إعلان رئيس الوزراء
العراقي حيدر
العبادي الإلتزام بالعقوبات الأمريكية على طهران ورفض التيار الصدري لها؛ وضع المراقبين أمام سؤالين ملحين، وهما: لماذا اتخذ العبادي هذا الموقف، ولماذا التيار الصدري اتخذ موقفا مغايرا لموقف العبادي بعيدا عن خلافاته مع
إيران؟
في الوقت الذي يمكن لإيران أن تتوقع موقفا مختلفا من العبادي حليفها السابق، فإن البحث عن المصالح هي سمة اللاعبين السياسيين، وافتراض التطابق المطلق في المواقف بين الحلفاء مسألة خارج السياق الموضوعي.
العبادي قد انتبه لزلته متأخرا؛ نتيجة ضغوط داخلية عراقية دفعته إلى التراجع خطوة، بقوله إن التزام بلاده في موضوع إيران هو عدم التعامل بعملة الدولار فحسب، وليس الالتزام بالعقوبات الأمريكية، لكن يستبعد تماما أن ينجح في تدارك تصريحاته، واحتواء الموقف مع طهران.
شاء أم أبى العبادي، فإن الإيرانيين اعتبروا موقفه المفاجئ هذا بأنه اصطفاف مع الولايات المتحدة الأمريكية ضدهم، خاصة وأن موقف العراق كحليف استراتيجي لإيران يأتي بينما تركيا، التي اتسمت علاقاتها مع طهران بتوتر شديد على مدى السنوات الماضية، رفضت تنفيذ
العقوبات الأمريكية بحق جارتها الإيرانية، وهذا الرفض يشكل أحد أسباب الضغوط والعقوبات الأمريكية التي تتعرض لها أنقرة هذه الأيام لإرغامها على التعاون ضد إيران.
بعد غزو العراق في عام 2003، لم تتجه التطورات السياسية وفقا للرؤية الأمريكية، وأصبحت إيران هي اللاعب الأجنبي الأكثر نفوذا في العراق، ولكن لا تزال هناك تحديات كبيرة أمامها ليتحول هذا النفوذ إلى الأكثر تأثيرا على القرار السياسي الرسمي في العراق؛ لأن البلد ما زال يخضع لاحتلال أمريكي بفعل وجود ثماني قواعد عسكرية وأكثر من خمسة آلاف عسكري أمريكي، وهذه القوة إلى جانب القوة الدولية والإقليمية لواشنطن، تجعلها الأكثر تأثيرا على السياسات العراقية.
ربما لم يذق أي بلد مرارة العقوبات كالعراق، ولا يزال يستحضر العراقيون برنامج "النفط مقابل الغذاء"، مما يدفعهم تلقائيا للتضامن مع الإيرانيين، لكن ثمة عوامل تحول دون ترجمة هذا التضامن في قرارات سياسية داعمة لإيران في الوقت الحاضر.
ما يجعل موقف العبادي مدهشا وغريبا هو رفضه للعقوبات، وإعلانه الالتزام بها في الوقت نفسه. هذا التناقض يذكّرنا بموقف الكوفيين من حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، "فقلوبهم معه وسيوفهم عليه". ومن ناحية أخرى، اتخذ الرجل هذا الموقف بينما الحكومة العراقية الجديدة لم تر النور بعد مضي ثلاثة أشهر على الانتخابات البرلمانية. وفي هذه الوضعية، حتى الأمريكان لم يكونوا ينتظروا منه أن يتخذ مثل هذا الموقف الذي سيدفع إيران على الأغلب لرفع البطاقة الحمراء في وجه العبادي؛ للحيلولة دون تربعه مرة أخرى على كرسي رئاسة الوزراء. أما لماذا تصرف العبادي هكذا؟
ربما يريد العبادي أن يظهر بمظهر رجل مستقل يتخذ قراراته انطلاقا من المصالح الوطنية للعراق، ولا يضحي بها من أجل إيران. ولكن إذا كنا نريد أن ننظر إلى موقفه هذا في سياق التطورات المرتبطة بتشكيل الحكومة، يبدو أن العبادي بات يعتقد أن مستقبله السياسي معتمد على اللعب بالورقة الإيرانية، حيث من خلال اتخاذ هذا الموقف يريد أن يرسل رسائل وإشارات إلى الأمريكان؛ لدعمه في منصب رئاسة الوزراء مجددا، عندئذ على الأغلب يرى أن دور واشنطن في تشكيل الحكومة العراقية المستقبلية أقوى من دور إيران. ولكن ستحدد الأيام والأسابيع القادمة ما إذا كانت لعبة العبادي ستنجح أم لا، وهل يمكن لإيران إزالة العبادي من دائرة السلطة في العراق أم لا.
أما فيما يتصل بموقف التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، فلا بد من القول إنه ينبثق أساسا من سياسة التيار المعادية لأمريكا بالدرجة الأولى، وليس دعما لإيران. أيضا، في حال أصبحت الحكومة العراقية بيد الصدريين، ليس من المؤكد أن يكون موقفهم كالموقف الحالي، إذ أن الصدر تحدث ضد العقوبات الأمريكية دون أن ينتقد موقف العبادي.
بالنظر إلى التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، يبدو أنه على الرغم من الخلافات بين التيار الصدري وطهران، فإن السياسة المشتركة ذاتها المناهضة لأمريكا يمكن أن تقرب الطرفين في المستقبل.
الخلاصة، أنه أيا كان رئيس الوزراء العراقي القادم،
ليس سهلا أن يعلن وقوف بلاده مع إيران ضد العقوبات الأمريكية في ظل المعطيات الراهنة، إن لم يعلن صراحة تنفيذها مثل ما فعل العبادي، مع ذلك سيكون العراق من بين الدول التي سوف تساعد إيران للالتفاف على العقوبات، حيث ستوظف طهران نفوذها في بغداد في هذا الصدد.