نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للزميلة المقيمة في معهد "أمريكان إنتربرايز" في واشنطن كارين يونغ، تحت عنوان "التنافس الخليجي يفاقم من أزمة لبنان".
وتقول يونغ في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن "لبنان تعود العمل على هاوية الأزمة المالية، التي تعقدت بسبب التنافس الجديد بين دول الخليج، فقد عبرت قطر عن دعمها من خلال 500 مليون دولار على شكل شراء سندات حكومية، وحضور في اللحظة الأخيرة للقمة الاقتصادية في بيروت، التي لم يحضرها أي من القادة الخليجيين، ولأن السعودية لم تكن مستعدة للتنازل أو الاعتراف بالهزيمة، فإن وزير المالية السعودي تعهد، ولو بالكلام، بدعم لبنان، وذلك في أثناء ظهوره في منتدى دافوس العالمي".
وتشير الكاتبة إلى أن "السعودية والإمارات وقطر تنظر إلى نفسها على أنها المحكم في السياسة الإقليمية، والمصدر الرئيسي للتنمية المالية، وتقوم دول الخليج وبشكل متزايد باستخدام الدعم المالي المباشر لتوسيع التأثير في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وباكستان".
وتجد يونغ أن "الأهداف النهائية للدعم المالي المباشر لأرصدة البنك المركزي والالتزام بالاستثمار الخارجي غامضة، وكذلك الشروط المرفقة لقبولها".
وترى الكاتبة أن "التنافس السعودي الإماراتي من جهة، وقطر من جهة أخرى، قد يترك آثارا غير مستقرة على الوضع السياسي والمالي الهش للبنان".
وتلفت يونغ إلى أن "السعودية ظلت مصدر دعم خارجي للبنان وللقروض المباشرة والتحويلات المالية التي يرسلها العاملون اللبنانيون في السعودية، والاستثمارات السعودية في العقارات والبناء، وحتى وقت قريب كان مقصد السياح السعوديين المحشوة جيوبهم بالمال، الذين كانوا يأتون للاصطياف في منتجعات البلد".
وتقول الكاتبة: "عادة ما يجلب الزوار الخليجيون والمجتمع التجاري اللبناني المنتعش عملة صعبة لودائع البنوك المحلية، إلا أنه ومنذ عام 2011 فإن خسارة التجارة من خلال وبسبب سوريا كانت العائق الرئيسي للنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة".
وتنوه يونغ إلى أن "التوترات مع شريك لبنان التقليدي، السعودية، معروفة، وقد زاد هذا من الضغوط على النظام الذي يعتمد على (هندسة مالية) بحسب المصرف المركزي (بنك لبنان) للحفاظ على تدفق الدولارات إلى خزينة الدولة، وهذا يعني الحاجة للحفاظ على احتياط ضخم من العملة الأجنبية، ويساوي 100% من الناتج المحلي العام، الذي يعد ركيزة العملة".
وتفيد الكاتبة بأن "معدل الليرة اللبنانية هو 1500 مقابل الدولار، وهو المعدل منذ نهاية التسعينيات، وكان بنك لبنان قادرا على الاعتماد على المصارف المحلية مصدرا للرأسمال، من خلال تقديم معدلات جذابة لبيع سندات ودائع مالية أساسها الدولار، ويقوم المصرف ببيع سندات سيادية أساسها اليورو، وهو ما يقدم مصدرا للدخل الحكومي، فمن خلال التفاعل بين بنك لبنان والمصارف الحكومية يعمل لبنان على إدارة النظام".
وتبين يونغ أن "النظام المصرفي يعمل بطريقة غير متناسبة، ويعد أكبر من حجم البلد، مثل كازينو أكثر من كونه مسؤولا عن إدارة الثروة، وتقوم المصارف الخاصة مجموعة بالعمل بصفتها ملاذا أخيرا للإقراض، وفي الوقت ذاته تحصل على عائدات جيدة من الودائع ذات الفائدة العالية والسندات".
وتقول الكاتبة إن "النظام في جزء منه يدعم المجتمع التجاري اللبناني، الذي يمتد حول العالم، حيث تقدم تجمعات الشتات اللبناني مبلغا حيويا من التحويلات المالية، إلا أن هذا يظل أساسا هشا للشكل المزدوج من العجز وزيادة الدين الخارجي".
وتشير يونغ إلى أنه "منذ عام 2000 ظل مستوى العجز بنسبة 10% من مجمل الناتج المحلي العام في 16 عاما من بين 19 عاما، فيما وصل العجز المالي إلى 6% في 18 عاما من 19 عاما، وظل مستوى الدين الحكومي بالنسبة للناتج المحلي العام بنسبة 130%".
وتبين الكاتبة أن "الشائعات عن إعادة هيكلة الدين العام تكشف عن الوضع الهش الذي وصلت إليه الأمور، ولو شاهدنا التراجع في ودائع العملة الأجنبية، الذي يترافق مع عدم قدرة البنوك على شراء السندات الحكومية، فإننا سنرى تهديدا على السياسة النقدية اللبنانية وسيولتها، أي أزمة عملة وبنوك مزدوجة، ومن هنا فلو أرادت قطر المساهمة في حل المشكلة لكان عليها أن تشتري أو تمول عددا من المصارف اللبنانية".
وتقول يونغ: "حتى لو تم ضخ رأسمال كبير من السعودية أو الكويت وبشكل أقل، فإن ذلك لن يحل مشكلات لبنان، ويظل ضعف لبنان الحقيقي ليس في عدم حصوله على رأسمال، لكن في تجمد القرار في الحكومة والتشارك في السلطة، وفي الوقت الحالي يقوم المصرف المركزي بالمهمة التي يجب على الحكومة أن تقوم بها، أي تقديم الثقة للأسواق بشأن استقرار صناعة القرار السياسي".
وتلفت الكاتبة إلى أنه "على خلاف الدول التي تعتمد على المساعدات المالية الخليجية، فإن لبنان يمكنه انتظار الشيكات، مثل البحرين، التي ظلت تنتظر طوال عام 2018 حتى استنفذت احتياطاتها كلها، وطالما ظل التفاعل بين بنك لبنان والبنوك الخاصة، فإن الاستقرار المالي اللبناني سيظل قائما، وهذا لن يمنع من ظهور أزمة ثقة في مرحلة ما".
وتقول يونغ إن " أمام الحكومة الكثير من الحوافز التي تدفعها للتحرك، فهناك رزمة قروض بقيمة 11 مليار دولار من مؤتمر التنمية والتطوير الاقتصادي، التي خصصت في نيسان/ أبريل 2018، وهي تنتظر التوزيع حتى يتم تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، وتعد السعودية أكبر مقرض في المجموعة التي تضم البنك الدولي وبنك التنمية الإسلامي وتسع دول أخرى بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وقطر هناك أيضا وبقرضها 500 مليون دولار أمريكي، والإمارات غير موجودة".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول إن "تخفيض مستوى الأداء الاقتصادي سيضيف لمصاعب لبنان، الذي ظل يعتمد على بنكه المركزي، لكن بنك لبنان ليس الحكومة، وهناك حاجة للثقة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فايننشال تايمز: ماذا وراء الدبلوماسية القطرية الحازمة؟
التايمز: كيف كشفت مباريات كأس آسيا عن توسع الصدع بالخليج؟
بوليتكو: كيف ساعد الاتحاد الأوروبي قطر على تجاوز حصارها؟