أما (الكظية) فهو لفظ لكلمة "القضية" تعبيرا عن (القضية الفلسطينية)، وذلك وفق إحدى لهجات فلسطين المحتلة، حيث تُبدل القاف كافا والضاد ظاء، حال ما هو موجود في جميع الدول العربية بتعدد لهجاتها وثقافاتها وقيمها.
أما تداول اللفظ (الكظية) في منصات التواصل مؤخرا، فيندرج في غالب الأحيان في باب السخرية، وهو ما أراده ما بات يعرف بـ"الذباب الإلكتروني" استهزاء بالفلسطينيين في ظل إقحام ممنهج للقضية الفلسطينية في الأزمة الخليجية، والتي يفترض أن تبقى في منأى عن الخلافات كما كانت دائما.
من أدخل هذا المصطلح إلى التداول، لم يفعل ذلك من فراغ أو اعتباطا، إنما أراد إهانة القضية الفلسطينية وتقزيمها في عيون العرب من قضية مركزية إلى قضية قُطرية عابرة يهتم بها الفلسطينيون فقط.
وعلى الرغم من متانة الوعي العربي حتى الآن أمام هذه المحاولات، إلا أن خطورة هذا الخطاب -الساخر تارة والهابط تارة أخرى، تكمن في استغلال أحداث ومواقف وفبركتها أحيانا، وإثارة جدل بشأنها.
والمشكلة أن نخبا خليجية من إعلاميين وسياسيين تتصدر حملات تشويه بحق القضية الفلسطينية بناء على مواقف من أفراد وتتبنى خطابا ساخرا من الفلسطينيين وقضيتهم التي كانت يوما ما قضية الجميع من "الخليج الثائر إلى المحيط الهادر" قبل أن يثخن فيها التطبيع المباشر وغير المباشر مع الاحتلال.
ربما نفهم مواقف هنا أو هناك للبعض من تصرفات أو أدوار لبعض الفلسطينيين في الأزمة الخليجية، لكن ما لا نفهمه هو نهج التعميم وتحميل الفلسطينيين كلهم مسؤولية ذلك، بالنيل تارة من القضية التي يفترض أن تجمع العرب لا أن تفرقهم، واعتماد خطاب ساخر ومستهزئ تجاه الفلسطينيين تارة أخرى.
وانطلاقا من ترديد أكذوبة "الفلسطينيين باعوا أرضهم" وصولا إلى الاستهزاء بلهجتهم، يتضح أن ثمة تيارا عربيا وبالتحديد في الخليج، يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى خلق رأي عام يحمل الكراهية لفلسطين وقضيتها.
ما يجري هو في ظاهره سخرية وانحدار في لغة الخطاب لدى شريحة إما متأثرة بالأجواء المسمّمة إعلاميا، أو موجّهة عن سبق إصرار، بينما في حقيقة الأمر هو استهداف ممنهج للقضية الفلسطينية في الوعي العربي وتشكيل انطباعات للملايين من المستخدمين والتأثير على توجهاتهم مستقبلا.
وبالطبع، لا نرى أي مصادفة في أن يسبق تكثيف هذا الخطاب في الخليج تحديدا، خطوات عملية نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي واختراق لما اعتبره الفلسطينيون جدارا صلبا في وجه الاحتلال ومساعيه لتثبيت وجوده ككيان طبيعي في المنطقة.
خطاب التخوين وطغيان حالة الاستقطاب في لغة الحوار بين العرب على منصات التواصل الاجتماعي جعل كثيرا من القضايا التي كانت محل إجماع –ومنها القضية الفلسطينية – عرضة للنيل والتشويه من قبل شرائح سهلة الانقياد لا يردعها أي وازع في الشتم والسباب.
إن أسوأ ما استخدمته الثورات المضادة في مواجهة الربيع العربي، هو الجيوش الإلكترونية التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وأعملت في قضايا العرب وعلاقاتهم تشويها وتزييفا، وبثت في الفضاء الإلكتروني مزيدا من عوامل الفرقة والتفتيت.
مصر وإسرائيل من التطبيع إلى التشاركية.. ثم ماذا بعد؟