فشل الاتفاق النووي المبرم بين إيران والمجموعة السداسية الدولية، لم يكن فشلا لاتفاق فحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى فشل مسار دولي متبع لمعالجة أحد أهم الملفات الدولية المثارة التي شغلت العالم لعقدين تقريبا، وكذلك إلى إحباط أصاب اتجاها سياسيا يمثل أقلية داخل النظام الإيراني، كان يؤمن أنه من الممكن أن تحل الدبلوماسية والتفاوض الأزمات والمشاكل المتراكمة في العلاقات مع الغرب عامة، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة على قاعدة "ربح ربح"، معتبرا الاتفاق النووي بوابة ذلك ومقدمة لإتفاق ثاني وثالث.
واقعية رفسنجاني
وبالعودة ست سنوات إلى الوراء، نلاحظ أن هذا الاتجاه الذي كان الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني يترأسه، وجد الطريق سالكا لتنفيذ توجهه السياسي في السياسة الخارجية، بعدما تولى الرئيس حسن روحاني، وهو أبرز تلاميذ مدرسة هاشمي السياسية "الواقعية"، الرئاسة في إيران عام 2013، ليحتل موضوع العلاقات مع الغرب أولوية السياسة الخارجية لحكومة روحاني، فصبّت الحكومة جل جهودها على إصلاح هذه العلاقات من بوابة المفاوضات النووية التي كسرت حواجز ومحرمات كثيرة في علاقات إيران مع الولايات المتحدة، فانكسر حاجز التواصل معها.
ولأول مرة منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 جرى اتصال بين رئيس أمريكي ونظيره الإيراني، وكذلك التقى وزيرا خارجية ومسؤولو البلدين مرات عديدة، إلى أن انتهت تلك المفاوضات إلى الاتفاق النووي في تموز (يوليو) 2015، ليعزز القناعة لدى هذا الفريق بأن الاتفاق من شأنه أن يشكل اختراقا لإنهاء الأزمة الممتدة منذ أربعة عقود. إلا أن التطورات اللاحقة أثبتت أن هذا الاختراق كان مرحليا ومؤقتا، ولم يلامس صلب التوتر والأزمة في العلاقات الثنائية، وإنما طاول إحدى مظاهرها المتمثلة في الملف النووي، وهو فشل أيضا.
لا تثقوا في أوروبا
أحد أبرز مفاعيل هذا الفشل كان إخراج الاهتمام بالعلاقات مع الغرب من أعلى سلم أولويات ومسارات السياسة الخارجية لحكومة روحاني، لكن ذلك لم يحدث سريعا، وانتظرت الحكومة لأشهر بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وعودة العقوبات "الشاملة والقاسية" على أمل أن تنفذ أوروبا تعهداتها وتعوض الخسائر الناجمة عن خروج واشنطن من الاتفاق لتتمكن إيران من تحصيل منافعها الاقتصادية منه، بينما حذر حينها مرشد الثورة في إيران قائلا "لا تثقوا في أوروبا".
إلا أنه مرت قرابة تسعة أشهر ولم تقم أوروبا عاجزة أو متواطئة، بأدنى دعم عملي لإيران في مواجهة تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لتستدير الحكومة الإيرانية نحو الدول "الصديقة" المحيطة بإيران. وعليه، كثفت الحكومة الإيرانية اتصالاتها مع تركيا، وأفغانستان، والجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي، وقطر والعراق وسوريا وغيرها من الدول، وكانت زيارة روحاني الأخيرة إلى بغداد بعد ست سنوات على توليه الرئاسة، تمثل ذروة التحول في توجهاته الخارجية، لما للعراق من موقع مهم في الاستراتيجية الإيرانية في مواجهة استراتيجية "الضغوط القصوى" الأمريكية.
استدارة إيرانية
كما أن تطوير علاقات إيران مع كل من سوريا والعراق تهدف إلى الرقي بها من المستويين العسكري والأمني خلال السنوات المنصرمة إلى المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
وفي السياق، ولأول مرة تحدث وزير الصناعة والمعادن والتجارة الإيراني رضا رحماني عن إعداد برنامج لتطوير العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع 15 دولة جارة لإيران بالإضافة إلى الصين والهند.
فضلا عن ذلك، وفي دلالة أخرى على الاهتمام المتزايد للحكومة الإيرانية بالعلاقات مع الجيران، شدد روحاني خلال خطابه السنوي مع بداية السنة الإيرانية الجديدة على ضرورة تعزيز العلاقات مع الدول الجارة، معلنا أن هذه السنة ستشهد "مزيدا من الصداقة مع جميع الجيران".
لا يخفى أن الجهود الإيرانية المتزايدة لتعزيز العلاقات مع الدول الجارة تأتي في إطار تحريك طهران مختلف اتجاهات السياسة الخارجية بغية تنويع الخيارات
حتى لا تتكرر "كرايست شيرش" في أوروبا!
مناخ دولي جديد تجاه النظام السوري
إيران وأمريكا.. مسارات مسدودة وممرات إجبارية