي للاهتمام بما تبقى خصوصاً
وانه لم يكن يعنيهم منذ البداية مستقبل الإنسان الأفريقي ونمو بلاده، لا بل إن
بعضهم كان يعتقد ويرى انه من الأفضل استمرار الجهل والتخلف لتحقيق ما تبقى من
إمكانات واستثمارات. لم ينتبه "عباقرة الاستعمار الأبيض" إلى أن جيلاً
جديداً من الأفارقة قد ولد من قلب التخلف والنار يتابع ما يجري في العالم ويتعلم
بسرعة والاهم يفكر بشعوبه انطلاقاً من تعلقه بأهله وضرورة وقف معاناتهم وسط الظلام
والفقر والافتقار إلى ابسط معالم الحضارة الجديدة من طرقات ووسائل نقل تختصر
المسافات والتباعد...
الصين
الشعبية كانت الأولى التي التقطت إرادة التغيير الوليدة في القارة الأفريقية، ربما
لان تجربتها الذاتية تجسد كل المعاناة والطموحات التي يعاني منها الأفارقة... عام
2006 بدأ الغزو الصيني الهادئ للقارة الأفريقية. انطلقت من تجربتها الذاتية
الناجحة جدا معتمدة على مخزونها من النقد وعملت على تطبيقها وتنفيذها في أفريقيا
بالتعاون مع الأفارقة. أنفقت الصين حوالي 110 مليارات دولار خلال عقد واحد من
الزمن، واعتمدت على سواعد الصينيين في عمليات البناء الواسعة، حتى انه يقال اليوم
بوجود مليون صيني عامل ينتشرون في أفريقيا يعملون كما يعمل الأفارقة بعيدا عن قصص
الاستعباد الغربية المحفورة في الذاكرة الشعبية الأفريقية، إلى الأبد.
الجديد
أن الهند جاءت الثانية وبدأت بمنافسة الصين بالطرق ذاتها إنما على الأرجح بإمكانات
اقل. انتهت مرحلة الاستكشاف بسرعة بعد أن أكدت التجربة الصينية والهندية أن أفريقيا
لم تعد "قالب الكاتوه" الرائع وإنما هي المنطقة الصعبة ولكنها
الديناميكية. الهند اليوم هي الأولى في استيراد النفط من نيجيريا... التحول الجديد
جعل مثلا من غانا بلدا بلغت فيه نسبة النمو حوالي 6،3?? ، هذا بعيدا عن النمو
الهائل لإثيوبيا... نجاح التجربة الصينية فتح شهية الجميع وبعيدا عن المنافسة مع
الصين، التي وعدت باستثمار 52 مليار دولار إضافي في السنوات الثلاث القادمة في أفريقيا
إلى جانب ما أنفقته والبالغ حوالي مائتي مليار دولار، في حين أن الهند أنفقت حوالي
46 مليار دولار حتى الآن . لقد استوعب الجميع الدرس الصيني أن الاستثمار يبدأ من
الإنفاق الاستثماري أولا قبل التحصيل، خصوصا وان أفريقيا بحاجة لمشاريع ضخمة لتنمو...
الزحف
إلى أفريقيا يتمثل في دخول دول إلى حلبة المنافسة على المشاريع الضخمة أبرزها
تركيا التي نشطت سابقا في ليبيا في فترة القذافي. في غانا مثلا تكاد شركة تركية أن
تنتهي من بناء مطار أكرا في غانا بعد أن أنهت العمل في بناء محطة الكهرباء في حين أن
البرازيل أنهت بناء "جسر نكروما" تيمنا باسم الزعيم التاريخي نكروما. الأهم
أن الخطوط الجوية التركية أصبحت لها محطات في أربعين مدينة فيها. ألمانيا التي
نجحت تجربتها في بناء مصنع لتجميع السيارات في غانا ( حوالي خمسة آلاف سيارة )
تعمل على تنفيذ مشروع "ماريشال أفريقي" تكون رائدته ومفتاحها للانخراط
في هذا الغزو الناعم .
أين
العرب من كل هذا الغزو وهم جزء من الأرض الأفريقية؟
الاهتمام
العربي يتركز حاليا على جيبوتي بعد أن تحولت إلى ارض مفتوحة للقواعد العسكرية،
بسبب موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر الذي تحول إلى مياه مفتوحة لكل الصراعات
والسباقات، وهكذا بعد انفراد فرنسا لعقود طويلة بقاعدتها العسكرية ومن ثم انضمام
الولايات المتحدة الأميركية، بادرت الصين لافتتاح أول قاعدة عسكرية فيها لها في
الخارج، افتتحت السعودية قاعدة لها لتحمي منها ظهرها...
غزو
أفريقيا الناعم ما زال في بداياته ولذلك ما زال الطريق مفتوحا أمام المشاركة
العربية خصوصا وان دولهم من مصر إلى موريتانيا بحاجة للتعاون والاستثمار بعيدا عن
الاقتتال والتنافس في مواجهات جانبية...
عن صحيفة المستقبل اللبنانية