تفجرت قضية الراية الأمازيغية في حراك الجزائر بشكل خطير وغير مسبوق بصورة مفاجئة، بعد أن أصبحت هذه الراية التي يصفها البعض بأنها راية ثقافية أو هوياتية وترمز للسكان من ذوي الأصول الأمازيغية أو البربرية، إلى منافس صريح للراية الوطنية الجزائرية، في شوارع العاصمة وبعض المدن الأخرى، الأمر الذي أحدث استفزازا كبيرا عند جزء مهم من الجزائريين الذين يرون فيها راية سياسية تفتيتية، الأمر دفع بالمؤسسة العسكرية مع الجمعة الـ 18 من عمر الحراك، إلى منع رفع الرايات غير الوطنية، واعتقال بعض الأشخاص وإحالتهم على المحاكمة، مع ما خلفه ذلك من ردود فعل متناقضة بين الحراكيين أنفسهم، وأدى إلى حصول أكبر فتنة وسط الحراك الجزائري منذ انطلاقته.
ورغم أن هناك أطرافا كثيرة ترى في إقدام الجيش على خطوة كهذه يعد خطأ، أو استراتيجية لتقسيم الحراك وحرفه عن أهدافه الحقيقية، إلا أن أطرافا أخرى رأت في القرار حسما ضروريا لظاهرة غريبة شكلت قلقا عند الجزائريين، خاصة مع وجود أطراف داخلية وخارجية بدأت تستعمل هذه الراية لأهداف، بعيدة تماما عما خرج من أجله الشعب الجزائري في 22 شباط (فبراير) الماضي، في حين لم يكن لهذه الراية أي أثر في الشارع، قبل أن تخترق تلك الأطراف الشارع الجزائري، وتشرع في خدمة أهدافها الخاصة.
فهل حقا تشكل هذه الراية الموجودة بالجزائر، وفي دول شمال أفريقية أخرى، كالمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا وحتى مالي وغيرها، خطرا على الحراك الجزائري ووحدة البلاد؟ وما قصة هذه الراية التي يشاهدها الناس كثيرا في المسيرات ولا يعرفون أصلها؟ وهل تحول الحراك الجزائري من حراك سياسي مطلبي يخص الديمقراطية ومحاربة الفساد، إلى حراك هوياتي، تمثل فيه الراية الأمازيغية السكان الأمازبغ، بينما تمثل الراية الوطنية الجزائرية السكان العرب؟ وهل يمكن أن تتمثل الحالة الأمازيغية في الجزائر والمغرب العربي، الحالة الكردية في المشرق؟ وهل هناك دور لفرنسا وإسرائيل في الحكاية؟
فتنة الرايات الأمازيغية في حراك الجزائر
خرج الجزائريون في الـ 22 من شباط (فبراير) في انتفاضة سلمية ضد حكم بوتفليقة، وقد كان الهدف إسقاط هذا النظام المتعفن والمرور إلى الحكم الديمقراطي، حينها ظهر الجزائريون بكل عفوية برايتهم الوطنية المعروفة، لكن ما لبث الأمر أن تغير بدخول ما يسمى الراية الأمازيغية على الخط، وشيئا فشيئا بدأت هذه الراية تشكل حراكا "موازيا"، أو حراكا "هوياتيا" بعيدا عن الأهداف التي خرج من أجلها الجزائريون.
وما إن سقط بوتفليقة، وشرعت قيادة الجيش بعد تحريرها العدالة في إدخال رؤوس العصابة البوتفليقة إلى السجون، حتى تضاعفت أعداد هذه الرايات بشكل كبير، واتضح أن هناك جهات تمول العملية، وبدأ جزء من الحراك يعبر عن امتعاضه من هذا الوضع غير الصحي، حيث ظهرت في خضم ما يسمى بمعركة إسقاط "الباءات" من بقايا حكم بوتفليقة، حرب حقيقية للرايات، بين الجزائريين العاديين الذين لم يكونوا يرون بديلا عن العلم الوطني، في مقابل فئة أخرى وجلهم من القبائل الأمازيغية، الذين أصروا على حمل رايتهم التي أحدثت تمايزا واضحا في الشارع الجزائري، الأمر الذي تسبب في بعض الاحتكاكات بين الطرفين، تم تجاوزها بفضل حكمة العقلاء.
ومع طول مدة الحراك، بدأت الهوة تتسع أكثر فأكثر بين دعاة الجزائر النوفمبرية الباديسية ذات الأبعاد العربية الإسلامية، برايتهم الوطنية المعلومة، ودعاة الجزائر أمازيغية، وجلهم من التيار الفرونكوبربري، حتى شهدنا تمايزا في المسيرات، كان من أبرزها تركز القوى البربرية قبالة البريد المركزي بالجزائر العاصمة، باعتباره قبلة كاميرات القنوات العالمية، قبل أن تعمد قوات الأمن لتسييج بوابة البريد المركزي، بينما تركزت القوى الوطنية في باقي المدن الداخلية الجزائرية، وكان أبرزها تجمعات ومسيرات مدينة برج بوعريريج التي سيطرت فيها الراية الوطنية بشكل كامل.
هذا الوضع السيئ، أدى إلى اصطفافات أخطر فيما بعد، حيث اصطف أنصار الراية الأمازيغية بشكل واضح ضد قيادة الجيش الجزائري الوطنية، خاصة أن جزءا منهم يرون أن الحكم قد ضاع منهم هذه المرة، بعد سقوط جنرالات فرنسا، بينما كنتيجة لذلك أو كرد فعل طبيعي له، اصطف عدد كبير من أنصار الراية الوطنية مع خيارات الجيش لحل الأزمة، عبر تبني الخيار الدستوري ورفض المراحل الانتقالية، على اعتبار أن قيادة الجيش الحالية، معادية بالمطلق مع رؤوس القيادات السابقة للجيش ومنظومة الحكم عموما، وهؤلاء هم بشكل أو بأخر داعمون رئيسيون لأصحاب التوجهات البربرية، وفكرة الجزائر غير العربية، الأمر الذي أحدث وما يزال يحدث فتنة كبيرة، أخرجت الحراك الجزائري بنسبة كبيرة عن طابعه الديمقراطي إلى الطابع الهوياتي، بكل ما قد يشكله ذلك من مخاطر مستقبلية جسيمة.
أصل الراية الأمازيغية والقوى التي وراءها
لفهم دقيق لهذه المعضلة الكبيرة، سألت "عربي21" الدكتور مصطفى نويصر أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، عن هذه الراية ومن وراءها؟ فشرح الأمر بنوع من التفصيل، مشيرا إلى أن هنالك رايات أمازيغية وليست راية واحدة، إلا أن الراية المنتشرة حاليا في المسيرات، تسمى براية "تامزغا الكبرى" التي يعمل من أجلها الكونغرس الأمازيغي العالمي، التي يسمونها الراية الثقافية، وهي في الحقيقة راية سياسية وأخطر بكثير من الرايات الأخرى التي ترفع.
وأوضح الدكتور نويصر أنه بالعودة إلى البدايات الأولى، نجد أن الحركة البربرية تشتغل بوجهين، الوجه الانفصالي والوجه الوحدوي لشمال أفريقيا، فالراية الأمازيغية التي نتكلم عنها أصلها هو الأكاديمية البربرية التي تأسست بين 1965 و1966 والتي أسسها مجموعة من الحركة (عملاء فرنسا) من منطقة القبائل يالتعاون مع بعض الآباء البيض وبعض الضباط منظمة الجيش السري الفرنسي (OAS)، التي أنشئت في عام 1961 لمنع استقلال الجزائر بكل الطرق الإرهابية الممكنة، الذي صنع هذه الراية هو الضابط الفرنسي المعروف (جاك بينيت) وهو من المقربين من منظمة (OAS)، وكان له تأثير كبير فيما بعد في مطلع الثمانيات في أحداث ما يسمى بالربيع البربري 1980، وبقي الوضع هكذا إلى أن تأسس الكونغرس الأمازيغي العالمي في 1995 بجزر الكاناري، بحضور ناشطين بربر من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وجزر الكناري، من أجل إنشاء تامازغا الكبرى، وهو مشروع وراءه الحركة الصهيونبة العالمية، والهدف هو العودة بمنطقة المغرب العربي إلى ما قبل الاسلام وتحديدا إلى اليهودية، لذلك نجد اليوم أن الماسونية تدعم بقوة هذا المشروع.
وفي سنة 1996 تبنى الكونغرس الأمازيغي هذه الراية فتحولت من راية جزائرية قبائلية خاصة بالأكاديمية البربرية، إلى راية لكل أمازيغ شمال أفريقيا كلهم، وظهرت رايات أخرى، وفي 2006 عقد الكونغرس الأمازيغي العالمي الثاني الذي وقعت فيه صراعات كبيرة، وأدى إلى خروج جزء من المؤسسين وشكلوا تنظيما آخر اسمه التحالف الدولي من أجل تامازغا، وهؤلاء الذين خرجوا هم من أتباع المنظر اللغوي المعروف سالم شاكر الذين يقولون إن اللغة الأمازيغية التي عملنا منذ عدة سنوات لأجلها اكتشفنا أنها خرافة، فلا وجود للغة الأمازيغية في التاريخ ولا يمكن أن توجد مستقبلا، فقرروا في النهاية أن يهتموا بالمناطق البربرية، بأن تهتم كل منطقة بنفسها وتطور نفسها وتعمل من أجل الاستقلال الذاتي لها، كمنطقة ميزاب والشاوية والريف وهكذا، وهذا المشروع هو أيضا مشروع صهيوني، يدخل في إطار الشرق الكبير، مبني على أسس تجزئة المجزأ وتفكيك المفكك، حيث يتم تفكيك المشرق العربي على أسس طائفية ومذهبية، بينما يتم تفكيك شمال أفريقيا على أسس عرقية وتنوع سياسي بما أنه لا وجود لطوائف دينية.
رايات أمازيغية لمشروع تفتيتي واحد
ويؤكد الدكتور نويصر، أنه بات لدينا في الجزائر رايات أمازيغية متعددة، فهناك راية الحركة من أجل استقلال بلاد القبائل بما يعني الانفصال، ولدينا الآن راية في منطقة ميزاب للحركة، من أجل الحكم الذاتي لبلاد ميزاب التي كان يرأسها كمال الدين فخار، والآن يرأسها محمد دبوز، وراية الحركة من أجل الحكم الذاتي لبلاد الأوراس، كما هناك رايات أمازيغية لمنطقة الريف بالمغرب وغيرها من بلدان المغرب العربي. ومشروع هذه الرايات المتعددة، أن يتحقق حلم أصحابها في الحكم الذاتي، وبناء كونفدرالية شمال أفريقيا بين هذه المناطق المستقلة ذاتيا، يعني أن هناك عملا تفتيتيا لإعادة تركيب شمال أفريقيا، على أسس عرقية، والعمل الثاني الذي يتبناه الكونغرس العالمي هو العمل على أساس تامزغا الكبرى، وبالنسبة لهم، فإن العرب دخلاء وهم أقلية عربية وليست أكثرية، وهو مشروع يسير بقوة والناس لا تدرك خطورته.
إن الجزائر دولة موحدة واحدة مبنية على أسس مبادئ بيان أول تشرين ثاني (نوفمبر) الخالد، علم واحد لغة واحدة، بينما مؤتمر الصومام وأرضيته، طرح كبديل لمشروع بيان نوفمبر، والهدف منه أن تتحول هذه المناطق إلى حكم ذاتي بناء على اللامركزية، وعليه فإن من يطالبون بمجلس تأسيسي اليوم في الجزائر هي القوى البربرية، على غرار جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وغيرهم، الذين يعتبرون بناء الدولة كان من البداية على أسس خاطئة، وأنه اعتمد على العرب وأهمل الأمازيغ، ومن ثم يجب إعادة هيكلة الدولة الجزائرية.
ويحذر الدكتور نويصر من هذه الرايات، ضاربا أمثلة من أوروبا نفسها، فإسبانيا مثلا لها راية واحدة ولغة واحدة (الإسبانية)، ولكن عندهم مناطق أخرى مثل الباسك، كاتالونيا وغيرها، وكل منطقة لها خصوصياتها لكن لا ترفع علمها إلا في منطقتها، يعني لا يأتي الباسك ليرفعوا علمهم في مدريد مثلا أو يفرضوا علمهم على الشعب الإسباني، وكذلك الأمر في إنجلترا وهولندا وغيرها... محذرا من أن رفع الرايات عندنا بهذا الشكل الفوضوي، سيؤدي إلى مواجهات وقد تؤدي بنا إلى النموذج اليوغسلافي لا قدر الله.
إنها راية سياسية وليست "ثقافية"
من جانبه يرى الإعلامي حسين بولحية أن التاريخ يسجل أنه لا توجد رايات ثقافية، فكل الرايات يضعها أصحابها لأهداف سياسية، وقديما كانت هناك رايات للدول وللقبائل وللجيوش المتحارية، وفي عصرنا الحالي باتت الرايات توضع وترفع إما لإعلان دولة، أو لأجل حكم ذاتي أو فيدرالي أو تقرير مصير بالنسبة لبعض الشعوب المستعمرة. وفي الجزائر كانت هناك رايات كثيرة كلها استعملت للتصدي لعدو خارجي ومنها على سبيل المثال راية ولاد نايل.
أما فيما تعلق بالراية الأمازيغية الحالية، فيؤكد حسين بولحية في تصريح لـ "عربي21" أنه ثبت بالدليل أن من صمموها، صمموها لأهداف سياسية؛ وهي إما للوصول إلى حكم فيدرالي أو استقلال ذاتي، ثم جاءت راية (الماك) الانفصالي فرحات مهني، وهي تستلهم كل شيء من الأولى ليؤكد صاحبها الانفصال وحق تقرير المصير.
وأشار بولحية أنه لم يتم استفتاء أحد بشأن هذه الريات وإلى الآن هي تحمل في الغالب الأعم من طرف مناضلي الحركة البربرية في بعض الولايات، بينما تتلافى الأغلبية الساحقة ممن يطلق عليهم أمازيغ حملها، حتى إن أغلبيتهم ينكرونها أصلا لاسيما في ولايات الشرق أين يقطن الشاوية وكذا بني ميزاب والتوارق ...إلخ
أما فيما تعلق بخطاب قيادة الجيش على لسان قائد الأركان والقرار المتمثل في منع الرايات، فيرى حسين بولحية أن هذا الإجراء ربما كان يمكن تلافيه في الوقت الراهن لأسباب موضوعية كثيرة، وبما أن القرار اتخذ فيفترض أن يتم مراعاة جملة من المعطيات لتلافي الانجرار إلى مصيدة أو مكيدة، فمن المؤكد أن أي أمن هذا القبيل، حتما ستكون له تبعات سياسية على المدى القريب والبعيد، مشيرا إلى أن الرايات المعنية وإن كانت حاليا لا تشكل خطرا وشيكا على الأمن والاستقرار، فقد تكون عاملا مساعدا في تهديد الأمن والاستقرار السياسي على المدى البعيد.
الجدل حول الرايات أخذ أبعادا خطيرة
أما الإعلامي أحمد حفصي، فاعتبر الجدل المثار على منصات مواقع التواصل الاجتماعي حول قضية الراية الأمازيغية، هو انعكاس لانحراف قاطرة الحراك الشعبي الذي يدفع ثمن الطرح الاستفزازي الذي تتبناه وجوه محسوبة على تيار يحمل أجندة مشبوهة، تتجاوز مطالب الشعب المعبر عنها عبر ولايات الجمهورية الثمانية والأربعين.
وشدد أحمد حفصي لـ "عربي21"، على أن الأسماء التي نصبت نفسها وصية على الجزائريين من بوابة الاستقواء بساحة البريد المركزي، أدخلت مواقفها الراديكالية الجزائريين في صدام ترجم في الموقف من قيادة الجيش وآلية الانتقال الديمقراطي، وأن قضية الرايات هذه هو تحصيل حاصل لطموح فئة تستعمل كل الأوراق للتموقع، ليتحول المشهد إلى صراع بين مشروعين، معتبرا أن الجدل الدائر حول الرايات غير الوطنية أخذ أبعادا خطيرة، وأصبح يشكل تهديدا للوحدة الوطنية بعد أن تفطن غالبية الجزائريين إلى مناورات تيار يريد الاستثمار في ملف الهوية لتحقيق مكاسب سياسية على ظهر أحرار منطقة القبائل .
وقال حفصي، "إن النقاش الدائر حول القضية تحصيل حاصل لمعركة كسر العظام الدائرة بخلفيات إيديولوجية سياسية، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى القطرة التي أفاضت الكأس، أو بالأحرى وضعت النقاط على الحروف، وهو الموقف الحازم للمؤسسة العسكرية التي بناء على تقارير أمنية استشرافية، جعلت ظاهرة رفع رايات غير الراية الوطنية مسألة أمن قومي تستدعي مراجعة آلية التعاطي مع الانحراف المسجل في المسيرات، حيث إن التسويق المبالغ فيه لرايات غير الراية الوطنية يتعارض مع ديباجة الدستور، ومواده غير قابلة للمراجعة المتعلقة بالعلم الوطني".
يجب تحرير الأمازيغية من المتاجرة السياسية
ويستغرب أستاذ العلوم السياسية الدكتور مصطفى بخوش لماذا يتم استنزاف الوقت والجهد في التركيز على أمور ثانوية (قضية الرايات مثلا)، التي يمكن أن تُرحل للمرحلة المقبلة وإغفال القضية الأساسية ذات الأولوية، التي من المفروض أن تكون لها الأولية اليوم وهي مسألة الشرعية، مشيرا إلى أن تحقيق الشرعية من شأنه أن يحعل من قضية الراية تتراجع تلقائيا.
ويعتقد الدكتور مصطفى بخوش في تصريح لـ "عربي21" أن "توقيت فتح النقاش بهذا الشأن غير مناسب وفي غير محله إطلاقا، ويجب أن ينتبه الجميع إلى أن المغامرات السياسية التي توظف مكونات الهوية الوطنية للتموقع في السلطة أو في المعارضة على حد سواء، تجرنا نحو صراعات صفرية الرابح فيها خاسر. وعليه أدعو لتحرير الأمازيغية التي لا يجب أن تبقى حكرا على السياسيين يتاجرون بها وفق حسابات آنية قائمة على منطق صدامي يستبعد الآخر وينفي المختلف، كما يجب تحرير الأمازيغية من منطق التوظيف السياسي الذي تتبناه السلطة والمعارضة بحثا عن شرعية مفقودة، وذلك عبر فسح المجال للمختصين والباحثين ومنحهم الوقت الكافي لتطوير أمازيغية معيارية، تجمع بين مختلف اللهجات السائدة في مختلف مناطق الجزائر دون إقصاء أو تهميش أو توظيف. مع ضرورة التمييز بين الأمازيغية كمسألة ثقافية يجب أن تتكفل بها الدولة ومؤسساتها وتسحبها من الذين حولوها لسجل تجاري يزايدون بها على الجزائريين من جهة، والأمازيغية كأطروحة انفصالية من جهة أخرى تُروج لها أقلية لها ارتباطاتها وامتداداتها بالخارج وفي باريس بالضبط، التي تحولت لورقة تتاجر بها أطراف بالداخل والخارج وتزايد بها على الحراك".
وشدد الدكتور بخوش على ضرورة تأكيد النقاط الأربع التالية:
أولا: الأطروحة الانفصالية أخذت شكلا منظما يتمدد يوما بعد يوم في ظل الفراغ الذي تركه انسحاب القوى الوطنية وإفلاسها.
ثانيا: الأطروحة الانفصالية تلقى الدعم محليا بتواطؤ جهات داخل السلطة توظفها في إدارة صراعها مع باقي العصب.
ثالثا: تمدد الأطروحة الانفصالية مدعوم من قوى إقليمية ودولية، تسعى للتموقع في شمال أفريقيا ومعاقبة الجزائر على مواقفها الخارجية.
رابعا: صعود الأطروحة الانفصالية والتركيز عليها اليوم، يخدم دعاة الفوضى والتعفين الرافضة للاحتكام للشعب وعودة السيادة الشعبية.
وأضاف: "لذلك أنا مقتنع بأنه عندما بدأت تضيق هوامش الحركة والمناورة أمام العصابة والزمر المرتبطة بها عبر محاصرة رموزها وفضحهم واعتقالهم ومتابعتهم في قضايا الفساد. حركوا موضوع الهوية والانفصال من أجل فك الحصار عليهم. وهي استراتيجية مكشوفة أصبحت لا تنطلي على شباب الحراك الواعي. وأنا على يقين أن دعاة الانفصال بمختلف أطيافهم صناعة مافيوية يتحركون بمهماز".
لا راية تعلو فوق راية الشهداء
ويرى مراقبون أن هذا جدل مثير للشفقة، هذا الذي يحدث وسط انتفاضة عملاقة ملهمة، حتى إن الشعب الجزائري حين كاد يمسك بحلمه الجميل في دولة ديمقراطية واحدة موحدة، وأن ينتصر على قوى الظلام من دون أن تنزل قطرة دم واحدة، حتى أخرجت له القوى الشيطانية هذا البعبع من تحت الإبط، فليست لهذه القوى التي تتربص في الخارج، أو تلك التي قادها غضب الشعب مسلسلة إلى سجني الحراش والبليدة، إلا أن تطرح ورقتها الأخيرة، التي كانت تهيئها لمثل هذا اليوم، لتشق وحدة الشعب وتضرب تماسك الجيش، وتعيد السنوات السوداء لهذا البلد الذي اكتوى أكثر من غيره بنيران الحقد الأعمى.
لكن القوى الرجعية والصهيونية ومعها قوى الاستلاب المحلي، وفق المصادر ذاته، لن تجد أمامها هذه المرة الطريق ممهدة، فالوعي في الشارع الجزائري وصل إلى مرحلة النضج، رغم محاولات التمويه والتعمية، وبذلك يدرك هذا الشارع أنه مثلما ضربوه في بعضه، سنوات التسعينيات، بمسميات الإسلام السياسي في مواجهة العلمانيين والوطنيين، يحاولون الآن وقد فقدوا ورقة التفتيت الديني، أن يأتوه من جانب الفتنة العرقية، وإحياء فتن قديمة امتدت من 1949 والأزمة البربرية، وإلى غابة 1963 عبر تمرد جماعة حسين آيت أحمد، إلى ما يسمى بالربيع البربري سنة 1980، إلى مسيرة العروش بالعاصمة سنة 2001، حتى تكون بزعمهم انتفاضة الحرية اليوم في العام 2019، محصلة لهذه البذرة الملعونة التي زرعتها فرنسا الاستعمارية بخبث كبير لكي تستمر مصالحها في الجزائر.
إن الجزائر ليست يوغسلافيا، والجزائر بقواها الحية، مدنية كانت أم عسكرية، ليست العراق أو سوريا، حتى يتم إعادة التجربة الكردية في شمال أفريقيا من جديد، لأن طريق الديقمراطية الذي تسير فيه البلاد بخطى وئيدة ولكن أكيدة، سوف تسقط في طريقها كل الرايات سوى راية الوطن وعلم الوطن بنجمته والهلال الأحمر، على بساط من الخضرة والبياض، وإن راية استشهد من أجلها أكثر من مليون ونصف من الشهداء، وسقتها دماء العربي والشاوي والقبائلي وغيرهم من مكونات الشعب الجزائري، لا يمكن أن تنافسها رايات مجهولة النسب والهوية.
الجزائر.. مشاركة المرأة تلهب الحراك من أجل الديمقراطية
باحث مغربي: تباينات إسلاميي المغرب العربي عن الإخوان
الجزائر.. هل تصمد "سلمية الحراك" طويلا؟