تتسارع الأحداث في
اليمن وتتوالد
الاتفاقيات بين حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي وأطراف أخرى مناهضة لها، أخرها،
اتفاق الرياض الذي وقعته قبل اسبوعين مع الانفصاليين المدعومين من الإمارات، ما
أثار أسئلة عدة حول مصير المرجعيات الثلاث الذي ما فتأت الشرعية من إشهارها بين
الفينة والأخرى عند كل حدث عاصف، وكيف ستؤثر الاتفاقيات الأخرى عليها؟
وتتمسك الحكومة المُعترف بها دوليا،
بـ"المبادرة الخليجية (قدمتها دول الخليج في العام 2011)، ومخرجات مؤتمر
الحوار الوطني (انعقد بين عامي 2013 و2014)، وقرارات مجلس الأمن وتحديدا القرار
2216 المقر في نيسان/ إبريل 2015، والتي تشكل إطارا وخارطة للحل في البلاد، إلى
جانب دعم سلطتها الشرعية، إلا أنها لم تنجح في الاستفادة منها وتم نسفها أكثر من
مرة، وفقا لمراقبين.
"تجاوزها الزمن"
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، عبدالناصر
المودع، أن الحديث عن المرجعيات الثلاث هو" في الأساس حديث سياسي، وليس
قانوني".
وقال إن المبادرة الخليجية لم يعد لها من
وجود بعد أن تم نسف الأسس والمبادئ التي قامت عليها، وأهمها الرئيس التوافقي الذي
لم يلتزم به عبدربه منصور، والمشاركة السياسية التي انتهت عمليا بعد استقالة حكومة
باسندوة، مؤكدا أن المبادرة الخليجية تجاوزها الزمن.
وأشار المودع، في حديث خاص
لـ"عربي21"، إلى أن "الحال ذاته مع مخرجات الحوار، والتي تم سلقها
في ظروف سياسية لم يعد لها وجود، ونفس الأمر ينطبق على قرار مجلس الأمن".
وبحسب السياسي اليمني، فإن تمسك هادي
وسلطته بالمرجعيات بغرض الادعاء بوجود شرعية لحكمه، وهي شرعية لم يعد لها وجود
خارج الدعم السعودي، مضيفا أنه "في حالات الحروب تفرض نهاياتها مرجعيات
جديدة، إلا في حال فرض طرف على آخر مرجعياته بالقوة".
وأوضح الكاتب المودع أن اتفاق الرياض قام
على أسس غير صحيحة قانونيا وسياسيا، ولن تطبق بنوده بالشكل الذي تم رسمه في
الاتفاق.
وأردف: "الاتفاق ليس إلا محطة سيئة من الإدارة السعودية الفاشلة
للملف اليمني، وسينتج عنه وضع مسخ من: سلطة رسمية وانفصالية، ووصاية سعودية".
وشدّد على أن "اتفاق الرياض لن ينتج
عنه لا حكومة للجمهورية اليمنية، ولا سلطة للانفصاليين، ولا سلطة وصاية سعودية،
وإنما أوضاع جزئية من تلك السلطات".
"في خبر كان"
الصحفي والناشط اليمني محمد الأحمدي، قال إن
مرجعيات الحل الثلاث بشأن اليمن صارت جميعها في خبر كان، ولم تعد سوى مجرد ديباجة
للقرارات والبيانات الأممية والمواقف الدبلوماسية.
وأضاف، في حديث خاص لـ"عربي21"،
أن "ثمة فشل دولي جماعي لجهة الوفاء بالالتزام الأخلاقي والسياسي تجاه الشعب
اليمني".
فيما ساهم المحيط الإقليمي، وفقا للأحمدي،
في "استدراج الحكومة الشرعية في متاهات التنازلات من مربع إلى آخر وصولا إلى
الانقضاض عليها في العاصمة المؤقتة عدن، والإجهاز على ما تبقى من عناصر القوة،
وشرعنة التمرد باتفاق الرياض".
وحسب الصحفي اليمني، فإن "اتفاق
الرياض مجرد عملية تجميلية مكشوفة لسلوك التحالف السعودي الإماراتي الغادر في
اليمن، ومحاولة إنقاذ لصورته أمام المجتمع الدولي".
وتابع: "لم يعد الاتفاق ذا قيمة
بالنسبة للرياض بعد الآن، ولن تكون السعودية أحرص عليه من المبادرة الخليجية التي
كانت أكثر أهمية منه، وكانت السعودية نفسها أول المنقلبين عليها حين دعمت صالح
والحوثيين في الانقلاب الأول"، وفق تعبيره.
"مجرد ذكريات
قديمة"
من جهته، قالرئيس مركز يمنيون للدراسات، فيصل
علي، إن "المرجعيات الثلاث باتت في ظل تراخي الشرعية وعدم وجود قيادة وطنية
حقة من مخلفات الماضي ومجرد ذكريات قديمة".
وأعتبر، في حديث خاص لـ"عربي21"،
أن أولى هذه المرجعيات، والتي عرفت بالمبادرة الخليجية كانت مجرد فخ لكبح جماح
الثورة اليمنية في 2011.
وتابع: "كذلك مخرجات الحوار الوطني
التي ربما كانت في وقت ما نتيجة لحراك سياسي برعاية الأمم المتحدة، وهي لم تحظ
بالإجماع كما تحب الشرعية تزييف الوعي، ربما اتفق عليها من كانت الأمم المتحدة
تمنحهم مصروف يومي من أعضاء مؤتمر الحوار، وهم من أعضاء القوى السياسية ومن خارج
هذه القوى من المنظمات الوهمية التي تحب الأمم المتحدة أن تزين بهم حضورها"،
وفقا لعلي.
واستطرد قائلا: "مخرجات الحوار كانت
بالأمس موضوعية إلى حد ما، كالفيدرالية، لكنها اليوم غير موضوعية بالمطلق"،
مشيرا إلى أنه بالأمس "كانت هناك مؤسسات الدولة والجيش وأحزاب سياسية، اليوم
لا يوجد سوى مليشيات وأحزاب من ورق وتدخلات اجنبية وانقلاب في صنعاء وأخر في عدن،
بمعني أن الفيدرالية صارت مستحيلة، بدون وجود دولة قوية لا بمكن إيجاد فيدرالية".
أما قرارت مجلس الأمن، وعلي رأسها القرار
2216، فقد أوضح رئيس مركز يمنيون للدراسات أن "الشرعية الرخوة والتحالف الهش
أضاعته، ولم يستفيدوا من القرار، حيث كانت معظم دول العالم مع الشرعية والتحالف"،
موضحا أنهم "لم يحسنوا الاستفادة وحسم المعارك وتحرير العاصمة صنعاء، والعالم
لم ولن ينتظرهم، ولذا تحولت المرجعيات إلى مجرد ذكريات وحبر على ورق".
ولفت علي إلى أن "اتفاق الرياض وجد
لتشريع انقلاب الإمارات في عدن، وهو نسخة مكررة من اتفاق السلم والشراكة في صنعاء،
مثلما تم التشريع لانقلاب صنعاء تم التشريع لانقلاب عدن".
ولم يستبعد أن يكون "مصير هذا
الاتفاق هو الفشل، معللا ذلك بأن مدخلاته سيئة، ولن تنتج مخرجات حسنة، فاستبدال
قوة خارجية بأخرى، حيث تغادر أبو ظبي لتأتي الرياض خلفا لها لا يعني أن الأوضاع
ستتحسن".
وأردف: "لا الرياض اليوم ولا أبوظبي
تستطيعان توقع النتائج لتدخلهما في اليمن"، مشددا على أنها "لن تنعكس
الحال السيئة على اليمن كما يريد التحالف، بل سيتم توسيع الفجوة إلى كل الخليج،
ومن يسعون لتقسيم اليمن سيقسمون دولهم بكل سهولة، هم يصنعون نموذج سيء فيها
وسينعكس ما هو أسوأ منه على بلدانهم".
وحذّر من تشكل "خارطة الهلال الشيعي
في كل الضفة العربية من الخليج، وهكذا تحدثت خرائط نشرت منذ فترة".
وبيّن السياسي اليمني أن "الشرعية
اليمنية ممثلة بهادي والأحزاب الداعمة له صارت مشكلة سيتم تصفيتها والتخلص منها،
وهناك تلوح في الأفق اتفاقية قادمة بين الرياض والحوثي".
وبحسب المتحدث ذاته، فإن "تصفية
الشرعية ربما تكون الثمن المناسب، وربما تمنح الشرعية وقيادات تلك الأحزاب إقامة
دائمة في حي بالرياض كما منحت في الستينات من القرن الماضي نفس الإقامة للبدر (أخر
حكام من اسرة حميدالدين1962) وبقايا الملكيين"، موضحا أن "أحياء وحواري
الرياض تتسع لمثل هذه الحالات التي لم تقرأ التاريخ فأعدته بنفسها".