لاقت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المنتقدة لملف حقوق الإنسان في مصر بحضور قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ومن قلب القاهرة، أصداء واسعة وأثارت ردود فعل متباينة؛ فيما قامت الأذرع الإعلامية والسياسية للنظام بتبرير الموقف الذي اعتبره معارضون إهانة للسيسي.
واستبق ماكرون زيارته لمصر التي بدأها وقرينته بزيارة معبد أبوسمبل بأسوان، الأحد، والقاهرة الأثرية والعاصمة الجديدة الاثنين والثلاثاء؛ بانتقادات لحقوق الانسان في مصر، ليواصل انتقاداته بحضور السيسي وبقصر الحكم (الاتحادية) وأمام الكاميرات ووكالات الأنباء والصحف العالمية.
وقال ماكرون، بالمؤتمر الصحفي مع السيسي، أنه لا يمكن فصل الأمن والاستقرار عن حقوق الإنسان، والاستقرار والسلام (المجتمعي) الدائم مرتبطان باحترام الحريات الفردية ودولة القانون، وأكد أنه منزعج لرؤية الأمور "تسير بالاتجاه الخطأ بالعام الماضي"، مشيرا لوجود تراجع كبير بحقوق الإنسان بمصر أكثر مما مضى.
وعلق ناشطون وصحفيون مصريون على حديث ماكرون، وانتقد الأكاديمي المتخصص بشؤون الحركات الإسلامية كمال حبيب، ردود السيسي على ماكرون، بأن "مصر لن يبنيها المدونون"، و"لا نستخدم المدرعات لقمع المتظاهرين"، و"الدستور يكفل حرية الرأي والتعبير والتظاهر"، و"نحن لسنا أوروبا ولا أمريكا"، و"ننظر لكم بعيونكم الأوروبية وانظروا إلينا بعيون مصرية".
وقال حبيب عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إن "رئيس الدولة يصر على جعل بلده ومواطنيه أقل تحضرا وإنسانية، مؤكدا النظرة الاستعمارية القديمة بأن شعوب الشرق لم تبلغ بعد طور الحضارة التي تساويها بالدول المتقدمة".
وعلق حبيب بقوله: "هذا ما جعل ماكرون، يقول لن نواجه أصحاب (السترات الصفراء) كما يفعل المصريون، وجعل أم الإيطالي ريجيني تقول: عذبوه وقتلوه كما لو كان مصريا".
من جانبها، انتقدت الكاتبة الصحفية مي عزام، السيسي وإعلامه، قائلة: "فرق كبير؛ كلمة السيسي بروتوكولية يكتنفها التعميم والغموض"، مضيفة أن "كلمة ماكرون يخاطب بها الإعلام الفرنسي وهي تقرير مفصل عن معظم ما جرى بالغرف المغلقة بين الرئيسين".
وأكدت أن "أسئلة الصحفيين المصريين إحراج للرئيس الفرنسي لحساب رئيسهم، وأسئلة الصحفيين الفرنسيين إحراج لرئيسهم لحساب الرأي العام الفرنسي"، مشيرة إلى أن "برامج التوك شو والصحف المصرية انسابت في عرض مواقف مشابهة والتقليل من موقف ماكرون، والإشادة بردود السيسي".
وردا على إحراجه السيسي، حاول الصحفيان "خالد ميري"، و"محمد الباز"، إحراج ماكرون، بسؤاله عن تظاهرات "السترات الصفراء"، وانتقاده لمصر قبل حضوره للقاهرة.
وانتقد الإعلامي حافظ الميرازي، المشهد بقوله: "خطة المدرب الإعلامي للهجوم الصحفي (على ماكرون) فشلت، ولا تصلح إلا مع المدونين أو الكتاب المصريين مثلنا، أما مع رؤساء الغرب فقد عدنا إلى مربع الدفاع الأول".
وانسابت برامج "التوك شو" والصحف المصرية في عرض مواقف مشابهة والتقليل من موقف ماكرون والإشادة بردود فعل السيسي.
وعبر برنامج "الحكاية"، بفضائية "MBC مصر"، مساء الاثنين، حاول الإعلامي عمرو أديب، التقليل من حجم انتقادات وموقف ماكرون، وقال إنها تكررت مع زعماء آخرين مثل ما حدث بين ماكرون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باحتفالات الحرب العالمية، مشددا على أنها ليست "خناقة".
ولم يخل دفاع أديب، عن السيسي من انتقاده لماكرون، معتبرا أن "الحديث علنا بالمؤتمر الصحفي لم يكن حكيما وجانبه الصواب"، وأضاف: "المؤتمر كان ساخنا، لكن الرئيس مسكتش، وماكرون عنده مشكلة مع حقوق الإنسان بمصر لكنه وقع اتفاقيات تعاون بين البلدين".
وحاول أديب تحويل دفة الانتقادات لماكرون وقال إن "الصحافة العالمية والفرنسية تركت الزيارة، والتصريحات وعابوا على زوجته بريجيت ماكرون، ارتدائها حذاء بـ600 جنيه إسترليني".
وفي رد غريب طالب الإعلامي أحمد موسى، المقرب من جهات سيادية ببرنامج "على مسئوليتي" بفضائية "صدي البلد"، الرئيس ماكرون والسفارة الفرنسية بمتابعة برنامجه لمشاهدة الفيديوهات التي يعرضها بالحلقة، والتي ستوضح لهم أين كانت مصر وأين أصبحت على يد السيسي.
وواصل موسى، وصلة إشادة بالسيسي، مؤكدا أنه فخور به وبردوده وإنجازاته.
وذهب الإعلامي نشأت الديهي، عبر فضائية "ten"، لأبعد من ذلك، نافيا أن يكون ماكرون قال إن "سجل حقوق الإنسان بمصر أسوأ من عهد مبارك"، متهما وكالة "رويترز"، بأنها "تتعامل بشكل غير مهني طبقا لأجندات خاصة بتناولها للشأن المصري"، واصفا ما نقلته الوكالة عن ماكرون، قبل زيارته القاهرة بأنه "سلسلة من الأكاذيب المعروف أهدافها".
وحول مؤتمر ماكرون، أكد الديهي، أن "السيسي وجه خلال كلمته رسالة للعالم، بأن مصر غير قابلة للابتزاز السياسي، وترفض الوصاية من أي جهة"، مضيفا أن مصر ليست بحاجة لدروس خصوصية بكيفية التعامل مع ملفاتها.
وسياسيا، قالت وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان مارجريت عازر بتصريحات صحفية: "لا توجد دولة بالعالم، ملف حقوق الإنسان لديها كامل"، مضيفة أننا "نحن كلجنة برلمانية ممثلة من الشعب للحفاظ عن حقوق الانسان نرى أن تعليق السيسي علي نظيره الفرنسي جاء مناسبا".
ومن جانبه، برر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، (حكومي) حافظ أبو سعدة، تصريحات ماكرون بأنها محاولة منه لإزالة الضغوط الواقعة عليه ببلاده، مضيفا بمداخلة لفضائية "الحدث اليوم"، أن هناك ضغطا كبيرا على فرنسا وعلى ماكرون قبل الزيارة لكي يمنع المشروعات المشتركة بين مصر وفرنسا".
وخرجت صحيفة "اليوم السابع"، التابعة لجهات سيادية الثلاثاء، بعنوان "أخطر أسئلة للرئيس الفرنسي في القاهرة"، مشيرة إلى أن ماكرون الذي انتقد مصر ورد عليه السيسي، تم إحراجه بملف "السترات الصفراء".
الدفاع عن موقف السيسي وانتقاد ماكرون، تبناه أيضا صحفيون عرب بينهم السعودي عبد العزيز الخميس، والإماراتية مريم الكعبي، حيث نعته الأول بالقول: "اللي استحوا ماتوا"، فيما وصفت الثانية رسالة السيسي بأنها ألجمت الجميع.
لماذا انقلب ماكرون على تصريحاته حول حقوق الإنسان بمصر؟
هل يضحي السيسي بحزب النور بعد قانون حل الأحزاب الدينية؟
المؤبد لدومة.. حكم السيسي على نشطاء الثورة (إنفوغراف)