شهد الربع الثاني من العام الماضي قفزة في آجال سداد الدين الخارجي
المصري، لتصل إلى عام 2071، أي بنحو 51 عاما من الآن. وكان نظام الرئيس حسني مبارك قد ترك الحكم وآجال سداد الدين الخارجي تصل إلى عام 2050، وهو ما لم يتخطاه حكم المجلس العسكري من بعده والذي استغرق عاما ونصف، وكذلك في فترة الرئيس محمد مرسى التي استغرقت عاما واحدا.
ومع إغداق المعونات الخليجية للنظام العسكري الذي استولى على السلطة في تموز/ يوليو 2013، فلم يتخط النظام العسكري ذلك الحاجز الزمني للقروض الخارجية. ورغم تحول مساعدات الخليج للنظام العسكري إلى ودائع بفائدة متدنية من قبل دول السعودية والإمارات والكويت، فقد توسع النظام العسكري في الاقتراض الخارجي ورفع الحاجز الزمني إلى عام 2054 منذ عام 2016، ثم رفعه في الربع الثاني من العام الماضي إلى عام 2071، بإجمالي زيادة 21 عاما منذ توليه السلطة.
ومع التوسع في الاقتراض الخارجي زادت قيمة الدين الخارجي لتصل إلى 109.4 مليار دولار، في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، مقابل 43.2 مليار دولار في نهاية حزيران/ يونيو 2013، بزيادة 66 مليار دولار في ست سنوات وربع السنة، بنسبة نمو 153 في المئة.
ومع زيادة الدين الخارجي زادت تكلفة الدين من فوائد وأقساط، من 3.2 مليار دولار في العام الأول للنظام العسكري، إلى 13.4 مليار دولار في العام السادس له، خاصة من زيادة نسبة الفوائد على السندات الدولارية المصرية التي تم طرحها بالأسواق الدولية، والتي تخطت نسبة 8 في المئة لبعض إصداراتها، لتعوض ارتفاع المخاطر السياسية لمصر.
18.6 مليار تكلفة الدين في العام الحالي
وحسب البنك المركزي المصري الذي قسّم الدين الخارجي في نهاية حزيران/ يونيو 2019 والبالغ 108.7 مليار دولار؛ إلى دين متوسط وطويل الأجل بلغ حوالي 96 مليار دولار، ودين قصير الأجل بلغ 11 مليار دولار، فلقد بلغت تكلفة الدين متوسط وطويل الأجل من أقساط وفوائد في العام الميلادى الحالي 2020 نحو 18.6 مليار دولار، وفي العام القادم 13.4 مليار دولار، وفي عام 2022 نحو 12.3 مليار دولار، وفي عام 2023 حوالي 10 مليار دولار تخص فقط الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل.
كذلك ارتفعت قيمة الدين الخارجي قصير الأجل، والذي يتطلب سداده خلال عام على أقصى تقدير، من 365 مليون دولار في العام الأول للنظام العسكري في ضوء إغداق المنح الخليجية حينذاك، ثم ارتفع لأكثر من سبعة مليارات دولار في العام الثالث له، حتى تخطى الاقتراض قصير الأجل 12 مليار دولار في كل من العام الرابع والخامس، وبلغ أكثر من 11 مليار دولار في العام السادس.
وهكذا يتطلب التعامل مع الدين الخارجي في العام الميلادي الحالي سداد 18.6 مليار دولار للديون متوسطة وطويلة الأجل، وهو رقم يزيد عن قيمة الصادرات السلعية المصرية غير النفطية في العام المالي الأخير، إلى جانب سداد ديون قصيرة الأجل قد تصل إلى عشرة مليارات من الدولارات، أي أن الأمر يتطلب تدبير حوالي 27 مليار دولار، والتي تمثل أكثر من نصف الاحتياطيات من العملات الأجنبية البالغة 45.4 مليار دولار في نهاية العام الماضي.
وهكذا يمثل الرقم المطلوب لتكلفة الدين في العام الحالي حوالي نفس قيمة الصادرات السلعية المصرية في العام المالي الأخير، كما يزيد عن قيمة تحويلات المصريين في الخارج، ويمثل أكثر من ضعف إيرادات السياحة، وأكثر من أربعة أضعاف حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر، وأكثر من أربعة أضعاف حصيلة قناة السويس.
كبر نصيب تكلفة الدين بإنفاق الموازنة
وتزداد مخاطر كبر حجم تكلفة الدين مع طبيعة
الاقتصاد المصري، الذي يعتمد في موارده الخارجية الدولارية على أنشطة ريعية، ترتبط حصيلتها بالأوضاع الاقتصادية الدولية. فتراجع أسعار النفط مثلا يؤدي إلى تراجع حصيلة تحويلات العمالة المصرية التي يتركز معظمها في دول الخليج.
وحدوث تراجع بالتجارة الدولية ينعكس سلبا على حصيلة قناة السويس، وحدوث تباطؤ في دول الاتحاد الأوروبي يؤدي لانخفاض الصادرات المصرية التي يتجه جانب كبير منها للاتحاد الأوروبي، وحدوث أي حادث يضر السياحة المصرية يؤدي لانخفاض حصيلتها، وعدم الاستقرار السياسي والأمني في الداخل المصري ينعكس سلبا على حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها. وهكذا فإن حصيلة الموارد الدولارية ليست مستقرة.
الأمر الآخر هو طبيعة مكونات ميزان المدفوعات المصري، الذي يعاني من عجز مزمن في الميزان التجاري السلعي منذ أكثر من خمسين عاما متصلة، لا يكفي فائض الميزان الخدمي وتحويلات العمالة المصرية والمعونات الدولية معا لتغطيته، مما يؤدي لحدوث عجز بميزان المعاملات الجارية في غالب السنوات.
أثر سلبي آخر لارتفاع تكلفة الدين الخارجي هو كبر نصيب فوائد وأقساط الدين الحكومي بين أبواب الإنفاق في الموازنة العامة للدولة، حتى اقترب من نصف ذلك الإنفاق، وهو ما يكون على حساب الإنفاق على الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية، وعلى حساب تحسين أحوال أجور العاملين في الحكومة، وعلى مصروفات إدارة العمل اليومي في الجهات الحكومية، وعلى خفض الدعم المخصص للفقراء في بلد ثلث سكانه تحت خط الفقر.
فوائد السندات أكثر من قيمتها الأصلية
وربما يقول البعض إن مد أجل سداد
القروض يخفف الأعباء عن كاهل الحكومة الحالية، لكن ذلك الترحيل له مخاطره أيضا، وأبرزها مخاطر سعر الصرف، حيث يتم تدبير مكون بالعملة المحلية مكافئ لقيمة القسط والفوائد الدولارية، ومع العجز المزمن في الميزان التجاري يتم الضغط على سعر صرف الجنيه المصري لصالح الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية عادة. وإذا كان دولار اليوم يعادل 16 جنيها مصريا، فكم ستكون قيمة دولار عام 2071 من الجنيهات.
كذلك تعاظم قيمة القروض كما طالب فترة السداد، وهو ما يتضح مع السندات التي تم طرحها في الخارج، حيث بلغ أصل قيمة تلك السندات حتى حزيران/ يونيو الماضي 19.4 مليار دولار، بينما تصل قيمة الفائدة عليها أكثر من 20 مليار دولار، لتمثل قيمة الفائدة للسندات نسبة 103 في المئة من قيمتها الأصلية.
وهو ما يمكن تصوره أيضا من خلال بلوغ قيمة أصل الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل في نهاية حزيران/ يونيو الماضي حوالي 96 مليار دولار، بينما تصل قيمة الفوائد على تلك القيمة 33.4 مليار دولار، لتصل القيمة الإجمالية للقروض متوسطة وطويلة الأجل 129.4 مليار دولار.
الأمر الآخر هو تكبيل الأجيال القادمة لخمسة عقود بأعباء لا ذنب لهم فيها ولم يستفيدوا منها، حيث تتجه غالب القروض الخارجية إلى سد عجز الموازنة وسداد احتياجات جارية، كذلك ارتهان مصر لصالح المؤسسات الدولية المقرضة خاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وحتمية تنفيذها ما تطلبانه من إجراءات اقتصادية، ولو على حساب زيادة عدد الفقراء كما حدث في برنامج الصندوق مع مصر عام 2016.
وتتوزع تكلفة الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل في العام الحالي والبالغة 18.6 مليار دولار، ما بين 6.9 مليار دولار للسعودية، و4.5 مليار لدول أجنبية غير عربية، و2.1 مليار دولار لمؤسسات دولية وإقليمية، وملياري للكويت، و1.9 مليار دولار للسندات المصدرة خارجيا، و1.2 مليار دولار لدولة الإمارت العربية.
ومن هنا، فقد اتجه البنك المركزي إلى الاتفاق مع دول خليجية على تأجيل سداد أقساط ديونها لتخفيف أعباء خدمة الديون، وبالنسبة للديون قصيرة الأجل يتم تجديدها عادة. وهكذا سقط الاقتصاد المصري في مصيدة الديون، بحيث أصبح يقترض حتى يسدد أقساط وفوائد القروض التي يحل موعد استحقاقها.