لم يعد كثير من جماهير
المصريين اليوم في شك من أن
النظام الانقلابي الذي يحكمهم لا يراعي فيهم مصلحة أو منفعة تخصهم، بخاصة عموم
الفقراء الذين يزداد عددهم حينا بعد آخر، حتى ليكادون يكونون ثلثي عدد السكان، فلم
يكن كثير ممن "دخل عليهم" كلام
السيسي وخُدعوا به يتوقعون الحال والنتيجة
التي وصلوا إليها. وما سبق بالطبع لا ينفي وجود فئات من الشعب المصري ستظل تناصر
السيسي ما تردد نفس في صدرها، بخاصة من المنتفعين ومن لف لفهم ويدورون في مدارهم.
على أن ازدياد الوعي الشعبي، دفع منذ 20 من أيلول/
سبتمبر الماضي، إلى خروج المئات من المصريين معترضين على الأوضاع البالغة التردي
التي وجدوا أنفسهم فيها، ومثلتْ دعوة المقاول محمد علي لأكثرهم طوق التنفيس وملاذ
التخفيف عن النفس؛ رغم القهر والاعتقال والسجن والأحكام القاسية التي تقع على
أكتاف الأحرار والمتظاهرين.
ومع بوادر الحراك الأخير ازدادت آمال كثير من المصريين،
بخاصة السياسيون والإعلاميون المفترض أنهم مقاومون للسيسي. ومن هنا ازداد سقف
الطموح والأماني، حتى ظن هؤلاء أن الرجل سيتم الخلاص منه خلال أيلول/ سبتمبر
الماضي، وأن وزير الدفاع سيحل محله، وأن انقلابا على الانقلاب تم الإعداد له تحت
نيران هادئة، وأن طائرات كبار المسؤولين تبحث عن ملاذ آمن خارج البلاد، وهلم جرا.
ورفع مستوى الأماني بل الأحلام على النحو السابق من
المعتاد لا يجرّ على أحرار المصريين سوى الآلام النفسية الشديدة والإحباط، وهو أمر
تكرر بلا مبالغة لعشرات المرات خلال أكثر من سبع سنوات عجاف هي عمر الانقلاب، ومع
ذلك لم يستوعب كثير من المحسوبين على السياسة من مقاومي الانقلاب وكذلك من الإعلاميين؛
الدرس، وسقطوا في الفخ نفسه مجددا. ومن نافلة القول هنا بأن بعض الأخبار التي تسربت
خلال الفترة الماضية، بل خلال السنوات التي كونت عمر الانقلاب، عن اقتراب القضاء
على الانقلاب أو كونه يترنح؛ كانت أخبارا مخابراتية بامتياز، ومعلومات تم تسريبها
بدقة لا يتبين معها مصدر أو حقيقة، لشغل المقاومين وإهدار جهودهم ورفع مستوى
الأماني لديهم لأقصى قدر، ثم تركهم نهبا للشعور بالفشل وعدم القدرة على التغيير.
إن المشهد الذي يبدو اليوم واضحا متمايزا بأن الشأن
المصري لم يعد كما كان، وأن حراكا صار يتكون في رحم المعاناة وهو يبشر بتغيير ولو
محدود؛ يجعل قدرا من الحرية ينفذ إلى الساحة المصرية الحالكة الظلام؛ من قهر
وتغييب للحريات واعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، وأن الحالة الحالية من
المستحيل استمرارها، ولكن نتائج الحراك المنتظر ليست في إعادة 1.8 ملايين مصري إلى
بطاقات التموين، أو تخفيض في أسعار المحروقات، مع أهمية ذلك للفقراء والمعوزين
منهم، ولكن الآمال المعقودة على الحراك الشعبي أكبر بكثير من مجرد فتات تصل
للأفواه وإن كانت جائعة، أو وعود بانفراجة سرعان ما يتبين زيفها.
تتشكل انفراجة في رحم الغيب المصري لعلها تمثل ضوءا في
نهاية النفق للحالة التي تقبع عليها الأمة وتزداد بها سوءا، ولكن هذا الحراك يحتاج
لوقت حتى يتشكل. ولعل تغيرات إقليمية ودولية تعينه، ولكن من المهم أنه حتى يحدث
ذلك ويتمه الله تعالى ويوفق السائرين إليه؛ ألّا يتم التقليل من قيمة هذا الحراك
أو نتائجه المرجوة بعد حين، أيضا عدم رفع سقف الأماني والأحلام؛ لأن كلا الأمرين
يتبعه شعور جارف بعدم القدرة على التغيير؛ إن لم يكن المزيد من خداع النفس.