وثقت العديد من المنظمات الحقوقية المهتمة بأوضاع المعتقلين بمصر، قيام سلطات الأمن المصرية باستخدام المختفين قسريا كرهائن يتم استخدامهم بين الحين والآخر للتغطية على العمليات التي يتم تنفيذها ضد قوات الجيش والشرطة أو الكنائس من فترة لأخرى.
ويؤكد التقرير السنوي لمركز الشهاب لحقوق الإنسان، بمناسبة اليوم العالمي للإخفاء القسري، أن الأمن المصري قام خلال العامين الماضيين بقتل 56 من المختفين قسريا، في اشتباكات وهمية، بخلاف 17 تم تصفيتهم مؤخرا بزعم مشاركتهم في التفجير الذي جرى بمحيط معهد الأورام مطلع آب/ أغسطس الجاري.
ويشير تقرير آخر لمنظمة السلام للحريات وحقوق الإنسان، إلى أن الفترة من بداية العام الجاري وحتى نهاية تموز/ يوليو الماضي شهدت 156 حالة إخفاء قسري ضد معارضين لنظام الانقلاب العسكري، وهو العدد الذي يضاف لأكثر من 6421 حالة، تم رصدها خلال الفترة من 14 آب/ أغسطس 2013 وحتى 2018.
شهادات مؤلمة
وفي حديثها لـ"عربي21"، تؤكد منار صبري، زوجة الشاب المعتقل محمود عبداللطيف، أن زوجها مختف منذ أكثر من 380 يوما، للمرة الثانية، حيث سبق اعتقاله في 2016، وظل مختفيا قسريا لمدة 50 يوما، ليظهر بعدها في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية 8150، وبعد 14 شهرا من بدء إجراءات محاكمته، حصل على البراءة بهذه القضية.
وتضيف زوجة عبد اللطيف "أنهما تزوجا بعد خروجه من السجن في المرة الأولي، وبعد 5 أشهر من الزواج، تلقت اتصالا من جيرانها وهي في زيارة لبيت أهلها، بأن الأمن اعتقل زوجها بعد أن اقتحموا البناية التي تسكن فيها".
وحسب منار صبري، فإن زوجها الذي يبلغ من العمر 24 عاما، معتقل منذ 11 آب/ أغسطس 2018، ولا تعرف عنه شيئا، رغم أنها خاطبت كل الجهات المعنية، مثل النائب العام ووزارة الداخلية ومجلس حقوق الإنسان، ولكن لم يبلغها أحد بأي معلومات تفيد بمكان وجوده أو حالته، وهل ما زال علي قيد الحياة أم قتل نتيجة التعذيب.
وفي شهادة خاصة لـ"عربي21"، يؤكد المعتقل السابق معاذ سلامة، أنه ظل رهن الإخفاء القسري 9 أشهر، حيث تم اعتقاله في آذار/ مارس 2016، وفي أيلول/ سبتمبر تم ترحيله لسجن ليمان طرة، وقد ظل طوال هذه الفترة بمقر أكاديمية الشرطة القديمة بالعباسية وسط القاهرة، حيث كان معتقلا في زنزانة تحت الأرض مع مئات آخرين.
ويوضح سلامة أن سبب اعتقاله كان تعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ضباط الأمن الوطني كانوا يريدون الحصول على اعترافات متعلقة بعمل المعارضين للسيسي في الداخل والخارج، ولأنه يجهل هذه المعلومات فقد تم تعذيبه بشكل لعدة أسابيع، حتى فوجئ في يوم بترحيله للنيابة، ووقتها عرف أنه لن يكون بعداد الموتى.
ويؤكد سلامة أنه التقى وسمع عن شباب موجودين في هذا المكان منذ فض اعتصام رابعة في 14 آب/ أغسطس 2013، وبعضهم كان يتم تصفيتهم في الاشتباكات الوهمية التي كانت تعلن عنها الداخلية، والبعض الآخر قتل نتيجة التعذيب.
استراتيجية أمنية
وحسب الباحث الحقوقي في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أحمد العطار، فإنه مع مطلع كل يوم يتم اكتشاف جانب جديد في معاناة المختفين قسريا بمصر، سواء من حيث الأرقام أو الحقائق والروايات التي عاشوها، حيث يتعامل النظام المصري مع الإخفاء القسري باعتباره أسلوبا واستراتيجية لبث الرعب والخوف في نفوس المعتقلين بإمكانية إخفائهم قسريا لفترات قد تستمر لسنوات، مثلما حدث مع الطبيب محمد السيد، الذي اعتقل في آب/ أغسطس 2013، من منزله وأمام أولاده وجيرانه، ورغم ذلك تنفى السلطات المصرية معرفتها بمكانه حتى الآن.
ويؤكد العطار لـ"عربي21"، أن الإخفاء القسري يصاحبه إجراءات تعذيب ممنهجة بمقرات سرية للأجهزة الأمنية، من أجل انتزاع اعترافات تؤدى في أوقات كثيرة إلى الحكم عليهم بالإعدام، كما حدث مع الشاب لطفى إبراهيم، الذى اختفى لشهرين تعرض فيهما للتعذيب، ويكون مصيره تنفيذ حكم الإعدام بحقه في كانون الثاني/ يناير 2018، نتيجة هذه الاعترافات.
ويضيف الحقوقي المصري: "الفترة الأخيرة شهدت استخدام المختفين قسريا في التصفيات الجسدية التي يعلن عنها الأمن المصري بعد أي عملية تشهدها مصر، وكانت الحالة الأبرز في ذلك المهندس محمد حمدان، الذى اعتقل في يناير 2016، من عمله وأمام زملائه، ولكن الداخلية المصرية أعلنت بعدها بأسبوعين أنه تم تصفيته خلال تبادل لإطلاق الرصاص بالصحراء".
رصيد للتصفيات
ويؤكد رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى المصري سابقا، عز الكومي، لـ"عربي21"، أن نظام الانقلاب العسكري بمصر يستخدم كل الوسائل القمعية لتثبيت أركانه، ومن هذه الوسائل الإخفاء القسري والتعذيب، وهو لا يفرق في ذلك بين الرجال أو النساء أو الطالبات، والفتيات والأطفال كذلك.
وبشير الكومي إلى أن خطورة الإخفاء القسري بمصر، أن النظام يعتبر المختفين قسريا رصيدا لديه للتصفيات الجسدية، كلما حدث إخفاق أمنى، أو جرت حادثة من الحوادث، يقوم بتصفية عدد منهم، ليظهر أنه مسيطر على الأوضاع، ثم يخرج بيان من الداخلية، بأنهم قتلوا نتيجة مقاومتهم للشرطة، وأنهم المتورطون في هذه العمليات، دون إجراء تحقيقات أو وجود أدلة حتى لو كانت شكلية.
ووفق الكومي، فإن النظام لم يعد مهتما باعتراض المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، لأنه يقوم بواجبه في حماية الصهاينة، مقابل غض الطرف عن كل جرائمه وانتهاكاته لحقوق الإنسان، ومن بينها الإخفاء القسري.
ما الذي يعرقل المحاسبة الدولية لمرتكبي مجزرة "رابعة"؟
حملة "دراجة لكل مواطن".. هل هي محاولة للتربح على حساب بسطاء مصر؟
مع وفاة حسين سالم.. لماذا أغلق السيسي ملف الأموال المهربة؟