بعد ليلة صاخبة شهدت وقوع إصابات وجرحى تجاوز عددهم نحو الـ66 إصابة، تنفست العاصمة بيروت الهدوء النسبي، الثلاثاء، مع استمرار غليان وترقب الشارع لملف المشاورات النيابية وسط انقسام حاد بين القوى السياسية على طبيعة وزراء وشخص رئيس الحكومة المرتقب .
وشهدت ليلة أمس الاثنين اشتباكات بين متظاهرين مع بعضهم من جهة، ومتظاهرين وقوات الجيش وقوى مكافحة الشغب من جهة أخرى، نجم عنها بحسب أرقام الدفاع المدني وقوع تسع إصابات بصفوف الجيش.
وفي بيانه الرسمي قال الجيش اللبناني، إن أعمال شغب وقعت في بيروت، تخللها اعتداء على الأملاك الخاصة والعامة ورمي المفرقعات باتجاه قوى الأمن الداخلي، ما تطلب تقديم مؤازرة من قبل وحدات من الجيش.
وكانت العاصمة بيروت شهدت مناوشات بين المتظاهرين وقوى الأمن على مدار اليومين الماضيين، ازدادت حدتها في محيط مجلس النواب، بعد أن حاول عدد من المحتجين الدخول إلى ساحة المجلس.
وظهرت مجموعات ملثمة في العاصمة اللبنانية محسوبة على حركة أمل وحزب الله وأنصارهما بقوى 8 آذار، اعتدت على المتظاهرين وقوى الأمن وكانت تطلق شعارات "طائفية" وسط اتهامات لعدد من الأحزاب اللبنانية بإشعال الساحة قبيل الاستشارات النيابية.
وكان التوتر وأحداث العنف بدأا بعد انتشار فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي لأحد الشباب وهو يسيء إلى قيادات سياسية ومقامات دينية شيعية، بحسب مراسل الأناضول".
وعلى إثر ذلك، تحرك العشرات من الشبان الموالين لـ"حركة أمل" و"حزب الله" من عدد من المناطق، وتوجهوا على متن دراجات نارية نحو ساحتي رياض الصلح والشهداء، وسط بيروت؛ حيث أطلقوا شعارات مذهبية، واشتبكوا بالحجارة والمفرقعات مع القوى الأمنية المكلفة بحماية المتظاهرين وخيم الاعتصام.
اقرأ أيضا : "تيار باسيل": المشاركة بالحكومة الجديدة ليس هدفنا الأول
وعلى مدار ساعات من الاشتباكات، أقدم أنصار "حركة أمل" و"حزب الله" على إحراق وتحطيم بعض خيام الاعتصام في ساحة الشهداء، وعمدوا إلى إحراق إحدى السيارات المركونة في المكان، وعلى رمي الحجارة، وسط انتشار كثيف لعناصر القوى الأمنية التي أطلقت قنابل مسيلة للدموع لتفريقهم.
وفي مسعى لمنع فتنة قد تتوسع إلى ما هو أخطر، صدرت تنديدات بالجملة على لسان رجال دين في لبنان، ونزل بعضهم إلى الشارع لضبط العناصر المتفلتة، وإقناعهم بأن الشاب الذي ظهر في الفيديو وتسريب هذا المقطع يهدفان إلى إشعال فتنة طائفية لا أكثر، كما أن كلامه لا يمثل أي طائفة، ولا أحد يقبل بمثل هذا الكلام.
على النحو ذاته، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة من ظهر في الفيديو المسيء، وقالوا إنه يعيش خارج لبنان، وأن الفيديو قديم، وقد تم تسريبه من بعض الجهات لافتعال توتر في الشارع، وأرفق الناشطون صورة صاحب الفيديو ومعها تعليق "ما بمثل حدا" (لا يمثل أي أحد).
ومع ساعات الفجر الأولى تراجعت حدة المواجهات مع مغادرة الشبان الغاضبين تدريجيا للمكان، وسط انتشار القوى الأمنية على كلّ المفارق المؤدية إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء.
ولاحقا، أعلنت المديرية العامة للدفاع المدني، فجر اليوم الثلاثاء، عودة الهدوء إلى وسط بيروت.
وقالت، عبر حسابها على "تويتر"، إن حصيلة الاشتباكات بلغت 66 مصابا؛ حيث عمل عناصرها على معالجة وتضميد إصابات 43 مواطنا ونقل 23 جريحا إلى مستشفيات المنطقة للمعالجة".
وهذه ثالث ليلة عنيفة على التوالي تشهد محاولات من أنصار "حركة أمل" و"حزب الله" الاعتداء على المتظاهرين وسط بيروت.
ويأتي ذلك مع تواصل الاحتجاجات في بيروت ومدن لبنانية أخرى منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على وقع أوضاع اقتصادية متدهورة، واتهامات للنخبة السياسية بـ"الفساد" و"سوء الإدارة".
اقرأ أيضا : البايس : انسداد الحلول يتزايد بلبنان والتضخم يأكل الاقتصاد
في الشق السياسي أصدرت الرئاسة اللبنانية بيانا ردت فيه بشكل غير مباشر على حديث رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، حول تخوفه من وقوع "خروقات دستورية" خلال عملية الاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد.
وقال الحريري في بيانه: "في إطار الاتصالات السياسية قبل موعد الاستشارات النيابية الذي كان محددا الاثنين، اتضح أن كتلة التيار الوطني الحر كانت بصدد إيداع أصواتها فخامة رئيس الجمهورية ليتصرف بها كما يشاء".
وأضاف رئيس حكومة تصريف الأعمال قائلا: "وهذه مناسبة للتنبيه من تكرار الخرق الدستوري الذي سبق أن واجهه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في عهد الرئيس إميل لحود، وللتأكيد أن الرئيس الحريري لا يمكن أن يغطي مثل هذه المخالفة الدستورية الجسيمة أيا كانت وجهة استعمالها، في تسمية أي رئيس مكلف".
من جانبها، أصدرت الرئاسة اللبنانية بيانا قالت فيها: "الرئيس عون حريص على الدستور ولا يحتاج إلى دروس من أحد والتذرع بإيداعه أصواتا نيابية لتمني تأجيل الاستشارات محاولة مكشوفة للتبرير وتجاهل أسباب أخرى".
وجاء أيضا في بيان الرئاسة: "الحديث عن "خرق دستوري" مردود لمطلقيه الذين كان يجدر بهم معرفة القواعد الدستورية والإقلاع عن الممارسات التي تتناقض ونص الدستور وروحه".
من جانبه أوضح بيان مكتب الحريري بقية الأسباب التي أدت إلى تأجيل الاستشارات النيابية حتى الخميس قائلا: "وفي إطار الاتصالات نفسها، تبلغ الرئيس الحريري فجر اليوم بقرار حزب القوات اللبنانية الامتناع عن التسمية أو المشاركة في تسمية أحد في الاستشارات النيابية التي كانت مقررة اليوم".
وتابع رئيس الوزراء اللبناني السابق قائلا: "الأمر الذي كان من شأنه أن ينتج تسمية من دون مشاركة أي كتلة مسيحية وازنة فيها، خلافا لحرص الرئيس الحريري الدائم على مقتضيات الوفاق الوطني".
وأشار الحريري إلى أنه تواصل مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وطلبا من عون تأجيل الاستشارات النيابية أياما أخرى لتفادي حدوث مشاكل "دستورية ووطنية" إلى جانب الأزمات التي تمر بها البلاد.
يذكر أن وكالة الأنباء اللبنانية كانت قد قالت إن الرئيس اللبناني قرر تأجيل المشاورات النيابية حول تشكيل الحكومة والتي كانت مقررة في 16 ديسمبر كانون الأول، إلى الخميس 19 ديسمبر كانون الأول الجاري بناء على طلب من الحريري.
ويطالب المحتجون بحكومة تكنوقراط قادرة على معالجة الوضعين السياسي والاقتصادي، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
بينما ترغب أطراف أخرى، بينها الرئيس عون والتيار الوطني الحر و"حزب الله" وحركة "أمل" في تشكيل حكومة هجين من سياسيين واختصاصيين.
هل أسقطت الرياض وواشنطن فعليا ورقة دعم الحريري بلبنان؟
هل تحترق ورقة المرشح القوي لتشكيل حكومة لبنان ؟ (شاهد)
"سمير الخطيب" المرشح المحتمل لرئاسة حكومة لبنان (إنفوغراف)