إيران ربما هي الدولة الإقليمية الأكثر اهتماما ومتابعة للعملية العسكرية التي بدأتها تركيا في شرق الفرات، الأربعاء الماضي، وبرز ذلك في جملة مواقف صدرت عنها سواء قبل العملية أو بعدها، حملت عنوانا رئيسيا وهو رفض العملية التركية والإعلان عن معارضتها لها. ولم تكتف السلطات الإيرانية بإصدار بيانات وتصريحات في هذا الشأن فحسب، وإنما أرفقتها أيضا بخطوة احتجاجية، تمثلت في إلغاء رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، زيارته المقررة إلى تركيا بدعوة نظيره التركي، مصطفى شنطوب للمشاركة في اجتماع برلماني في إسطنبول خلال الأيام المقبلة.
اتفاق سعودي ـ إيراني نادر
والمفارقة أن السعودية أيضا ضمت صوتها إلى إيران، لتتفق القوتان المتصارعتان في الموقف الرافض من العملية التركية في حدث نادر لم تشهده على الأقل السنوات الأخيرة، مما انسحب موقفهما الموحد إلى حلفائهما في المنطقة، ليرفضوا هم أيضا التحرك العسكري التركي. لكن اللغة والمفردات التي استخدمتها طهران في التعبير عن موقفها لم تكن حادة وشديدة اللهجة، على عكس الرياض والقاهرة، اللتين تحدثتا عن "العدوان التركي"، بينما إيران من جهة امتنعت عن هذه اللغة والتنديد بهذا الشكل، ومن جهة ثانية، أبدت نوعا من التفهم للموقف التركي من التطورات على حدودها الجنوبية، حيث قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأربعاء الماضي، ساعات قبل بدء العملية إن تركيا تواجه قلاقل على حدودها الجنوبية، ويحق لها أن ترفع تلك المخاوف، لكنه في الوقت نفسه، دعاها إلى "اختيار الطريقة الصحيحة" بدلا من العمليات العسكرية.
بيد أن إيران التي وجدت أنه لا يمكنها أن تمنع تركيا من تنفيذ هذه العملية، حاولت التعبير عن رفضها بشكل دبلوماسي هادئ، في محاولة لعدم الإضرار بالعلاقات بين البلدين في هذه الظروف الإقليمية الحساسة على ضوء التوترات المتصاعدة بين إيران وحلفائها وأمريكا وحلفائها، وخصوصا أن هذه العلاقات شهدت تحسنا كبيرا خلال السنوات الأخيرة.
المفارقة أن السعودية أيضا ضمت صوتها إلى إيران، لتتفق القوتان المتصارعتان في الموقف الرافض من العملية التركية في حدث نادر لم تشهده على الأقل السنوات الأخيرة،
حسابات طهران وأنقرة في سوريا
وفي هذا السياق، دعت طهران أكثر من مرة أنقرة إلى "احترام وحدة أراضي وسيادة سوريا" و"إنهاء الهجمات وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية فورا".
إلا أن هذا الرفض لم يكن فقط بدافع أن العملية تتم خارج دائرة التنسيق مع النظام السوري وما شابه ذلك، بل كان من ضمن الحسابات الإيرانية، أيضا على ما يبدو هو مراعاة الحساسية الكردية في المنطقة بما فيها داخل إيران تجاه الموضوع، وخصوصا على ضوء العلاقات الجيدة التي تربطها بجماعات وأحزاب كردية بارزة، والتي نسجتها إيران خلال العقود الماضية مع الأكراد في المنطقة باعتبار أنها الأرض الأم لهم، وذلك على الرغم من علاقات العداء بينها وبين المعارضة الكردية الإيرانية.
مع ذلك، فنجاح العملية التركية في إنهاء سيطرة القوى الكردية على شمال وشرق سوريا، هو أيضا مصلحة إيرانية، ليس فقط لأنه يحبط المشروع الكردي في سوريا من تشكيل دولة مستقلة، بل لأن ذلك من شأنه أن يمهّد الطريق لعودة قوات الحليف السوري إلى منطقة شمال سوريا وشرقها، التي لطالما سعت إلى ذلك، لكن التواجد الأمريكي في المنطقة حال دون ذلك.
نجاح العملية التركية في إنهاء سيطرة القوى الكردية على شمال وشرق سوريا، هو أيضا مصلحة إيرانية
مستقبل مصر في بيئة إقليمية متغيّرة
انتفاضة عراقية ضد سلطة ترهلت بالفساد ومرجعية شاخت بالرفاهية!