نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق توماس فريدمان، يقول فيه إن رهان ترامب الثلاثي هو انتصار لبوتين وخسارة للأكراد وشكوك لدى الحلفاء، واصفا رهان ترامب بأنه "عبقرية محضة".
ويشير فريدمان في مقدمة مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى خطاب ألقاه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أمام جلسة مشتركة للكونغرس، تحدث فيه حول مهمة السياسة الخارجية الأمريكية، قائلا: "في زاوية صغيرة من هذا البلد الشاسع، في نيفادا أو أيداهو أو الأماكن التي لم أذهب إليها أبدا، مع أنني رغبت في ذلك، هناك رجل يمارس حياته ويهتم بأموره ويقول لقادة البلد السياسيين: لماذا أنا، لماذا نحن ولماذا أمريكا؟ والجواب الوحيد هو لأن القدر وضعكم في هذا المكان من التاريخ، وفي هذه اللحظة من الزمن، والمهمة هي مهمتكم".
ويرى الكاتب أن بلير محق في رأيه عن الدور الذي وضعه القدر على أكتاف الأمريكيين، "إلا أنهم وبعد سنوات عدة باتوا مجهدين من هذا الدور، وأمريكا تحتاج لفترة راحة بعد عقود من سياسة (الاحتواء) للاتحاد السوفييتي، التي بنيت أثناء الحرب الباردة، تبعتها سياسة (التوسع) التي جاءت بعد سقوطه، وقامت على تكبير مساحة الديمقراطية في ضوء القوة التي لا تضاهى لأمريكا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة".
ويجد فريدمان في هذا السياق أن "ترامب ليس مخطئا في بحثه عن خروج وراحة من مشكلات العالم، لكن مهمة الرئيس هي موازنة الرغبة المفهومة للأمريكيين، الذين لم يعودوا يهتمون بالعبء أو يعارضون أي عدو للدفاع عن الحرية، مع حقيقة أن المصالح والقيم الأمريكية لا تزال تتطلب من الولايات المتحدة البقاء منخرطة في مشكلات العالم، وعليه عمل هذا بطريقة مستدامة، لكن المشاركة المستدامة تتطلب عمل ثلاثة أشياء: التمييز الجيد، والضغط على الحلفاء، وتوسيع مساحات اللياقة، وقد خرق ترامب هذه المبادئ كلها في سوريا".
ويلفت الكاتب إلى أنه "من ناحية فإن ترامب والجيش الأمريكي لم يستطيعا التفريق بين تنظيم الدولة في العراق وفرعه في سوريا؛ لأن ترامب والبنتاغون واصلوا الحرب على الإرهاب من خلال المقود الآلي، فكان من الأولى بعد ظهور تنظيم الدولة عام 2014 تولي مهمة القضاء عليه في العراق، حيث شعرت واشنطن بالذنب لأنها سحبت القوات الأمريكية من العراق قبل تحقيق الاستقرار فيه، وبسبب ذبح التنظيم للصحافيين الأمريكيين، لكنها بدلا من تنفيذ المهمة تركتها للجيش العراقي، الذي خاض المعارك بدعم من المستشارين العسكريين والغطاء الجوي".
ويقول فريدمان: "لم يؤد هذا النهج لهزيمة تنظيم الدولة فقط، لكنه أنتج نوعا من الآثار الإيجابية، حيث نظر العراقيون، سنة كانوا أم شيعة أو أكرادا، للحرب ضد تنظيم الدولة باعتبارها حرب تحرير، ومنحتهم بالتالي الكرامة التي سرقها منهم الغزو الأمريكي، وهذا كله لا يعني أن قرار الغزو كان صحيحا، إلا أن هزيمة الجهاديين أدت إلى نوع من المشاركة في السلطة".
وينوه الكاتب إلى أن "العراق لا يزال اليوم ديمقراطية هشة، ولديه تحديات اقتصادية وبطالة مرتفعة وفساد مستشر، لكنه (مختلف)، كما قالت ليندا روبنسون في مقال نشرته مجلة (فورين أفيرز)، لكن النجاح في العراق لا يعني سهولة تطبيقه في سوريا، فقد ظلت أمريكا تمارس الحرب ضد تنظيم الدولة من خلال المقود الآلي، ولهذا تحالفت مع أكراد سوريا للقيام بالمهمة كما فعلت مع الجيش العراقي، وهنا فشل الأمريكيون بالتعرف على الفرق بين الظرف العراقي والسوري، فالسياق الذي يتحرك فيه تنظيم الدولة في سوريا يختلف عنه في العراق".
ويفيد فريدمان بأنه "في سوريا كان تنظيم الدولة عدوا لتحالف معاد للديمقراطية، روسيا وشيعة إيران وحزب الله ونظام بشار الأسد، مقارنة مع أعدائه في العراق".
ويشير الكاتب إلى أنه تكهن في مقال له في عام 2017 أن طرد تنظيم الدولة من مناطقه في سوريا يعني تخفيف الضغط عن الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس وحزب الله، ما سيمنحهم الفرصة لتركيز جهودهم على التخلص مما تبقى من معارضة للنظام، وليس مشاركة السلطة، كما في العراق.
وتنقل الصحيفة عن أستاذ الاستراتيجيات في كلية البحرية للدراسات العليا في مونتيري، جون أركويلا، قوله: "كانت لدى تنظيم الدولة مشكلتان، العراق وسوريا، وليست مشكلة واحدة، وكان يجب التعامل معهما بطريقة مختلفة"، ويضيف أركويلا أنه بعدما تمت الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، كان النظام الذي سيخرج بعده إما ديمقراطية موازية لثقل إيران أو نظام تابع لها، أما في سوريا فـ"كان علينا حماية الأكراد" وإجبار الروس والإيرانيين وحزب الله والأسد على مواصلة المعركة ضد تنظيم الدولة هناك.
ويجد فريدمان أنه "لهذا فإن تحميل الأكراد مهمة القضاء على تنظيم الدولة كان يعد بمنزلة تخفيف الضغط عن الأسد وحلفائه الذين واصلوا حملتهم للقضاء على المعارضة المحلية للنظام، وقامت أمريكا بذلك كله -وهذا هو الجنون- مجانا، دون المطالبة بمنطقة حكم ذاتي للأكراد أو اتفاق مشاركة السلطة بينهم وبين السنة".
ويعرب الكاتب عن شعور بالرعب لما حل بالأكراد، مستدركا بأن "الأمريكيين ربما ورطوا بوتين في سوريا من خلال منحه النصر، وترك إيران تستخدم الأرض السورية منصة لضرب إسرائيل".
ويرى فريدمان أنه "حتى لو كان قرار الخروج من سوريا هو تعبير عن استراتيجية باردة، إلا أن الطريقة التي يدير فيها الرئيس الأمور مهمة، فالخروج دون تخطيط أو تنسيق مع الحلفاء، وترك الأكراد الذين خسروا 11 ألف رجل وامرأة في المعارك ضد تنظيم الدولة، يرسل الرسالة الآتية: (عليكم البدء في إعداد الخطط للعناية بأنفسكم لأنه لو قررت روسيا أو إيران أو الصين ممارسة البلطجة عليكم فلن تأتي أمريكا لنجدتكم إلا إذا دفعتم مقدما)".
ويعتقد الكاتب أنه "على المدى البعيد فإن هذه السياسة لن تجعل العالم مستقرا، أو ستكون غير مكلفة على السياسة الخارجية الأمريكية، وما يجعل أمريكا متميزة هي أنها تقيم تحالفات مع أطراف تشترك معها بالمصالح والقيم وتقوم بتحمل العبء معها وبأسعار مخفضة، أما الصين وروسيا فتتعاملان مع الدول مثل سوريا على أنها زبائن".
ويورد فريدمان نقلا عن مايكل ماندلباوم، وهو مؤلف كتاب "صعود وسقوط السلام على الأرض"، قوله: "عندما نسحب دعمنا عن حليف في مكان دون إنذار فإننا نعرض مصداقيتنا للخطر في كل مكان"، وأضاف أن هذا ليس نقاشا حول حروب دائمة سيئة مثل فيتنام، بل هو نقاش حول وقفها بطريقة لا تثير عصبية حلفائك، و"لو توصل الألمان واليابانيون إلى أن الضمانات الأمنية الأمريكية ليست فاعلة فإنهم قد يبحثون عن طرق للحصول على القنبلة النووية التي لا يريدونها، ولا نريد ملكيتهم لها".
ويعترف الكاتب في نهاية مقالته بأن الولايات المتحدة ليس لديها الصبر والطاقة والمعرفة لخلق الديمقراطية في الشرق الأوسط، و"ما عليها عمله ويجب أن تعمله هو تكبير مساحة اللياقة؛ أملا في تكبير جزرها لتزهر يوما الديمقراطية".
ويختم فريدمان مقاله بالقول إن "كردستان العراق ومناطق أكراد سوريا هما مناطق يجب تشجيعها، لكن ترامب أضعف منطقة الأكراد السوريين بخروجه منها".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
ديلي بيست: قوات أمريكية خاصة انسحبت إلى قاعدة التنف
NYT: هذا ما حققه تنظيم الدولة من انسحاب أمريكا من سوريا
NYT: كيف أدخل ترامب سياسة الشرق الأوسط حالة من الفوضى؟