ملفات وتقارير

من الثورة لحالة منظمة.. هل ينجح حراك الجزائر بعامه الثاني؟

يُعول الرئيس تبون على أن يكون التعديل الدستوري إحدى الإجابات على مطالب الحراك الشعبي- جيتي

يُدرك الحراك الشعبي في الجزائر، عامه الأول، وسط اختلاف كلّي في المقاربة بين السلطة التي تعتبر أن أغلب المطالب تحققّت، وبين المعارضة التي ترى أن النظام لم يتغيّر وهو يعمل على تجديد نفسه.

 

قبل سنة من اليوم، كانت الجزائر تعيش على وقع إعلان الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، ترشحه لولاية رئاسية خامسة، لكن الجزائريين قرروا فجأة الخروج للشارع ورفض استمرار الرئيس المريض في الحكم، واستمروا في ذلك لمدة لأسابيع بالملايين، حتى أجبروا الرئيس على الاستقالة في 2 أبريل/ نيسان 2019.


وبدأت منذ ذلك اليوم، مرحلة جديدة في الجزائر، أمسكت فيها المؤسسة العسكرية بمقاليد السلطة الفعلية، وسارت بها إلى غاية تنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول / ديسمبر الماضي، التي اختلف حولها الجزائريون بين مؤيد لهذا المسار وبين رافض لذلك خصوصا من المنخرطين في الحراك الشعبي الذين كان موقفهم موحدا بشأن عدم توفر الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات.


"الوضع نحو التهدئة"

 
وتطلّ ذكرى الحراك الشعبي اليوم، في ظروف مغايرة من حيث الشكل لانطلاقته في 22

شباط/ فبراير، فالجزائر اليوم أصبح لها رئيس للجمهورية حتى وإن كان البعض يطعن في شرعيته، كما أنها ألقت بكبار السياسيين ورجال الأعمال المقربين من الرئيس السابق ومحيطه في السجون وتخلصت من بعض آثار "البوتفليقية" التي أضرّت بالسياسة والاقتصاد في البلاد.


ويعتقد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، أن الوضع في البلاد يتجه للتهدئة على الرغم من استمرار المظاهرات في الشارع التي يعتبرها وسيلة ضغط فقط من مواطنين يطلبون الإسراع في تنفيذ الإصلاحات.

 

اقرأ أيضا : الجزائر تحدد تاريخ بدء الحراك "يوما وطنيا"

 

ويرى أن كثيرا من الجزائريين أدركوا أن ما تم إفساده خلال السنوات الماضية لا يمكن إصلاحه في ظرف شهرين فقط.


ويُعول تبون وفق ما قاله لصحيفة لوفيغار الفرنسية اليوم، على أن يكون التعديل الدستوري الذي يعكف عليه، إحدى الإجابات على مطالب الحراك الشعبي بعد أن يتم الاستفتاء عليه شعبيا، كما يراهن أيضا على تعديل قانون الانتخابات ثم الذهاب لانتخابات تشريعية تكرس فصل المال عن السياسة وتأتي ببرلمان جديد يؤدي دوره التشريعي في ظل صلاحياته الجديدة التي سيأتي بها التعديل الدستوري.


لكن الإشكال في أن نظرة الحراك تبدو مغايرة تماما لما يطرحه تبون، فالمتظاهرون يرون الرئيس الحالي مجرد استمرار لنفس منظومة الحكم ويرفضون بالمطلق كل مشاريع الإصلاح التي يحملها، لأن وصوله للرئاسة في نظرهم كان مطعونا في شرعيته، ويؤكدون على أن مطالبهم الأساسية هي الذهاب لتغيير جذري للنظام وليس مجرد تجميله. 


ويقول الباحث في علم الاجتماع السياسي، نوري دريس، أن المؤمنين بالحراك ينطلقون في نظرتهم، من أن عدم تغيير نظام الحكم من الأساس والسماح له بإعادة إنتاج نفسه، سيضع مستقبل الدولة الجزائرية في خطر، وهو يجعلهم يستمرون بنفس القوة في العام الثاني.


وأوضح دريس في حديث لـ"عربي 21"، أن الجزائر مقبلة علي أزمة اقتصادية خانقة، سيزداد بفعلها عدد البطالين وسترتفع الأسعار أكثر، ما يجعل فئات جديدة تلتحق بالحراك، وهي مؤشرات، حسبه، على أزمة هيكلية سياسيا واقتصاديا لن تنفع معها إعادة تجريب الوصفات السابقة، ما سيؤدي بالسلطة إلى حالة الانكشاف التام أمام الشعب.


وأبرز دريس أن أكثر ما يضرب مصداقية تبون، هو أن يكون سائرا ضمن حدود تم رسمها ضمن خارطة الطريق التي أُعلن عنها حتي قبل سقوط بوتفليقة والتي تتضمن تعديل الدستور وتغيير بعض القوانين الاقتصادية، ما يؤكد فرضية أن النظام لا يهمه وضع دستور منفتح يقر حريات أكثر وفصل أوضح للسلطات، مادام أن الدستور بهذا المنطق، ظل مجرد واجهة لا يتم تطبيقه في الواقع.


"الحاجة للتنظيم"

 
لكن على الطرف المقابل، يبدو الحراك في وضع يفرض عليه التجديد في الأساليب وتقديم البدائل الممكنة، للخروج من حالة التكرار التي تطبعت معها السلطة ولم تعد تشكل لها مصدر إزعاج كبير.


وتُحاول فعاليات وتنظيمات لازمت الحراك، أن تجعل من الذكرى السنوية الأولى، مناسبة لانطلاقة جديدة، تحول المظاهرات السلمية إلى أداة اقتراح ووسيلة ضغط ناجعة لتغيير موازين القوى مع النظام. 


وقال سعيد صالحي القيادي في ائتلاف منظمات المجتمع المدني التي تسعى لعقد مؤتمر جامع للحراك، إن الواجب بمناسبة السنة القادمة هو خوض المعركة السياسية، عبر تكثيف الجهود في التنظيم والتشبيك وبناء جسور بين كل المبادرات باختلاف توجهاتها، من أجل الذهاب نحو جبهة سياسية واسعة تترجم الوفاق الجماهيري الذي يعبر عنه في المسيرات  إلى عقد سياسي جديد.


وأوضح صالحي في حديث مع "عربي21"، أن مبادرة المؤتمر الجامع بصدد اقتراح بيان 22 شباط وجمع كل القوى الحراكية على مبادرة سياسية توافقية عبر فتح حوار أفقي حراك-حراك، قبل الذهاب إلى التفاوض مع السلطة و فرض الانتقال الديمقراطي نحو الجمهورية الجديدة الديمقراطية الاجتماعية والمدينة، مشددا على ضرورة أن يستعيد الحراك المبادرة السياسية ويتشبع بنفس جديد لخوض معركة السنة القادمة.


"عراقيل على الأرض"

 
غير أن الفاعلين في الحراك الشعبي، باتوا يصطدمون بعراقيل على الأرض تحرمهم من التجمع والتنظيم، فقد منعوا من الحصول على قاعة في الجزائر العاصمة لتنظيم مؤتمرهم الذي كان مقررا اليوم، ولا تزال القوى الأمنية تلاحق بعض النشطاء وتمنع تنظيم تجمعات ومسيرات الحراك الشعبي في بعض الولايات خاصة في غرب البلاد.


وتعاكس هذه السلوكات تماما الخطاب الرسمي الذي يروج لتكريس كامل الحقوق والحريات للجزائريين، وفي مقدمتها حرية التعبير والتظاهر وإنشاء الجمعيات والأحزاب. 


وأثناء عرض مخطط عمل الحكومة على البرلمان، شدّد الوزير الأول عبد العزيز جرّاد على ضرورة بناء "مجتمع مدني حر ومسؤول"، وقال إن الحكومة ستعيد النظر في بعض القوانين وستعمل على تعزيز دور الجمعيات ومساهمتها في مسار تنمية البلاد وتسيير الشؤون العامة، وذلك بتكريس مبدأ التصريح عند تشكيل الجمعيات. 


وفي قراءته لهذا التناقض بين الخطاب الرسمي والممارسات على الأرض، قال الباحث السياسي ناصر جابي، إن هناك خشية من أن يكون ذلك ترجمة لوجود مراكز قرار متعددة داخل السلطة.


وذكر جابي في حديثه لـ"عربي21"، أن استمرار هذا التناقض سيُعزز من حالة فقدان الثقة بين السلطة والجزائريين خاصة منهم من انخرط في المسار الانتخابي الذي أوصل تبون للرئاسة، وهو ما يضاعف –حسبه- من أزمة السلطة.