لا يختلف اثنان على أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 2002، والذي تغلب على تحديات كثيرة على مدى أعوام حكمه، يواجه اليوم تحدياً مختلفاً عن كل ما سبق. ذلك أن تأسيس أحزاب جديدة ترأسها وتشارك بها قيادات سابقة فيه أمر محتمل التأثير في وحدة الحزب وتماسكه من جهة، وفي قاعدته الجماهيرية من جهة أخرى.
لا شك في أن العدالة والتنمية سيبقى الأقوى على الساحة التركية حتى بعد تأسيس هذه الأحزاب، في ظل وجود أردوغان على رأسه، لكن تلك الأحزاب مرشحة للسحب من رصيده الجماهيري والانتخابي بنسبة قد تقل أو تكثر، بسبب الخلفية المشتركة معه والسير الذاتية الناجحة لقياداتها، إضافة لمنحى التراجع النسبي لحزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة.
ولعل تأسيس هذه الأحزاب "الشبيهة" نوعاً ما بالحزب الحاكم قد يسرّع عملية تراجع الأخير شعبياً وجماهيرياً، خصوصاً إذا لم ينجح في إقناع الناخبين بصدقية تجاوبه مع رسائلهم في صناديق الانتخابات وتقديم رسالة تغيير وتطوير حقيقية.
بهذا المعنى، تكون الأحزاب الجديدة: حزب المستقبل الذي يرأسه أحمد داود أوغلو والحزب الذي يُنتظر أن يعلنه علي باباجان، وربما غيرهما، من العوامل التي تساهم في إضعاف العدالة والتنمية، دون أن تضمن أن تحكم هي بسب حضورها المتواضع حالياً لأسباب عديدة، ما يُحتمل أن يصب في مصلحة المعارضة. ذلك أن الأخيرة قد وحدت جهودها مؤخراً في تحالف "الأمة" أو "الشعب"، بينما انقسم في الجهة المقابلة حزب الحركة القومية، حليف العدالة والتنمية، واليوم تساهم الأحزاب الجديدة في تقسيم الكتلة الجماهيرية التي تقف خلف الأخير.
المعارضة قد وحدت جهودها مؤخراً في تحالف "الأمة" أو "الشعب"، بينما انقسم في الجهة المقابلة حزب الحركة القومية، حليف العدالة والتنمية، واليوم تساهم الأحزاب الجديدة في تقسيم الكتلة الجماهيرية التي تقف خلف الأخير
هذا التقييم أو التخوف لا يخلو من مبالغة من باب الحرص أو كونه نظرة من زاوية واحدة، حيث يتجاهل سياقات إيجابية محتملة قد تساهم بها تلك الأحزاب، على صعيد تركيا والحياة السياسية
ليس من المقطوع به أن الأحزاب الجديدة ستكون في صف المعارضة، فالتحالفات الانتخابية في البلاد في حالة دينامية متبدلة دائماً وفق معطيات كل منافسة انتخابية على حدة
رابعاً، حتى لو انضمت الأحزاب الجديدة لتحالف المعارضة أو شكلت تياراً معارضاً لوحدها، ستكون لها مواقف داعمة للرئاسة والحزب الحاكم فيما يتعلق بالقضايا الكبرى ومصلحة البلاد والأمن القومي تحديداً، وهو ما حصل مع الحزب الجيد المنشق عن الحركة القومية مثلاً.
خامساً، إذا ما قدر لهذه الأحزاب دخول البرلمان (وهو احتمال كبير في ظل قانون التحالفات الانتخابية) فسيكون ذلك إثراءً للعمل تحت قبة البرلمان، ما قد ينتج عنه مقترحات ومشاريع قوانين إضافية على العدالة والتنمية (وقد أعلن حزب المستقبل الذي يقوده داود أوغلو عن نيته إنشاء "حكومة ظل" تقترح حلولاً بديلة للقرارات الحكومية)، وهو ما قد يساهم في إعادة تشكيل عقل جمعي للبلاد بطريقة مختلفة.
سادساً، ستكون الأحزاب الجديدة اختباراً للقيادات السابقة في العدالة والتنمية، بحيث يكون فشلُها تثبيتاً لخيارات الأخير وقيادته، ونجاحُها فرصةً لتقديم شخصيات قيادية عديدة للسياسة التركية، وهو أمر إن لم تُلمس نتائجه وآثاره اليوم فإنها ستكون أوضح وأعمق أثراً في مرحلة ما بعد أردوغان، وتصب في مصلحة التيار الإسلامي والمحافظ على وجه الخصوص.
مهما تراجع الحزب الحاكم أو ضعف، فإن ذلك لن يؤدي لتغيرات كبيرة في المعادلة السياسية الداخلية طالما بقيت الرئاسة في يد أردوغان
قمة كوالالمبور: خطوة في الاتجاه الصحيح
العدالة والتنمية ونقطة اللاعودة