تبدأ، خلال أيام، عملية ضخ الغاز الإسرائيلي من حقلي "لوثيان" و"تمار" إلى مصر، وتستمر لمدة 15 عاما، بموجب صفقة وصفتها إسرائيل بـ "التاريخية"، تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار.
وبموجب الصفقة، ستحصل مصر (المكتفية ذاتيا من الغاز بحسب تصريحات وزراء ومسؤولين) على 85 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي. وستتحول إسرائيل للمرة الأولى من مستورد للغاز بأبخس الأسعار من مصر إلى مصدر لها بأعلى من الأسعار العالمية.
وقال خبراء ومختصون، لـ "عربي21" إن استيراد مصر الغاز الإسرائيلي لن يحقق أي مكاسب للجانب المصري، خاصة بعد إعلان إسرائيل أن الصفقة موجهة للاستخدام في السوق المحلي المصري.
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن مسؤولون كبار في وزارة البترول المصرية، أن مصر حققت فائضا عن إنتاجها من الغاز الطبيعي من مناطق الامتياز المختلفة، يبلغ نحو مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً مع تراجع استهلاك محطات الكهرباء والاستهلاك المحلي.
اقرأ أيضا: هكذا سرقت إسرائيل غاز مصر وتبيعه لها عبر الأردن
"استراتيجية جديدة"
وأكد الخبراء، أن القضية أصبحت أكبر من استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، بغض النظر عن أن مصر لديها ما يكفيها، ولكن في خطورة نقل ملف التطبيع لمرحلة استراتيجية جديدة، بهدف حماية مصالح إسرائيل الاقتصادية على حساب المصالح الوطنية المصرية.
وكانت وزارة الطاقة الإسرائيلية أعلنت مطلع الأسبوع الجاري، أن يوم الاثنين الماضي، كان محددا لبدء تشغيل خط الغاز الطبيعي بين إسرائيل ومصر، وأن الحكومة الإسرائيلية ليست معنية بقيام إعادة تسييله وتصديره للخارج، أو استخدامه محليا.
لكن وزارة البيئة الإسرائيلية تدخلت في اللحظات الأخيرة، وألزمت شركة نوبل إنيرجي، بتأجيل عملية الضخ لبداية عام 2020، بعد إدخال تعديلات فنية مرتبطة بحماية السكان القريبين من منصة حقل "ليفياثان" المعنية بتصدير الغاز.
وكشف أستاذ الاقتصاد المصري المقيم في الولايات المتحدة، والمتهم بقضايا الطاقة، محمود وهبة، قيام شركة إيني الإيطالية بتخفيض الإنتاج من حقل ظهر لعدم حاجة السوق المحلي له، بعد أن تمت تلبية كافة الاحتياجات من الغاز لمصر.
اقرأ أيضا: تفاصيل صفقة غاز إسرائيلية مصرية بـ20 مليار دولار
أبرز الخسائر
وقال وهبة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن "مجلة البورصة، المملوكة للمخابرات المصرية، نشرت يوم السبت 21 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، تقريرا خطيرا عن استثمارات شركة إيني بمصر، ونقلت تصريحات لمسؤولين بوزارة البترول، عن قيام الشركة بتخفيض إنتاجها، لعدم احتياج السوق المحلى حالياً ?ى كميات إضافية من الغاز الطبيعى".
ووفقا للمصادر نفسها، فإن وزارة البترول تلبى كامل احتياجات الكهرباء والمصانع والسيارات والمنازل من الغاز الطبيعى، وتوجه شحنات من الغاز المسال للتصدير، ولكنها لا تحتاج كميات إضافية خلال الفترة الجارية فى ظل تراجع استهلاك محطات الكهرباء بنحو مليار قدم مكعبة يومياً.
وحسب وهبة فإن العقد الذي وقعته مصر مع إسرائيل مازال غامضا، مؤكدا أن شحنات الغاز القادمة من إسرائيل سيتم تخزينها، لأن تسييلها سوف يزيد من تكلفتها، وبالتالي لن تجد مشتريين في أوروبا وآسيا.
وعدد وهبة الخسائر التي سوف تتحملها مصر بالإضافة لذلك، منها المبالغ المدفوعة بالعملة الصعبة في شحنات الاستيراد، وفي حالة بيعه داخليا، فإن قيمته تزيد عن الغاز المحلي بمعدل مرتين ونصف، كما أن بيعه محليا سيؤدي لتخفيض إنتاج العديد من الحقول المصرية العاملة بالفعل.
تحول استراتيجي
ويؤكد رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري عمرو عادل لـ "عربي21"، أن ملف الغاز يكشف أن العلاقات مع إسرائيل، تجاوزت مفهوم التطبيع، وتحولت لتعاون استراتيجي بين أنظمة محور الشر العربي، التي تمثلها حكومات مصر والإمارات والسعودية، وبين الكيان الصهيوني في كافة المجالات.
ووفق عادل، فإن حماية المصالح الإسرائيلية، أصبحت حاضرة وبقوة في ذهن نظام الإنقلاب العسكري المصري، ومن ضمن هذه المصالح الغاز الإسرائيلي الذي هو في الأساس مسروق من مصر والفلسطينيين، ما يؤكد أن السيسي ونظامه، لا يعبأون بأي شيء يتعلق بمصلحة الشعب الاستراتيجية، وأصبح ضبط علاقاته مع الصهاينة أهم بند في أجندته الخاصة داخليا وخارجيا.
ويضيف رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري، قائلا: "ما يهم نظام الإنقلاب هو تحقيق مصالحه الاقتصادية والسياسية، حتى لو تعارضت مع مصلحة الشعب، ولذك عدم التصدير أو التراجع على الطلب لا يعني شيئا له، فهو يحقق مصالحه المادية بالاستبداد وسرقة الشعب وإرضاء القوى التابع لها".
اقرأ أيضا: ما حقيقة اكتشافات الغاز بمصر؟ ولماذا الغاز الإسرائيلي؟
دستة أهداف
ويصف رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشوري المصري سابقا، رضا فهمي، في حديثه لـ "عربي21"، اتفاقية الغاز التي دخلت حيز التنفيذ، بأنها أكبر عملية نصب يقوم بها نظام السيسي ضد الشعب، لصالح إسرائيل، مشيرا إلى أن الغاز القادم من حقل "ليفياثان"، هو في الأساس ملك لمصر، وقد استولت عليه إسرائيل، بمعاونة السيسي، وتقوم الآن بإعادة تصديره لنا، وبأسعار أكبر من الأسعار المحلية والعالمية.
ويؤكد فهمي أن المقابل في ذلك معروف، وهو ضمان استمرار الدعم الإسرائيلي للسيسي، رغم كل الكوارث التي قام بها ضد الشعب المصري، على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، موضحا أن ما جرى في اتفاقية الغاز، هو رشوة واضحة من السيسي لإسرائيل، مثل الرشاوى الأخري التي قدمها لألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا في صفقات أسلحة ومشروعات بالمليارات تحملها الشعب المصري دون فائدة.
ويوضح البرلماني السابق، أن السيسي رد على الرفض الشعبي للاتفاقية أثناء توقيعها، بأن مصر أحرزت هدفا كبيرا في الشباك الإسرائيلية، ولكن بعد إعلان إسرائيل أنها غير معنية بتسييل الغاز القادم لمصر وإعادة بيعه للخارج، باعتبار أن مصر مشتري وليست سمسار في الصفقة، وبالتالي دخل في مرمى السيسي دستة أهداف إسرائيلية دفعة واحدة.
يشار إلى أن الخبير الدولي، نائل الشافعي، ذكر قبل نحو عامين أن حقل الغاز لوثيان يقع في المياه المصرية (الاقتصادية الخالصة)، على بعد 190 كم شمال دمياط، بينما يبعدان 235 كم من حيفا و180 كم من ليماسول، وهما في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس الغاطس المُثبت مصريته منذ عام 200 قبل الميلاد.
وقال الشافعي، إن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعها السيسي مع قبرص اليونانية، تنازل بموجبها عن أكثر من نصف المياه الإقليمية لمصر، مؤكدا أنه بمجرد التوقيع على تلك الاتفاقية نقلت 17% من الثروة الغازية المصرية لقبرص ونسبة مماثلة لإسرائيل.
وأضاف: "عقب توقيع الاتفاقية، أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشاف حقلي "لوثيان" و "أفروديت" على بعد كيلومترين من الحدود المصرية، والتي كانت ضمن الحدود الإقليمية لمصر".
وبحسب مصادر إعلامية، وضعت إسرائيل يدها على حقل "تمار" الذي يقع ضمن المياه الاقتصادية اللبنانية، منذ نحو 9 سنوات.
مصر توقع 103 اتفاقيات بترولية في 6 سنوات
مصر تبدأ باستيراد الغاز الإسرائيلي منتصف يناير المقبل
في 2019.. خطوات خطاها جيش مصر لتوسيع سطوته على الاقتصاد