الكتاب: الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في الدول العربية
الكاتب: جين هاريغان- ترجمة: أشرف سليمان
الناشر: عالم المعرفة- الكويت، العدد 465، تشرين أول (أكتوبر) 2018.
شكلت أزمة الغذاء العالمية في سنة 2008، زلزالاً اقتصاديا عالميًا، حيث اندلعت العديد من الانتفاضات الاجتماعية التي شهدتها الكرة الأرضية.. وسواء انطلقت من مسائل اجتماعية، إثنية أو لغوية، فإنّ النزاعات التي تنقسِم حولها المجتمعات البشرية ترتدي أشكالاً مختلفة حسب اختلاف البلدان. بيد أنّ العديد من الانتفاضات الشعبية يعود إلى أسباب يمكن تحديدها بوضوح.
فإلى جانب الثروات التي جلبتها العولمة الليبرالية، منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، وتوسّع الإقراض، حَلَّ الفقر ليهمّش أمماً وشعوباً بأكملها. وبسبب تأثيراتها المباشرة على حياة ووسائل عيش ملايين الأفراد، فإن الأزمة الغذائية العالمية قد ضاعفت من الشروخ الاجتماعية والسياسية أو الاقتصادية التي كان يمكن ملاحظتها سابقاً.
ففي ربيع 2008، انفجرت ثورات الجوع في بنغلاديش والكاميرون وساحل العاج ومصر والحبشة والهند وإندونيسيا والأردن والمغرب والسنغال. أكثر المواجهات رمزيّةً دارت في هايتي. ففي العاصمة "بورت أو برانس"، أدّى احتلال القصر الجمهوري من قبل آلاف المتظاهرين المطالبين بتوزيع المواد الغذائية، إلى تدخّل الجيش و"قوات الأمم المتحدة من أجل استقرار هايتي".
من 2007 إلى 2008، تضاعفت الأسعار الوسطيّة للمواد الغذائية في العالم أجمع، ما أدّى إلى تدهور مستوى المعيشة لمئات ملايين البشر، الذين باتوا يخصّصون بسبب فقرهم القسم الأكبر من مداخيلهم لتأمين الغذاء. وبحسب البنك الدولي، ارتكز هذا الارتفاع المشهود للأسعار على عاملَين: من جهة الارتفاع الكبير في سعر النفط والغاز الطبيعي المستخدمَين بشكل واسعٍ في النشاطات الزراعية وتصنيع الأسمدة الكيمائية؛ ومن جهة أخرى، الحصّة الكبيرة من الزراعات المخصّصة للوقود الحيويّ بدل الإنتاج الغذائي .
كتاب "الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في الدول العربية"، للخبيرة الدولية وأستاذة الاقتصاد السياسي في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، جامعة لندن، والتي تقلدت عدة مناصب في جامعة مانشستر، وعملت خبيرة اقتصادية في بعض المنظمات الدولية، ومنها على سبيل المثال منظمة الأغذية والزراعة وبنك التنمية الإفريقي، جين هاريغان، يقدّم لنا تحليلاً معمقًا لقضايا الغذاء في الدول العربية، واستخدام أدوات الاقتصاد السياسي لتاريخ الأمن الغذائي في المنطقة، ويلقي الضوء على العلاقات الجيوسياسية للغذاء في المنطقة العربية .
خلفية الكتاب
تقول الخبيرة الدولية في الاقتصاد جين هاريغان: "ظهرت منذ وقت قريب ثلاث ظواهر تمثل خلفية هذا الكتاب، وهي: أزمة الغذاء العالمية في 2007- 2008، والربيع العربي في 2010- 2011، وتنامي اقتناء الأراضي الأجنبية والتي تسمى أحياناً (الاستحواذ على الأراضي)، حيث تضطلع البلدان الغنية التي تعاني قلة الغذاء بإيجاد مصدر مباشر لسد احتياجاتها الغذائية، وذلك بالاستحواذ على أراض زراعية شاسعة. ويرى هذا الكتاب أن هذه الظواهر الثلاث ترتبط ارتباطاً وثيقاً فيما بينها، كما أنها جزء من اقتصاد سياسي جديد للأمن الغذائي".
شهد العامان 2007 ـ 2008 صدمة عالمية حرجة في أسعار الغذاء، وأصبحت تلك الأزمة جزءاً من الأزمة الثلاثية: أزمات الغذاء، والوقود، والمالية.
وتضيف الخبيرة: "في المنطقة العربية، والتي بموجبها عملت الدول العربية على استحداث منهج جديد للأمن الغذائي، والذي أطلقنا عليه "السيادة الغذائية الكلية (sovereignty macro food). وكما أشار زريق (zurayk, 2012,p.19)، فإنّ سياسة الغذاء وعلاقتها بالسلطة هي من الأهمية بمكان بالنسبة إلى المنطقة العربية، ولكنها لم تزل قيد الدراسة، ويأمل هذا الكتاب أن يقدم العون في سد هذه الفجوة من خلال تحليل الاقتصاد السياسي للأمن الغذائي وللسيادة الغذائية في العالم العربي"(ص 9- 10 من الكتاب).
لقد شهد العامان 2007 و2008 صدمة عالمية حرجة في أسعار الغذاء، وأصبحت تلك الأزمة جزءاً من الأزمة الثلاثية: أزمات الغذاء، والوقود، والمالية. وقد تصاعدت أسعار الغذاء المالية في العام 2007 والنصف الأول من العام 2008، وارتفع مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" FAO إلى ما يقرب من 50 في المائة بين العامين 2007 و2008، وقد ارتفعت أسعار القمح في جميع أنحاء العالم من آذار (مارس) 2007 إلى آذار (مارس) 2008 بمتوسط 130 في المائة، بينما بالنسبة إلى مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي، ارتفعت أسعار الرز، حيث تضاعفت ثلاث مرات تقريباً.
وقد انخفضت أسعار كل من الغذاء والطاقة والسلع الأساسية في أواخر العام 2008 بسبب ضعف الاقتصاد العالمي وبداية الأزمة المالية العالمية. ومع ذلك ضربت أزمة أسعار الغذاء الثانية أرجاء العالم في 2010- 2011. وبدأت أسعار الغذاء ارتفاعاً جديداً في حزيران (يونيو) 2010. وبحلول شباط (فبراير) 2011 سجل مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة ارتفاعاً بلغ مستويات قياسية، وفي غضون 12 شهرا تضاعفت تقريباً الأسعار العالمية للذرة والقمح.
وعلى الرغم من أن مستويات إنتاج الحبوب والمخزون -لاسيما في البلدان النامية- كانت أعلى في 2010- 2011 مما كانت عليه خلال فترة الأزمة في 2007- 2008، فإن معظم العوامل الهيكلية الكامنة خلف الأزمة السابقة لا تزال قائمة. وبالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ظهرت أيضاً مشكلة التقلبات السعرية للغذاء منذ 2007 في شكل هبوط وارتفاع حادين.
في تحليلها لأزمة الغذاء العالمية، ترى الخبيرة جين هاريغان، أنّ هناك مزيجًا "من العوامل الخاصة بكل من جانبي العرض والطلب في أزمة الغذاء. وتشمل عوامل الطلب الزيادة في الطلب على الغذاء، والتغير في النظام الغذائي في بلدان مثل الصين والهند، والطلب على الوقود الحيوي من المحاصيل، وشراء الغذاء بدافع الهلع وأنشطة المضاربة في الأسواق. في حين تتضمن عوامل جانب العرض ضعف أسواق الغذاء العالمية (أي نسبة ضئيلة من الإنتاج الذي يتداول)، وتراجع معدلات النمو في إنتاجية المحاصيل الغذائية، وانخفاض مستويات المخزون، والصدمات المناخية، وآثار تغير المناخ، وفرض حظر على الصادرات لكبار المصدرين"، (ص 11 من الكتاب).
الربيع العربي والسياسة الجديدة للغذاء
هناك علاقة جدلية بين الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على صعيد ارتفاع أسعار المواد الغذائية،خاصة القمح والرز، واندلاع أحداث الربيع العربي في العديد من البلدان العربية، حيث تُعَدُّ الدول العربية من أكثرالدول اعتماداً على الواردات الغذائية في العالم، فقد تضررت بشدة بسبب الزيادات في أسعار الغذاء العالمية. وعلى الرغم من محاولات الحكومات العربية التقليل من ارتفاع تكاليف الأغذية المستوردة، فإنها لم تتمكن من منع استيراد تضخم الأسعار. وقد ارتفعت أسعار الغذاء بدرجات متفاوتة، وارتفعت أيضا نفقات الحكومات لتأمين دعم الغذاء والتخفيف من حدة هذه الآثار. وقد أدى ذلك إلى خلق صعوبات اقتصادية واجتماعية في العديد من البلدان في المنطقة، لاسيما البلدان العربية فقيرة الموارد، كما ازداد العجز التجاري والمالي، فضلا عن زيادة التضخم، وبرز الفقر والمشاكل التغذوية، فقد وجدت الأسر في كل من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة صعوبةً متزايدة في الحصول على الغذاء .
هناك علاقة جدلية بين الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على صعيد ارتفاع أسعار المواد الغذائية،خاصة القمح والرز، واندلاع أحداث الربيع العربي
وتذهب الخبيرة الاقتصادية الدولية جين هاريغان في تحليلها إلى القول: "إن الزيادات في أسعار الغذاء كانت حافزا مُهمًا في أحداث الربيع العربي. و"الربيع العربي" هو مصطلح إعلامي يشير إلى الموجة الثورية من المظاهرات والاحتجاجات (العنيفة وغير العنيفة)، وأعمال الشغب، والحروب الأهلية في العالم العربي التي بدأت في 17 كانون أول (ديسمبر) 2010. وحتى الآن أُقصِيَ الحكام عن السلطة في تونس ومصر (مرتين)، وليبيا واليمن، في حين اندلعت الانتفاضات المدنية في سوريا، كما اندلعت احتجاجات كبرى في الجزائر والعراق والأردن والمغرب والسودان، وحدثت احتجاجات طفيفة في موريتانيا وجيبوتي والصحراء الغربية، وَوُصِفَتْ الاشتباكات الطائفية في لبنان بأنّها امتداد لأحداث العنف من الانتفاضة السورية، ومن ثم كان الربيع العربي الإقليمي"، (ص 17 من الكتاب).
وعلى الرغم من أنّ الربيع العربي كان ـ أولاً وقبل كل شيء ـ حركة سياسية للتخلص من الأنظمة القمعية غير الديمقراطية، فقد كانت لها أسس اجتماعية واقتصادية مهمة تمثلت في شكل تضخم أسعار الغذاء، فضلاً عن ارتفاع مستويات البطالة وزيادة أوجه عدم المساواة. وكان هناك أثر لأزمة الغذاء العالمية على العالم العربي، عالجتها الخبيرة الدولية في الفصلين الرابع والخامس من الكتاب.
نحو استراتيجية إقليمية لتحقيق الأمن الغذائي العربي
يُعَدُّ مفهوم الأمن الغذائي مفهوما متعدد الأبعاد، والحجة الأساسية لهذا الكتاب هي أنه، على هذا النحو، لا يمكن النظر إليه من منظور اقتصادي فقط. ولا يمكن تحقيقه من خلال سياسة واحدة أو استراتيجية واحدة فقط. ويرتبط تحقيق الأمن الغذائي ـ في الحقيقة ـ ارتباطا وثيقا باستراتيجية التنمية الشاملة للبلدان العربية وكذلك بهياكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وكما يتبين من تحليل العوامل الجيوسياسية وكذلك أحداث الربيع العربي. فإن الاقتصاد السياسي للغذاء يمثل بعدًا بالغ الأهمية في الأمن الغذائي.
ولقد تعرضت الخبيرة الدولية جين هاريغان إلى أنّ أحد الأسباب التي جعلت الغذاء يؤدي دورا في الربيع العربي هو أن كثيرا من الدول العربية، على الرغم من أنها سجلت معدلات نمو اقتصادي سليمة، لم تؤمَن النمو الشامل المساند للفقراء، وبعبارة أخرى، فإن استراتيجيتهم الشاملة للتنمية كانت فاشلة .
غالباً ما يُنظر إلى الدول العربية على أنها واحدة من أكثر المناطق التي يُحتمل أن تعاني قصور الأمن الغذائي في العالم وتستند هذه النظرة إلى حقيقة أن المنطقة العربية تُعد أكثر مناطق العالم عجزاً في الغذاء، كما تشير إلى ذلك واردات الحبوب بوصفها نسبة من الاستهلاك. فمعظم البلدان العربية تستورد ما بين 25 و50 في المائة من احتياجاتها الغذائية، حيث يأتي نحو 35 في المائة من السعرات الحرارية اليومية في المنطقة من القمح وحده. وتتراوح نسبة واردات الحبوب في المنطقة من إجمالي الاستهلاك بين 40 و50 في المائة، وتصل في بعض البلدان، مثل العراق واليمن ولبنان وفلسطين إلى 70 في المائة. وتمثل الواردات الغذائية أكبر حصة من المنتجات المستوردة في المنطقة، وهي تقدر بما بين 11 و34 في المائة من إجمالي السلع المستوردة من قبل الدول العربية، حيث تبلغ فاتورة الواردات الغذائية الإقليمية نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي .
أحد الأسباب التي جعلت الغذاء يؤدي دورا في الربيع العربي هو أن كثيرا من الدول العربية، على الرغم من أنها سجلت معدلات نمو اقتصادي سليمة، لم تؤمَن النمو الشامل المساند للفقراء
تقول الخبيرة الدولية جين هاريغان: "تُعَدُّ البلدان العربية أكبر مستورد للحبوب نتيجة لاعتمادها على الواردات، وفي العام 2010، بلغ صافي واردات العالم العربي من الحبوب 66 مليون طن، مقارنة بـ 63 مليوناً في آسيا (بما في ذلك الصين) و53 مليوناً (من دون الصين) و26 مليونا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (أرقام تجارة الحبوب المتاحة في إحصاءات منظمة الزراعة. وفي العام 2010 وقعت كل من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر وليبيا والإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين ضمن أكبر 20 مستورداً للحبوب بالنسبة إلى الفرد في العالم، في حين أن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي أنتج فائضاً في الحبوب إلى حد ما على مدى الأعوام الأربعين الماضية" (ص 34 من الكتاب).
ويُعزى العجز الكبير في الغذاء في المنطقة العربية ـ الذي كشفته الزيادة السريعة في الواردات الغذائية خلال السنوات الأربعين الماضية ـ إلى توليفة من عوامل جانبي الطلب والعرض. ومن ناحية الطلب، فإنّ اللوم يقع على عاتق النمو السكاني، وقد شهدت البلدان العربية بعضاً من أسرع معدلات النمو السكاني في العالم خلال العقود الخمسة الماضية.
تقول الخبيرة الدولية جين هااريغان: "شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر نمو سكاني في العالم بين عامي 1961 و2002 (زيادة قدرها 2897 في المائة) ووقعت كل من الكويت والأردن والمملكة العربية السعودية ضمن أكثر 10 دول في النمو السكاني على مستوى العالم، فبين العامين 1960 و2006 ازداد عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقدر ثلاثة أضعاف، حيث ارتفع من 100 مليون إلى أكثر من 300 مليون نسمة، وارتفعت واردات الحبوب من 70 مليون طن إلى 96 مليون طن، وفيما يتعلق ببلدان المنطقة العربية، تراوح متوسط معدل النمو السكاني السنوي بين العامين 1980 و2002 بين حد منخفض في لبنان يبلغ 1.7 في المائة وحدٍ مرتفع" (ص 34 من الكتاب).
الحدّ من الفقر
يُعَدُّ الحدُّ من الفقر وتأمين الدخل من المتطلبات الرئيسة للأمن الغذائي. ولم يُترجم النمو الاقتصادي السريع في العالم العربي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى تخفيض أعداد الفقراء لثلاثة أسباب: استمرت البطالة في الارتفاع (الذي كان في جزء منه نتيجة لقوة العمل السريعة النمو)؛ وكان خلق فرص العمل يحدث إلى حد كبير في القطاع غير الرسمي ذي الأجور المنخفضة، وليس في القطاع الرسمي ذي الأجور المرتفعة؛ وضمن القطاع الحكومي الرسمي، انخفضت الأجور الحقيقية)؛ وبالتالي لم يكن النمو مؤازرا للفقراء ولا شاملا. بالإضافة إلى ذلك، تركز جزء كبير من النمو حول الخدمات النفطية والحكومية، مع القليل من التحول الهيكلي لاقتصادات المنطقة نحو التصنيع والخدمات غير الحكومية الموجهة نحو التصدير.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل، كانت حصة الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة عند 13.4 في المائة وانخفضت أو ظلت ثابتة على مدى العقود الماضية.
على الرغم من أنّ الربيع العربي كان ـ أولاً وقبل كل شيء ـ حركة سياسية للتخلص من الأنظمة القمعية غير الديمقراطية، فقد كانت لها أسس اجتماعية واقتصادية
وترى الخبيرة الدولية جين هاريغان أنّ المنعطف الحالي الذي "يُعَدُّ حصادًا لأزمة الغذاء العالمية والربيع العربي، يتيح فرصة لإعادة تقييم الأمن الغذائي ليس في العالم العربي فحسب، بل لاستراتيجيات النمو والتنمية في المنطقة أيضا. كما تدَعي المنظمات الدولية أن السياسات القديمة القائمة على الثروة النفطية، والتدخل الحكومي، والتصنيع البديل للاستيراد، وعمليات إعادة التوزيع غير الموجهة، يجب استبدالها بالتنويع الاقتصادي، وإتاحة دور أكبر للقطاع الخاص، وتركيز أكبر على النمو المساند للفقراء، بيد أنه من المشكوك فيه ما إذا كانت السياسات المتجذرة في النيوليبيرالية قادرة على توليد نوع من النمو الشامل المطلوب في المنطقة" (ص288 من الكتاب).
لتحقيق الأمن الغذائي، ثمة حاجة إلى متطلبات أكثر جذرية، من زيادة دخل الفقراء من خلال أصولهم، ورفع جودة هذه الأصول التي يحوزونها، وتحسين إنتاجيتها، وإعادة توزيع الأصول داخل اقتصاد الدولة على الفقراء. إن توفير التعليم اللائق للفقراء من أجل التوظيف، إلى جانب توفير الأراضي ورؤوس الأموال، مع عمق التركيز على المناطق الريفية، تُعد من المتطلبات الرئيسة للأصول، وسيتطلب النمو الحقيقي للأجور زيادة الصادرات كثيفة العمالة في الصناعات التحويلية والخدمات مع تحقيق عوائد إنتاجية. ولم تعمل البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل في المنطقة، باستثناء تونس، على تنويع صادراتها المصنّعة بشكل جوهري.