الأرجح ان العرب كانوا
آخر من علم بقرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب العسكري من سوريا أولا، وثانيا «من الشرق الأوسط؛ لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تكون شرطيا فيه». الآن تبيّن
أن «عنتريات» الرئيس أردوغان باقتحام شمال سوريا واقتلاع «الإرهابيين الأكراد» لم
يصدر من فراغ. واشنطن أبلغته يوم الجمعة الماضية بقرار الانسحاب. أيضا جرى إبلاغ
إسرائيل قبل أسبوع، أي يوم الأربعاء، بأنه جرت مناقشة القرار مع الدول الأوروبية
الأسبوع الماضي، وبأنه جرى عن عمد وسابق تصميم ترك العرب يتحركون في الظلام إلى
درجة أن زيارة الرئيس السوداني فاجأت الجميع، علما أن ترامب حسب «الإندبندنت» هو
الذي كلفه. الهدف كما يبدو هو فتح الطريق أمام المصالحة العربية مع الأسد ونظامه.
«االقرار الترامبي» متى نفذ فعليا يعني أن «اللعبة»
انتهت، لتبدأ لعبة جديدة، يكون كل واحد في منطقة الشرق الأوسط «يقلع شوكه بيديه»، لأنه برأي ترامب «حان الوقت لأن يقاتل الآخرون في الشرق الأوسط». بهذا تتحول
المنطقة كلها إلى ساحات حرب حيث «الأخ يحارب أخاه» حتى يبقى، أو يتحالف مع الشيطان
حتى ينجو. استقالة الولايات المتحدة من مهامها تعني الانقلاب على استراتيجية حكمت
كل سياستها وأدارتها عمليا منذ «حرب السويس» عندما أمرت الثلاثي البريطاني
والفرنسي والإسرائيلي بالانسحاب من مصر، فأهلت نفسها للحلول مكان الذين صاغوا
اتفاق سايكس ـ بيكو، وتقاسموا المنطقة وخيراتها.
• أمريكيا؛ شكل قرار ترامب صدمة قاسية في الخارجية
والكونغرس والبنتاغون. باختصار جميع المؤسسات بما فيها التشريعية في الولايات
المتحدة. السيناتور ماركو روبيو المعروف بالدفاع الدائم عن الرئيس ترامب قال «إنه
قرار مخالف لإجماع واسع من الجيش. القرار خطأ فادح سيطارد شبحه هذه الإدارة
والولايات المتحدة لسنوات طويلة». أيضا فإن «الثلاثي» بولتون ووزيري الخارجية
والدفاع سربوا موقفهم المعارض. السؤال الطبيعي ماذا تستطيع كل هذه المعارضة؟
عمليا لا شيء لأن الدستور واضح؛ فالنظام الأمريكي رئاسي، لكن يمكن بعيدا عن
القرار تكثيف ملاحقة ترامب في قضايا عديدة وصولا إلى طلب إقالته، أبرزها استثماره
للتدخل الروسي في الانتخابات لمصلحته. هذا التدخل الإلكتروني الذي ثبت وجوده ودوره
في ضرب صورة المرشحة هيلاري كلنتون.
• الضحية الأولى والكبيرة هي الأكراد المنتظمون في
«قسد»، لذلك سارعوا للقول إن «قرار الرئيس ترامب طعنة لنا في الظهر». وهذا صحيح
لأنه بذلك سلمهم لأردوغان على «صحن من ذهب». أكراد «قسد» إذا تدخل أردوغان
«لاقتلاعهم» كما قال، ستلحق بهم خسائر فادحة وهزيمة فعلية، لذلك بعد أن يجدوا
أنفسهم «بين المطرقة والسندان»، سيضطرون للجوء إلى النظام الأسدي والقبول بسلطته
المطلقة بعد أن أصبحوا يقفون عراة أمامه.
• روسيا وفلاديمير بوتين المنتصران الكبيران. يستطيع
بوتين أن يتمدد ويثبت وجوده ليس فقط في سوريا، وإنما على مساحة الشرق الأوسط. اليوم
دور سوريا والسودان وغدا العراق وما طالت «يده» الطويلة الفولاذية والطموحة. إيران أولى الدول التي تحتاج بوتين، وهي التي أدخلته إلى المنطقة عبر سوريا، دون أن تأخذ
في حساباتها أنه لا يجب استدعاء «الدب الروسي» إلى «بيتها»؛ لأنه إما أن يحطم كل
«البورسلين» أو يصبح الشريك الأقوى.
• إيران الموجودة بقوة في سوريا والعراق، وغدا ستمسك
النظام اليمني عبر الحوثيين على غرار «حزب الله» في لبنان، يمكن أن تعتبر نفسها
منتصرة، فهي كما يقول المسؤولون الإيرانيون قد «مرغت أو أنها ستمرّغ أنف ترامب في
وحل المنطقة»، ويبدو عمليا أن حليفها التركي قد أبلغها مسبقا بالقرار الأمريكي،
سواء عبر الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين روحاني وأردوغان، ومن الطبيعي جدا وجود
روحاني الآن في تركيا، وسيكون موقف ترامب «الصحن» الأساسي في المناقشات. لكن إذا
كانت إيران الرابحة المهمة من قرار ترامب فان مسؤولياتها ستكبر بحيث ان الخطأ
الصغير قد يتحول الى مواجهة كبيرة. قد لا تتناولها مباشرة وإنما «توأمها السيامي»
حزب الله على يد إسرائيل. يوجد ابتداء من إتمام الانسحاب الأمريكي خطر فعلي، بأن
تقوم إسرائيل باعتداء على لبنان بذريعة الحفاظ على أمنها. ولا شك أن أمريكا ـ
ترامب ستدعمها بقوة.
• إسرائيل بدأت تحضر نفسها للمواجهة بحجة درء الخطر
الإيراني، ذلك أن «انسحاب الأمريكيين من قاعدة التنف، سيسمح لها بتدشين الممر الذي
يربطها بالبحر المتوسط»، وهذا يشكل بالنسبة إلى إسرائيل «خطرا يطال أمنها القومي».
مرة أخرى إذا كانت إسرائيل لا يمكنها الانخراط في حرب شاملة مع إيران، فإنها ستعمل
على ضرب «أجنحته» وأولها الحزب في لبنان.
ببساطة كلية رمى الرئيس ترامب «كرة النار» إلى قلب منطقة
الشرق الأوسط، أما هو فسيطل من شرفة البيت الأبيض بسعادة، خصوصا أنه بذلك يقول
للأوروبيين ميدانيا: «أروني عجزكم وأنتم الذين تريدون إنشاء جيش أوروبي يحل مكاننا».
عن صحيفة المستقبل اللبنانية