فند باحثان أمريكيان قول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنه يدافع عن الأقليات، ويقولانإن أنصار السيسي يشيدون بتسامحه الديني، إلا أنه لا ينبغي لهم ذلك.
وجاء في مقال مشترك لكل من ستيفن ماكينري وإيمي هوثورن من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي"، تحت عنوان "الكلام المزدوج للديكتاتور الذي يفضله ترامب"، أن تسامح السيسي الديني مجرد كلام، مشيرين إلى أن الأقباط عانوا في ظله.
ويشير الكاتبان في بداية مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إلى تصريحات الرئيس دونالد ترامب في بداية هذا العام، التي مدح فيها السيسي، قائلا إنه "يتحرك ببلده نحو مستقبل يشمل الجميع"، ومدح ترامب في تغريدة افتتاح كاتدرائية تعد الأكبر في الشرق الأوسط ضمن العاصمة الإدارية الجديدة التي بناها الجيش.
ويعلق الباحثان قائلين إن "السيسي عمل جاهدا على خلق صورة الزعيم المتنور، لدرجة أن البعض اعترف بأنه زعيم ديكتاتوري يدعمه الجيش لكنه يظل زعيما مسلما مصمما على محاربة التشدد الإسلامي، ويدافع عن حقوق الأقليات المسلمة، فمنذ سيطرته على السلطة قدم نفسه على أنه زعيم بطل يريد إصلاح الإسلام، وطالب علماء الأزهر، الذي يعد من أقدم وأرفع المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي، بإعادة النظر في التعاليم الإسلامية المثيرة للجدل، وحماية المسيحيين الذين يشكلون نسبة 10% من سكان مصر".
ويلفت الكاتبان إلى أن "السيسي سحر الكثير من الوفود الأمريكية التي كانت تعود من القاهرة ويكتب أفرادها كلاما براقا حول شجاعته فيما يتعلق بالحريات الدينية، ولهذا السبب بدت زيارته للبيت الأبيض جزءا من محاولات كيل المديح له".
ويرى الباحثان أن "قراءة سريعة لسجل السيسي الحقيقي تظهر خطأ الاحتفاء به وكيل المديح له، ففي البداية رحب الكثير من مسيحيي مصر بإطاحة السيسي للحكومة المنتخبة واللا ليبرالية التي قادها الإخوان المسلمون، وعبروا عن أملهم في قيادة فترة من الحرية والإصلاح، إلا أن خيبة حلت محل الأمل خلال السنوات الماضية، ففي ظل القمع الذي يمارسه السيسي، ظلت الدولة المصرية تعامل أبناء الأقليات على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فحكومة السيسي لم تفعل الكثير لمعالجة المشكلات المستشرية، مثل التمييز الاقتصادي تجاه غير المسلمين، بالإضافة إلى قانون الكفر في النظام الجنائي، الذي تستخدمه الدولة ضد منتقدي الإسلام، وفشل السلطات المستمر في منع الهجمات الطائفية ضد المسيحيين والقيود على بناء الكنائس وغياب الحقوق القانونية للمواطنين غير المسلمين مثل المسيحيين واليهود".
وينوه الكاتبان إلى أن "السيسي لم يفعل أي شيء لرفع القيود على توظيف وترفيع المسيحيين في عدد من القطاعات الحكومية، ووصف الزميل البارز في معهد هدسون صموئيل تادروس، كيف تم استبعاد المسيحيين من المؤسسات الأمنية والمخابرات، فيما لا تتجاوز نسبة المسيحيين في الجيش 1%، وقال إنهم مستبعدون من السلك الدبلوماسي، ويواجهون تمييزا في القطاع التعليمي وغير ذلك، ولاحظ التقرير السنوي لعام 2018، الذي أعدته المفوضية الأمريكية عن الحريات الدينية العالمية أن (هناك 36 مسيحيا في الحكومة المصرية، ولا يوجد أي محافظ مسيحي وحتى في المناطق ذات الغالبية المسيحية)، والمسيحيون ممنوعون بشكل غير رسمي من اللعب في نوادي كرة القدم المصرية، اللعبة الشهيرة في مصر".
ويفيد الباحثان بأن "قانون التكفير، وإن شمل المسيحية واليهودية بالإضافة إلى الإسلام، إلا أنه يطبق على من ينتقد أو ينتهك حرمة الإسلام، وفشل السيسي، الذي يقود دولة أمنية، في منع الهجمات الإرهابية التي تستهدف المسيحيين وأماكن عبادتهم، ففي العام الماضي استهدف تنظيم الدولة باصا كان يقل حجاجا إلى دير مسيحي جنوب القاهرة وقتل سبعة أشخاص، وهو المكان ذاته الذي استهدفه الجهاديون قبل عام، وقتل تنظيم الدولة مسيحيين في هجمات على الكنائس".
ويشير الكاتبان إلى "حوادث العنف الطائفي الناجمة عن هجمات على المسيحيين الذين يمارسون العبادة في الكنائس المقامة دون ترخيص، وأحيانا تلك التي تندلع نتيجة لعلاقات عاطفية بين مسلمين ومسيحيات أو بالعكس، وفي كانون الأول/ ديسمبر، وبعد سلسلة من الحوادث المتعددة أعلن السيسي عن إنشاء لجنة مواجهة العنف الطائفي، ومثل غيرها من المبادرات، فإن اللجنة لم تكن إلا علاقات عامة وليس من أجل معالجة المشكلات الحقيقية، ولاحظ تيموتي كالداس من معهد التحرير في واشنطن أن معظم أعضاء اللجنة تم اختيارهم من أجهزة الأمن التابعة للدولة، ولم تضم أفرادا من الأقليات التي تظل عرضة للعنف المتطرف".
ويقول الباحثان: "لعل المنفعة الوحيدة التي قدمها السيسي لمسيحيي مصر هي القانون الذي يرفع الحظر على بناء الكنائس، لكنه جاء دون التوقع، وكان المسيحيون يأملون برفع تحكم الدولة في بناء وإصلاح الكنائس الذي لا يوجد بالنسبة للمساجد، وهو ما قلل من عدد الكنائس مقارنة بالمساجد، فبحسب إحصائية يوجد مسجد لكل 665 مسلما، مقارنة لكنيسة لكل 2780 مسيحيا، وبدلا من معاملة المساجد والكنائس بالطريقة ذاتها، فإن قانون السيسي الجديد فرض قيودا على تراخيص بناء الكنائس ومنح صلاحيات واسعة للأمن برفض طلب بناء أو حتى إصلاح ثانوي، والسبب هو أن بناء كنائس كثيرة سيثير غضب الغالبية المسلمة وسيؤثر على الاستقرار".
ويستدرك الكاتبان بأنه "رغم اعتراف الدولة بنسبة 24% من الكنائس التي بنيت دون ترخيص، إلا أن قوات الأمن تواصل التحرش بالمصلين وإغلاق الكنائس، وكما قال أسقف الأقباط في لوس أنجلوس، فإنه ثبت أن قانون بناء الكنائس هو قانون لإغلاقها".
ويعلق الباحثان قائلين إن "كاتدرائية العاصمة الجديدة قد تكون أعجبت مارك بومبيو والزوار الأمريكيين، لكن هذا المشروع الضخم الذي أنشئ لإرضاء غرور الديكتاتور موجود في عاصمة يتحكم فيها الأمن، ولا يمكن للمسيحيين الوصول إليه بسهولة، لكنه لم يترك أثرا على حياتهم اليومية والتمييز الذي يتعرضون له يوميا".
ويقول الكاتبان: "ربما كان الأقباط هم أكبر أقلية دينية في مصر، إلا أن هناك أقليات أصغر تعاني من التمييز، مثل الطائفة البهائية وشهود يهوه، الممنوعتين في مصر، ولا يتم الاعتراف بزواج البهائيين، فيما يشن الأزهر ووزارة الأوقاف حملة محذرين من مخاطر البهائيين، ويواجه الملحدون الخطر ذاته، حيث يدرس البرلمان إصدار قانون يجعل الإلحاد جريمة".
ويؤكد الباحثان أنه "رغم حديث السيسي أمام الوفود الأجنبية عن التسامح الديني، إلا أن نظامه يعامل الأقليات الدينية الأخرى مثل أسلافه: جماعات يجب التحكم فيها، وتهديدات أمنية جماعية، وليس على أنهم مواطنون لديهم حقوق وحريات".
ويلفت الكاتبان إلى أن "السيسي، الذي يلجأ لمواجهة أي خطر أو نزاع للحد من الحريات، وتعزيز دور الجيش، لم يبد رؤية أو استعدادا لقيادة مصر نحو مجتمع مفتوح ومتسامح، وفي ظل محاولات البرلمان، الذي يوافق على كل ما يقوله السيسي، تعديل الدستور ليبقى في الحكم حتى عام 2034، فإن المنظور يبدو قاتما بالنسبة للأقليات الدينية".
ويختم الباحثان مقالهما بالقول: "لو كانت إدارة ترامب جادة بشأن الحريات الدينية فإن عليها استبدال المديح بممارسة الضغوط عليه للتحرك نحو المساواة في المعاملة الدينية وإلغاء قانون التكفير".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
صحيفة إسبانية: هكذا أنشأ السيسي مخبأه في الصحراء
فورين بوليسي: كيف أصبحت سجون مصر مراكز تجنيد لتنظيم الدولة؟
صحيفة فرنسية تنتقد تعامل الغرب مع السيسي رغم القمع