على مدى النصف الاول من العام 2019، شهد الأردن انفتاحا متسارعا على محيطة الإقليمي سواء تجاه بغداد وأنقرة أو الدوحة؛ إذ لا يكاد يمضي أسبوع دون أن نلمج تطورا جديدا في اتجاهات السياسة الخارجية الأردنية في تعاملها مع المحاور والمشاريع السياسية في الإقليم.
فعلى مدى الأسابيع الثلاثة الفائتة احتل ملف استعادة التمثيل الدبلوماسي الأردني ـ القطري موقع الصدارة؛ ولم يخلُ أسبوع من تناقل أنباء تطورات ملف تبادل السفراء بين عمّان والدوحة؛ وبمرور الأسابيع لم يعد الأمر يقتصر على تبادل السفراء والتعاون الاقتصادي بل وعلى التعاون العسكري وتبادل الزيارات بشكل يفوق ما كانت عليه الحال قبيل قطع العلاقات الدبلوماسية.
الحراك الأردني لم يقتصر على تركيا وقطر إذ حاز العراق على اهتمام كبير قل نظيره في المنطقة؛
فقائد سلاح الجوي الأردني السابق ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية الحالي يوسف الحنيطي التقى الثلاثاء الموافق 6 آب (أغسطس) الجاري قائد القوات الجوية
القطري سالم العقيل في عمّان عاكسا تطورا متسارعا في
العلاقات بين البلدين يتجاوز الجوانب الاقتصادية التي ترتكز على المساعدات الاقتصادية وفرص العمل للمواطنين الأردنيين في دولة قطر.
الحال ذاته في العلاقة التركية ـ الأردنية، فما أن استقبلت عمّان وزير الخارجية تشاويش أوغلو خلال الأسبوع الأخير من شهر تموز (يوليو) الفائت؛ وبرفقته وفد رفيع المستوى لم يعلن عنه حينها ضم وزير الدفاع خلوصي اكار ورئيس هيئة الأركان التركية المشتركة ومدير المخابرات التركي حتى استقبلت أنقرة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من جديد يوم الثلاثاء الموافق 6 آب (أغسطس) الحالي؛ لقاء تضمن تأكيدات على ضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية بين البلدين مؤكدا بذلك على مستوى العلاقات المتطورة والمتنامية.
العلاقات الأردنية ـ التركية لا تختلف عن نظيرتها القطرية في اتجاهاتها وسرعة تفاعلها؛ إذ لم يكد يخلو أسبوع من نشاط سياسي وتطور جديد في العلاقات بين البلدين عاكسا نزعة جديدة لدى عمّان لتوسيع مروحة علاقاتها والتحرر من المعيقات والقيود السياسية التي تقيد حركتها في مواجهة المشاريع المقلقة للمملكة كخطة الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير لفرض تصفية تنهي الحقوق الفلسطينية وتهدد الدولة الأردنية وجوديا في آن واحد.
عمان تتحرك بمرونة عالية على وقع هواجسها السياسية والاقتصادية مستثمرة في واقع متغير على صعيد التحالفات والمحاور
الحراك الأردني لم يقتصر على
تركيا وقطر إذ حاز العراق على اهتمام كبير قل نظيره في المنطقة؛ شمل أرفع المستويات وكافة الشرائح الاقتصادية والسياسية وعلى رأسها الملك عبد الله الثاني الذي زار بغداد؛ فالعراق من منظور أردني يمثل أحد أهم الروافع الاقتصادية بالنسبة للمملكة الأردنية فاتحا الباب بذلك لتعاون مصري أردني لتأمين خط التجارة التقليدي المار بالعقبة فقناة السويس.
عمان تتحرك بمرونة عالية على وقع هواجسها السياسية والاقتصادية مستثمرة في واقع متغير على صعيد التحالفات والمحاور التي تتخذ طابع السيولة وتميل إلى مزيد من التبخر في ظل الأزمات والصراعات المستجدة التي تهدد التحالفات التقليدية.
الدول المتزعمة للمحاور الكبرى المتصارعة في الإقليم لم تعد تبالي كثيرا أو تتشدد في مواقفها تجاه النشاط السياسي للدول المحيطة
فالنشاط السياسي الدبلوماسي للمملكة الأردنية تساوق مع الحراك والنشاط الإقليمي؛ حراك لا يقتصر على الأردن، فالإقليم يشهد تغيرات كبرى بدأت ملامحها تتضح في اليمن بإعلان أبو ظبي نيتها الانسحاب وإعادة الانتشار لقواتها؛ والأهم من ذلك وعلى خلاف المتوقع إعلان أبو ظبي عن اتفاقات مع طهران للأمن البحري متجاوزة التصعيد الكبير بين طهران وواشنطن والرياض لأنشاء قوة بحرية تشرف على أمن الممرات البحرية في الخليج العربي؛ نشاط أبو ظبي قابله انفتاح خجول ومضطرب للرياض مع أنقرة، فرغم التوتر الناشئ عن أزمة خاشقجي كسرت المكالمة الأخيرة بين الرئيس التركي أردوغان والملك سلمان بن عبد العزيز لتعزيته بوفاة شقيقة بندر بن عبد العزيز؛ كسرت شيئا من الجمود في العلاقات بين البلدين؛ ووفرت مساحة متاحة لتحرك سعودي مستقبلي في ضوء رفض مصر وأبو ظبي لمنطق التصعيد مع طهران، فالرياض وحيدة في مواجهة القوى الإقليمية الرئيسية إيران وتركيا وبدون شركائها؛ معنية أكثر مما سبق بخفض مستوى التوتر مع أنقرة والانفتاح عليها من جديد فرصة على الأرجح لن تفوتها الرياض.
التحالفات في المنطقة باتت أكثر سيولة ودخلت في حالة من التبخر في العديد من المواقع؛ السلوك الأردني السياسي الخارجي لا يعد شاذا بهذا المعنى أو مستهجنا في ظل هذه الظروف المتحولة؛ فالباب أصبح مفتوحا على مصراعيه للمملكة الأردنية لإعادة ترتيب علاقاتها مع دول الإقليم بما يتناسب ومصالحها؛ فالدول المتزعمة للمحاور الكبرى المتصارعة في الإقليم لم تعد تبالي كثيرا أو تتشدد في مواقفها تجاه النشاط السياسي للدول المحيطة والتي كان آخرها إعلان جزر المالديف نيتها استعادة علاقاتها مع دولة قطر؛ فآخر ما يقلق الرياض هذه الأيام خصمها اللدود الدوحة؛ ذلك أن مصدر قلقها هم الآن الأصدقاء والحلفاء.