منذ عدة أيام، صدرت عن المتحدثة للبيت الأبيض سارة ساندرز
تصريحات تناولت فيها أن سيد البيت الأبيض يدرس وضع جماعة
الإخوان المسلمين على
قائمة المنظمات
الإرهابية الأجنبية. وأصبح هذا الخبر محل تعليق ومناقشة للكثير من
الكتاب والمعلقين في مختلف الصحف والمجلات، سواء التي تصدر باللغة العربية أو
الأجنبية، وكذلك تدخل بالتعليق عدد من المسؤولين بمستوى وزراء الخارجية في عدد من
الدول، مثل تركيا وأيران. حتى أن قناة الجزيرة تناولت الموضوع في برنامجين من أشهر
برامجها في نفس الأسبوع، وهما الاتجاه المعاكس وبرنامج سيناريوهات.
وقد كان نفس السيد المقيم في البيت الأبيض قد أثار نفس
القضية منذ أكثر من عامين، بعد انتخابات 2016 وطلب من المساعدين له اتخاذ نفس
الموقف، ولكنه لم يتمكن لرفض وزير الخارجية وقتها، ريكس تيليرسون، تأييد هذا الطلب.
وكذلك تم عقد عدد من جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ حول نفس القضية بطلب من
السناتور تيد كروز، المرشح الرئاسي السابق عن الحزب الجمهوري، ولم تجد فكرة وضع
جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب قبولا أو تأييدا من الأعضاء في المجلسين. وها نحن
مرة أخرى تثار القضية، والبعض يقول إنها نتيجة زيارة السيسي لواشنطن منذ نحو شهرين.
بعض الكتاب هاجم المقترح ووضع جماعة الإخوان على قائمة
الإرهاب، بحجة أن هذا التصرف سوف يقوي جماعات أخرى تستخدم العنف، مثل داعش
والقاعدة، وغيرهما من الجماعات. والبعض الآخر أيد التصريحات بالتأكيد أن جماعة الإخوان
هي أصل كافة الجماعات الإسلامية في العالم، وأن جماعات العنف هي جماعات خرجت من
عباءة جماعة الإخوان المسلمين. كما كان هناك أصوات تتحدث عن أن الإدارة الأمريكية
لن تقدم على هذه الخطوة، وإنما صدرت هذه التصريحات حتى تنشغل الجماعة بنفسها في
الفترة القادمة، ولا تكون هناك مقاومة جادة على مستوى العالم الإسلامي خلال تمرير
ما يسمى بصفقة القرن المزمع تنفيذها والإعلان عنها خلال أسابيع قليلة قادمة.
بالطبع حاول كل طرف أن يقدم أسانيده وتبريراته للموقف الذي يتبناه.
ومنذ يومين نشرت جريدة نيويورك تايمز مقالا حول الموضوع،
بقلم مدير مكتب الجريدة في لندن ديفيد كيركباتك بعنوان "ترامب يعتبرهم
إرهابيين ولكن بعضهم حلفاء". وكان هذا هو نفس المدخل الذي برر وزير الخارجية
الأسبق جون كيري رفضه للموضوع، خلال مناقشة الموضوع في إحدى جلسات الكونجرس خلال
الحملة السابقة عام 2017.
ولكني أتوقف مع مقالة نيويورك تايمز؛ لأنها شملت مقابلة
مع الأستاذ إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين. وتناولت المقالة
الموضوع بشكل أكثر تفصيلا، من جوانب عديدة للجماعة، من حيث انتشارها في العالم،
وثبات منهاجها وفكرتها الأساسية، ورؤيتها للعالم، وكيف أنها حريصة على الإنسانية
جميعها، وأن هذه هي دعوة الإسلام نفسه؛ لأن المولى عز وجل أرسل الرسول محمد صلى
الله عليه وسلم رحمة للعالمين وإلى كافة البشر، وليس للعرب أو للمسلمين فقط.
وتناولت المقالة أن الجماعة لا تتدخل في الشؤون الداخلية
للجماعات التي تتبني فكرها ومنهجها في أي دولة من دول العالم. كما أكد منير أن من
ثوابت الجماعة أن منهجها في التغيير هو الإصلاح والتدرج والسلمية، وأنها لا تعتمد
العنف كأسلوب من أساليب التغيير. كما تناولت المقابلة جوانب أخرى عن تاريخ الجماعة
ونشأتها والتحديات التي واجهتها على مدى الأعوام التسعين الأخيرة، وهي عمر الجماعة
منذ تأسيسها عام 1928 على يد الأستاذ حس البنا رحمه الله، وكيف أن الجماعة بعد كل
هذه المواجهات، سواء في مصر أو في مواقع مختلفة من العالم، ما تزال مستمرة وتمارس
دورها في نشر دعوتها، منطلقة من فكرتها ومنهجها.
في الجزء الأخير من المقال والمقابلة المشار إليها، تناول
الأستاذ إبراهيم قصة زيارة الأخ الدكتور عصام حداد (فك الله اسره وجميع إخوانه)
للبيت الأبيض عام 2013، بناء على دعوة من سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي للرئيس
الأمريكي باراك أوباما وقتها. وفي نهاية جلسة المفاوضات بين الوفدين اصطحبت السيدة
رايس الدكتور عصام لمقابلة الرئيس باراك أوباما في المكتب البيضاوي، وجلسا حوالي
أربعين دقيقة لمناقشة مستقبل العلاقات بين البلدين وكيفية تطويرها في ظل تحقيق
مصالح البلدين. والدكتور عصام هو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ووقتها كان يشغل
منصب مستشار الرئيس مرسي للعلاقات الخارجية.
وفي ختام المقال والمقابلة، أبدى الأستاذ إبراهيم اندهاشه
من صمت المسؤولين الأمريكيين الذين عرفوا الدكتور عصام، خصوصا وأنه تم القبض عليه
خلال الانقلاب على الرئيس مرسي بعد هذه الزيارة بعدة شهور، وهو ما يزال في السجن
بتهم مسيسة لما يقرب من ست سنوات. ثم تساءل الأستاذ إبراهيم: هل كانت دعوة الدكتور
عصام الحداد لهذه الزيارة ومقابلة الرئيس الأمريكي مجرد لعبة؟
وفي تقديري أن التساؤل الذي طرحه الأستاذ إبراهيم يدفعنا
للنظر للصورة التي نعيشها منذ أكثر من ثماني سنوات في عالمنا العربي بشكلها الكامل،
وليس بشكل جزئي. والإجابة المباشرة على السؤال المطروح أنها بالطبع ليست لعبة؛ لان
من نتعامل معهم ليس لديهم وقت للعب، فهم يعرفون مصلحتهم بشكل جيد، ويعملون على
تحقيقها بكل السبل والوسائل. وأود هنا أن اذكر بموقف آخر حدث منذ أكثر من أربعين
عاما، عند قيام ثورة الخميني في إيران عام 1979، وكان أول ما قامت به هو احتلال
السفارة الأمريكية في طهران، وأخذ العاملين في السفارة كرهائن، فيما فشلت محاولة
الرئيس الأمريكي كارتر لتحريرهم. واستمرت
الثورة الإيرانية حتى الآن أربعين سنة،
وحدثت العديد من المفاوضات بين قادتها وبين القيادات الأمريكية، باختلاف أحزابها،
وتراوحت العلاقات بين البلدين بين المواجهة والمصالحة والصداقة عدة مرات، حيث نعيش
الآن مرحلة جديدة من المواجهة، ولكنها سوف تمر كما مرت غيرها. أما ما حدث في مصر
فلم يستمر أكثر من عام، مع أن الإدارة في مصر أبدت الاستعداد للتعاون، وكانت
البداية هي زيارة الدكتور عصام. فهل كانت فعلا لعبة؟ أم أنها كانت شيئا آخر؟
في رأيي، أنه منذ 17 كانون الأول/ ديسمبر2010، أي منذ أضرم البوعزيزي النار في نفسه، والمنطقة تعيش في تمثيلية جديدة، تتعدد مشاهدها
وتنتقل من بلد إلى أخرى، وتقوم بأداء الأدوار فيها الشعوب التي تعيش فيها، باختلاف
مستويات الأدوار المطلوبة. وهذا لا يعني تأكيد لفكرة المؤامرة أو أن انتحار
البوعزيزي كان مقصودا أو مخططا، بل كما قلت من قبل، إنها مصالح، ومن تتعامل
المنطقة معهم ولهم أهداف فيها يعرفون مصالحهم جيدا، ويوظفون الأحداث بشكل جيد،
بالإضافة للإمكانيات المتاحة لهم.
وهذا لا يعني أن شعوب المنطقة لا تعرف مصالحها، ولكن
المشكلة في تقديري يعود إلى حجم الصورة التي تنظر إليها هذه الشعوب ونخبها
السياسية، فهل تنظر أسفل قدمها أم تنظر لصورة العالم كله؟
وأختم بالكلمة الرائعة للممثل نهاد قلعي رحمه الله:
"إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث في إيطاليا فعليك أن تعرف ماذا يحدث في البرازيل".
فعلينا أن ننظر للصورة الكاملة، وأن نضع لأنفسنا الصورة الكاملة التي نريدها ونسعى
إلى تحقيقها، ونعتمد على الله ولا نستسلم، أو أن نكون مجرد كومبارس في تمثيليات
الآخرين.
والله المستعان، وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.