صدر عن سلسلة "عالم المعرفة"، الكويت، النسخة العربية من كتاب "دولة الإرهاب، كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب؟" (ط1، 2018)، للكاتب والموسيقي الأمريكي توماس سواريز (Thomas Su?rez)، نقله إلى العربية محمد عصفور.
يقع الكتاب في 518 صفحة من القطع الصغيرة، ويتألف من مقدمة وملاحظات، وثلاثة أقسام، عبارة عن ثمانية فصول، وخاتمة.
يثبت سواريز في هذا الكتاب، أن الصراع الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين، ليس صراعا بين عدوين تاريخيين، كما يقال في العادة، بل هو، "قصة واحدة لحركة سياسية تعرف بالصهيونية وتصميمها على الاستيلاء على فلسطين كلها لكي يستوطن فيها شعب اليهود يقوم على فكرة الانتماء إلى دم واحد ـ إلى "جنس" واحد ـ وإن ما يقال عن التعقيدات الغيبية ليس سوى سلاح في هذه الحملة يهدف إلى التعمية على السبب الحقيقي للمأساة، وإلى تزييف التفسير المقدم للعجز عن وضع حد لها، وإلى اختطاف الديانة اليهودية والاضطهاد الذي تعرض له اليهود لمصلحة هذا الهدف، ولتقديم القصة الخرافية، وكأنها حقيقة للجماهير الغربية التي تدعم حكوماتها هذا الهدف" (ص 14).
القسم الأول: أراضي شعب آخر
ينقسم هذا القسم إلى ثلاثة فصول كما يلي:
الفصل الأول: الهيكل الثالث
.
يناقش المؤلف في هذا الفصل، الربط بين إنشاء إسرائيل الحديثة والكتاب المقدس، حيث يقول: "أصر زعماء الصهيونية الأوروبيون على أنهم لم يكونوا مستوطنين بل "عائدين" إلى فلسطين لإعادة تشكيل إسرائيل التوراتية" (ص 36)، فـ "الكتاب المقدس هو ما يعطينا الحق في الاستيلاء على فلسطين" وفقا لتعبير بن غوريون (ص 36).
و"بينما كان المستوطنون ينظرون إلى السماء لإثبات حقهم السماوي في العودة، انقلبوا إلى الأرض ليثبتوا صحة قصتهم التوراتية، وبلغ من شدة نجاعة التأثير الذي نتج من مزيج علم الآثار، بالوعد الرباني، واللاوعي الجماعي الغربي، والوراثة في خدمة الدولة التي قامت على الاستيطان أن إسرائيل عندما تصف موقعا أثريا بأنه "من مواقع التراث الوطني الإسرائيلي" (حتى لو كان خارج إسرائيل)؛ فإن المصطلح يفعل فعله السحري، وتغدو المخلفات القديمة جزءا من تاريخ الدولة، ويزور القادة الإسرائيليون هذه المواقع، ويتحدثون كأن هذه الحجارة توقظ فيهم ذكرى بعيدة، ونوعا من المعرفة الكامنة، كتلك التي يحس بها من يعود إلى بيت طفولته، وهو يزيل بيت العنكبوت عن ألبوم صور العائلة الباهتة" (ص 37).
بينما كان المستوطنون ينظرون إلى السماء لإثبات حقهم السماوي في العودة، انقلبوا إلى الأرض ليثبتوا صحة قصتهم التوراتية
يذكر المؤلف، محاولات هرتزل لشراء فلسطين بالقول: "حاول هرتزل شراء فلسطين من المحتلين العثمانيين لقاء سداد ديونهم الخارجية (1896). وعندما فشل في ذلك حاول الحصول عليها لقاء مساعدة ألمانيا لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط (1898). وقد فكر في إيجاد مواطئ قدم: انتقل إلى بريطانيا واقترح على وزير المستعمرات جوزيف شيمبرلين إنشاء مستوطنة صهيونية في قبرص، ولكن شيمبرلن اقترح أن يجرى ذلك في مكان آخر "لم يسكنه مستوطنون بيض بعد". كذلك فكر هرتزل في الأرجنتين وأوغندا تمهيدا لمشروعه ـ لكن أي أرض أخرى غير فلسطين لم تكن سوى ما دعاه بالاستعمار الثانوي الذي لن يجتذب سوى بضعة آلاف من العمال ولن يخدم أي هدف سياسي" (ص 50).
ويحدثنا المؤلف عن وعد بلفور (1917)، ويذهب إلى أن البريطاني صاغ "الوعد بالاستعانة ببعض زعماء الصهيونية، لاسيما اللورد روتشيلد وحاييم فايتسمان، وقد رفض كلاهما كلمة establishment (إقامة/ تأسيس) في عبارة "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي"، وأرادا أن يضعا محلها كلمة establishment – re (أي إعادة الإقامة والتأسيس) ذات الصبغة الخلاصية." (ص 51).
وبدءا من منتصف نيسان (إبريل) من العام 1918، بدأ الجنود اليهود يختلقون حوادث في مدينة القدس "يقصد منها استثارة أقسى ردود فعل من المسلمين"، وكان ذلك إشارة مبكرة لمحاولات الصهاينة استثارة ردود الفعل من قبل الفلسطينيين. وقد اتخذت هذه الأحداث شكلا متكررا، اضطر البريطانيون بسببها إلى منع هؤلاء الجنود اليهود (ولي المدنيين) من دخول المدينة القديمة في أيام العطل الدينية، فما كان من البعثة الصهيونية إلا أن اشتكت من الاضطهاد." (ص 55 ـ 56).
و"مع ازدياد المزايا التي تمتع بها اليهود، ازدادت حدة المقاومة الفلسطينية من مستوى الرجاء والاتصالات الديبلوماسية إلى الإضطرابات والمقاطعات، ووصلت في أواخر عقد العشرينيات إلى حد العنف، ووصل ذلك العنف إلى أشده في مذبحة سنة 1929 التي راح ضحيتها سبعة وستون يهوديا في مدينة الخليل، التي كانت شرارتها قد اندلعت بسبب إشاعة كاذبة. ولذا لم يعد في إمكان البريطانيين تجاهل أزمة الفلسطينيين" (ص 61).
ويشير المؤلف إلى اتفاقية هافارا للتسفير (1933) بين الصهاينة وألمانيا النازية، التي تنص على أن "اليهود الذين يغادرون ألمانيا إلى فلسطين، يمكنهم استعادة بعض أموالهم باستعمال تلك الأموال لشراء المصنوعات الألمانية التي يمكنهم بيعها بعد ذلك. وقد جربت هذه الفكرة لأول مرة في أيار (مايو) من العام 1933، أي بعد تولي هتلر منصب المستشار الألماني بأربعة أشهر على يد شركة صهيونية للحمضيات اسمها هانوتايا" (ص 62).
مع ازدياد المزايا التي تمتع بها اليهود ازدادت حدة المقاومة الفلسطينية من مستوى الرجاء والاتصالات الديبلوماسية إلى الاضطرابات والمقاطعات،
رفض الشعب الفلسطيني مقترحات التقسيم، واستمر التمرد الذي بدأ في سنة 1936 مع ازدياد الإرهاب الصهيوني، "وكان الرد البريطاني على الشغب الفلسطيني عقابا جماعيا على صعيد واسع، على الرغم من أن القرى الفلسطينية (على عكس المستوطنات الصهيونية) لم تكن تشارك في تنظيمات الإرهابيين أو تحميهم. (...) وجرى نسف مائة بيت من بيوت الناس الذين لا علاقة لهم بالثورة من دون تعويض في العام 1936. وعندما اغتال أحد الفلسطينيين مسؤولا بريطانيا في العام 1938 كان الرد البريطاني تسوية جزء كبير من البلدة التي أتى منها، وهي جنين بالأرض" (ص 65- 66).
ويقارن المؤلف بين طبيعة العمل الفلسطيني والصهيوني بالقول: "بينما كان الإرهابيون terrorists (!) الفلسطينيون مجموعات متفرقة من الفدائيين guerrillas يعملون في المناطق الريفية، فإن الإرهابيين الصهاينة كانوا مليشيات منظمة تعمل داخل المدن، وتتمتع بحماية السكان" (ص 66).
الفصل الثالث: بينما كانت الحرب تستعر: 1939 ـ 1944.
يؤرخ المؤلف لإرهاب المنظمات الصهيونية، حيث يقول: "أدى الخوف من انتصار النازيين إلى ممارسة منظمتي الأرغون والهاغانا الإرهاب في أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك لم يحظ بموافقة كل الأعضاء، فانشقت عنها مجموعة يقودها أفراهام شتيرن، وكانت عصابة شتيرن (وهو الاسم الذي عرفت به) أو ليهي (وهو الاسم الرسمي) أشد المنظمات الرئيسية الثلاثة تطرفا(...) وفي أواخر العام 1940، سعى شتيرن إلى إيجاد تحالف بين ليهي والنازيين" (ص 74).
وقد صيغ تفاهم ليهي مع الفاشيين الإيطاليين هذا في "اتفاقية القدس للعام 1940" واقترح فيها أن يساعد الفاشيون في هزيمة البريطانيين في فلسطين، ومن ثم "استعمال كل ما لديهم من قوة لإنهاء الشتات اليهودي" ـ أي أن يعمل الفاشيون على تدمير كل المجتمعات اليهودية غير الفلسطينية نيابة عن ليهي، ونقل سكانها بالقوة إلى المستعمرات الصهيونية" (ص 75).
ويعرض المؤلف ما تعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وترويع وذبح جراء التفجيرات المتكررة أو الهجمات بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية على المقاهي الفلسطينية وعلى "المارة العرضيين"، وعلى السيارات والحافلات الفلسطينية وقطارات الركاب، ودور الأيتام والمدارس والمتاجر والأسواق والأحياء العربية (ص 77- 84).
وبحسب المؤلف، "ظلت منظمة الأرغون بخاصة، هي "المسؤولة عن المذابح العشوائية الناتجة عن زرع القنابل في الأماكن التي يرتادها العرب، وعن قطع طرق العرب وقتلهم" (ص 84).
يشير المؤلف إلى إنشاء الوكالة اليهودية فرقا للرحالة، للحصول على "معلومات دقيقة وشاملة عن المناطق العربية" (ص 92). "كانت الصور التي يلتقطها "المتجولون" تعالج في مختبر للصور يعمل في الظاهر على أنه شركة ري، أما رسم الخرائط، فكان يقوده شخص تابع للجامعة العبرية يعمل في مجال الطوبوغرافية، وعمل أيضا رسام خرائط للبريطانيين. وتضمنت المعلومات التي جمعوها طوبوغرافية كل قرية، وطرق الوصول إليها، وميزات أراضيها، وينابيعها، ومصدر دخلها الرئيسي، وتركيبتها الاجتماعية السياسية، وانتماءها الديني، وأسماء زعمائها، وأعمار أفرادها، ودرجة عدائها للمشروع الصهيوني ـ كل ما كانت تدعو إليه الحاجة لمعرفة "أفضل الطرق لمهاجمة" القرى وفقاً لكلمات أحد "الجوالة". وتوسعت التفاصيل لتشمل الفلاحة والزراعة وعدد الأشجار، ونوعيه بساتين الفاكهة، ومعدل الأرض للعائلة الواحدة، وعدد السيارات، وأسماء مالكي الدكاكين، والعاملين في الورش، وأسماء أصحاب المهن والمهارات التي يتقنونها. وعندما حل العام 1948 كانت لدى الجيوش الصهيونية صور وخرائط وخطط وإحصاءات دقيقة عن القرى والقرويين المراد محوها ومحوهم" (ص 107).
كاتب وباحث فلسطيني
ما الذي يعنيه أن تكون يهوديا في إسرائيل؟
الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط يعيد تشكيل المنطقة
جدل جورج لوكاش وبرتولت بريشت حول أشكال "الواقعية الاجتماعية"