ثمة سؤال يلح عليّ منذ زمن طويل، يتعلق بحرص الدولة الأردنية على مشاعر الدول "الأجنبية" دون حساب لمشاعر الشعب الأردني، حتى أنها سنت تشريعا "ساخنا" يجرّم كل من يتحدث، ولو بنقد أو حتى برغبة بإبداء رأي، عن دولة أخرى حتى لو ارتكبت تلك الدولة فعلا، أو اتخذت قرارا منافيا لكل ما هو متعارف عليه من خلق أو دين!
ومن جميل ما قرأت في هذا المجال، مطالعة قانونية على جانب كبير من الأهمية لمدى دستورية المواد القانونية التي تجرم من يبدي رأيا بهذا الخصوص، نشرها الخبير القانوني اللامع الدكتور محمد الحموري في موقع عمون الأردني، بتاريخ 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وهي تظهر حال ذلك التشريع، وتموضعه في التشريعات الأردنية، ومدى انسجامه مع الدستور الأردني حيث يرى..
1) إن جريمة التعكير وتعريض مصالح الأردنيين للخطر المذكورة، أوردها قانون العقوبات الأردني في المادة (118/2) وجعل منها جناية، حيث نصت هذه المادة على ما يلي:
"يعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات: من أقدم على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة فعرّض المملكة لخطر أعمال عدائية، أو عكر صفو علاقاتها بدولة أجنبية، أو عرّض الأردنيين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم".
ويلاحظ هنا أن النص يتحدث عن دولة أجنبية، وليس دولة صديقة أو شقيقة.
كما أن التعديل الذي جرى على قانون منع الإرهاب في 1 حزيران/ يونيو 2014، قد اعتبر في المادة (3/ن) عملاً إرهابياً عقوبته الأشغال الشاقة المؤقتة: "القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية، أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم". ويلاحظ هنا أن الفعل المجرّم بهذا النص، هو ذات الفعل الوارد في المادة (118/2) من قانون العقوبات، لكن الاختصاص أصبح لمحكمة أمن الدولة.
2) إن التجريم في المادتين السابقتين، في مجال موضوعنا، له صلة وثيقة بحرية الرأي من حيث أساسها وجوهرها، وفقاً للمادة (15/1) من الدستور الأردني التي تنص على أنه:
"تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب عن حريته بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير، بشرط أن لا يتجاوز حده القانوني". ورغم أن المحاكم الأردنية قضت في وقائع مماثلة، بل متطابقة، بأن هذه الوقائع تدخل في باب حرية الرأي التي تكفلها المادة (15/1) من الدستور، ولا يجوز تطبيق المادة (118/2) من قانون العقوبات عليها، إلا أننا الآن لا نحتاج للإستناد إلى هذا الاجتهاد القضائي رغم سلامته، بعد أن حسمت المادة (128/1) من الدستور التي أضيفت عام 2011؛ أمر عدم دستورية مادة قانون العقوبات ومادة الإرهاب سابقتي الذكر في مجال موضوعنا.
3) ذلك أن المادة (128) من الدستور الأردني، تنص فقرتها الأولى على أنه:
"لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها". وأوجبت الفقرة الثانية من المادة (128) المذكورة إلغاء أو تعديل جميع النصوص التي تتعارض (في موضوعنا) مع حكم الفقرة الأولى سابقة الذكر، خلال مدة حدها الأقصى ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ سريان النص الدستوري، أي من تاريخ 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2011.
يستمر العمل بهذه التشريعات، ويودع المزيد من أصحاب الرأي السجون، بسبب هذا التجريم
ثمة دول "شقيقة" جدا بدأت تدوس على مشاعر الأردنيين، والعرب والمسلمين، ويرتكب رعاياها أفعالا مخلة بالشرف والوطنية