أمريكا دولة قوية اقتصادياً وسياسياً ولكنها لم تقدم المثال المرتجى في العدالة الاجتماعية وتحقيق الرفاه لكل مواطنيها.
ينطوي هذا البلد على كثير من مشكلات التمييز وتفاوت الفرص والعنصرية مما يقتضي استمرار النضال الحقوقي الداخلي في سبيل العدالة و المساواة.
سلوك يشبه الاستيطان الإحلالي
"gentrification" مصطلح باللغة الإنجليزية لا توجد كلمة تقابله في اللغة العربية، ويعني أن يقدم الأثرياء إلى أحد الأحياء ويشتروا عقاراته بأثمان مرتفعة فترتفع الأسعار وترتفع الضرائب فتصبح الإقامة في ذلك المكان فوق احتمال الفقراء فيضطرون إلى النزوح من ذلك المكان، هذا السلوك يشبه الاستيطان الإحلالي لكن بوسيلة المال وليس القوة.
خلال جولتي في أمريكا مررت بمصانع مغلقة؛ حدثني أصدقائي من الأمريكيين قصة هذه المصانع؛ نقلها أصحابها إلى دول أخرى مثل شرق آسيا ليحظوا بتشغيل العمالة الرخيصة، ونتيجة هذه الحركة فقد مزيد من العمال الأمريكيين فرص عملهم بينما تضخمت ثروات أصحاب رؤوس الأموال بتقليل تكلفة الإنتاج. هذا المثال هو تعبير واضح عن النظام الرأسمالي الذي يهتم بالأرباح دون مراعاة المسؤولية الاجتماعية، و النتيجة هي تعاظم التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء.
مدينة فقيرة
زرنا مدينة ديترويت شمال الولايات المتحدة، مدينة تبدو منذ النظرة الأولى فقيرةً قليلة الخدمات مقارنةً مع مدينة شيكاغو محطتنا الأولى، مدينة ديترويت كانت في الماضي مهد مصانع السيارات، لكن إغلاق المصانع فيها أفقد سكانها فرص عملهم فنزحوا من المدينة وتناقصت خدماتها.
في مدينة ديترويت زرنا متحفاً يوثق تاريخ استعباد الأمريكيين الأفارقة، على جدران المتحف تحكي قصة قدوم الإنسان من أفريقيا، وهو ما يعني أن الهوية الإفريقية حاضرة بقوة في قلوب الأمريكيين الأفارقة، يحدثنا الأمريكيون الأفارقة قصصاً من حقبة الاستعباد كيف كان مستعبِدوهم يفرقون بينهم ويحرمونهم من القراءة والكتابة كي يقطعوا تواصلهم بمنبعهم الأصلي في إفريقيا ويخلصوهم لخدمتهم في البيوت والحقول دون أي هوية ثقافية.
اللغة الإنجليزية حين ينطق بها الأمريكيون الأفارقة تبدو أصعب من اللغة الإنجليزية التي ينطق بها الأمريكيون البيض، يفسر صديقي هذا الاختلاف بأنه محاولة من الأفارقة لتمييز أنفسهم حمايةً لهويتهم الخاصة من الذوبان، فاللغة هي شكل من أشكال رفض التكيف مع الهيمنة الثقافية التي يمارسها الأقوياء.
في متحف ديترويت تتجسد قصة رحلة الاستعباد البشعة وفيه محاكاة للسفينة التي كان ينقل بها الأفارقة من بلادهم إلى أمريكا
ألغي الرق رسمياً في الولايات المتحدة بعد حرب الشمال والجنوب، لكن العدالة الكاملة لم تتحقق،
تشابه بين حدود أمريكا وحدود غزة
يتكرر المشهد ذاته جنوب الولايات المتحدة؛ هناك السكان من أصول لاتينية وقد أصبحوا مواطنين للولايات المتحدة في القرن التاسع عشر بعد احتلالها لأجزاء واسعة من المكسيك وضم أراضيها وسكانها، يشيع في جنوب ولاية كاليفورنيا الحديث باللغة الأسبانية، وهي لغة المكسيك، في رسالة تأكيد للهوية الثقافية ورفض للمستعمِر، كذلك تنتشر رسومات الجداريات التي تحيي ذكر رموز التاريخ المكسيكي وقادته وملوكه، دار نقاش بيني وبين مواطن أمريكي من أصل مكسيكي، قال لي: نحن نرى في الولايات المتحدة محتلاً لأرضنا كما أن إسرائيل تحتل أرضكم، قلت له: ربما تبدو فكرة التحرير صعبةً وعالية التكلفة، لكني أتفق معك أن تنخرطوا في معركة نضال حقوقي للمطالبة بمزيد من المساواة والقضاء على كل أشكال التمييز والتفرقة.
هذه الحدود في ذلك المكان وفي كل مكان هي إعلان فشل أخلاقي وسياسي للإنسان. الناس متشابهون فلماذا تقام الجدران الفاصلة بينهم؟
أرادوها في رمضان.. الرئيس الأمريكي والإسلام السياسي
الخطوة الأمريكية القادمة تجاه إيران