تحركت السلطة في
مصر بعد خراب مالطة!
في الأوقات العصيبة، يكون عامل الوقت حاسماً في اتخاذ القرارات، فإن اتخذت بعد الوقت المناسب، تكون فاقدة للمفعول، ومنتهية الصلاحية!
ومنذ ظهور فيروس
كورونا عالميا، وقد بحت أصوات المصريين وهي تطالب السلطة الحاكمة، باتخاذ قرارات حاسمة في هذه المجال، ولكنها لم تفعل إلا بعد فوات الأوان، وبعد وقوع الكارثة، ويبدو أن عملية التأخر سمة من سمات الأنظمة العسكرية، بما تتسم به من جهل وجلافة!
ويذكر الجميع كيف أن مبارك كان يتأخر في اتخاذ القرار المناسب في أيام الثورة، بما يتماشى مع شرحه لصفاته المميزة من أن معه دكتوراة في العناد، فاته أنه لم يعد سيد الموقف، وكانت النتيجة أنه رضخ واتخذ كل القرارات المطلوبة، لكن في الوقت الضائع، وبعد أن تجاوزتها حركة الجماهير، فأقال وزير الداخلية، وحل البرلمان، وأزاح العناصر سيئة السمعة في الحزب الحاكم، وأقال الحكومة، وعين نائباً له، لكن الجماهير كانت قد اتخذت قرارها بضرورة الإطاحة به، "قُضى الأمر الذي فيه تستفتيان"!
وفي مواجهة محنة كورونا تبين أن "أحمد" هو بشحمه ولحمه "الحاج أحمد"، فالعقلية واحدة، وأن هذا من ذاك، بل إن هذا هو ذاك!
الإنكار لا يفيد:
أنكرت السلطة في مصر وجود فيروس كورونا، وسط زفة من
إعلام الجهل والرداءة، والبرامج التي يقدمها "عساكر المراسلة"، الذين يعملون في فترة تجنيدهم في خدمة الضباط وأسرهم. وقد قامت الرسالة الإعلامية على الإنكار، بما يتسق مع رسالة السلطة التنفيذية. فهذا الفيروس لا يمكنه دخول مصر، وكيف يدخلها ومن يحكم البلاد هو الحاكم العسكري "الدكر"، على النحو الذي شاهدناه في حوار وهمي أجراه مذيع مع الفيروس، وأذاعته قناة الأجهزة الأمنية "الحياة"؟!
لقد تسببت سياسة الإنكار في انتشار المرض، لأن المواطنين صدقوا هذه الدعاية الخرقاء، وعاشوا حياتهم بشكل طبيعي، يذهبون إلى أعمالهم، ويجلسون على المقاهي، فلا شيء هناك، ومصر خالية من الفيروس، وربما من جميع الفيروسات ومحصنة من عموم الأوبئة والأمراض!
كذب أهل الحكم حتى صدقوا أنفسهم، وأرسل عبد الفتاح
السيسي وزيرة
الصحة إلى الصين، لتقدم المستلزمات الطبية لهذا البلد الذي انتشر فيه الوباء. وهذا هو المعلن، فلا نعرف إلى الآن لماذا سافرت
الوزيرة في هذا الظرف، وإن كان دعاية أخرى للذباب الالكتروني التابع للسلطة، دارت حول أن الوزيرة ذهبت لتطلب العلاج ولو في الصين، وسط دعاية فارغة بأن الصين أنتجت الدواء، ليتبين أن هذا ليس صحيحاً، وأن الصينين يعتمدون الآن على دواء أنتجته ألمانيا، وواضح أن هذا يتم من باب التجريب!
وقد ردد البعض أن الوزيرة سافرت إلى هناك كمحاولة من عبد الفتاح السيسي
لإيجاد مصل للفيروس، بعد حديث عن انتشار المرض في أوساط قريبة منه!
وفي هذه الأجواء لا يمكن معرفة الحقيقة، ما دامت السلطة لم تجب على سؤال تردد كثيراً، وهو لماذا سافرت الوزيرة إلى الصين؟!
اجتماع السيسي بالعسكريين:
ومهما يكن، لقد كذب أهل الحكم حتى صدقوا أنها سافرت بالفعل لتقديم المستلزمات الطبية مساعدة كريمة ومشمولة بالكرم العربي المتوارث، وبما يعني خلو مصر من الفيروس،
وتصرف السيسي نفسه على هذا الأساس، عندما اجتمع مع القادة العسكريين في يوم 5 آذار/ مارس، وفي قاعة مغلقة، وفي لقاء لم يراع فيه إجراءات السلامة، لتتبين بعد ذلك إصابة ضابطين كبيرين بالفيروس. وقد نُشرت
قائمة بعدد من الضباط المصابين لا نعرف مصدرها، وإن كان "المصدر المسؤول" لم ينفها، وهو الذي طلع علينا لينفي ما نشر على نطاق واسع من إصابة رجل السيسي القوي "اللواء عباس كامل" بالفيروس!
وإذا كان نفي الشيء لا يعني عدم حدوثه، تماما كما أن تجاهل الشيء لا يعني صحة المنشور، فإن ما يهمنا هو أن اثنين من الضباط الذين كانوا يجلسون في الاجتماع قد أصيبوا بالفعل، وهما ممن صافحهم السيسي كما صافح غيرهما من الحاضرين، على النحو الذي شاهدناه سواء قبل الاجتماع أو بعده. وهذا يؤكد أن الإنكار، صدقه أصحابه، مع أنهم كانوا يستهدفون فقط إدخال الغش والتدليس على الناس بعدم قدرة الفيروس على اختراق الحدود المصرية والحواجز الأمنية، ليقف العالم على أن هناك فرق بين شعب خلفه جيشه، وشعب بلا جيش!
لقد ظلت المستشفيات الحكومية على تواضع إمكانياتها، تستقبل المصابين بالفيروس بدون إجراءات وقاية، فأصيب به أطباء وممرضات. فالسلطة تنكر وجود الفيروس، ليستيقظ الشعب المصري ذات صباح على الاعتراف بحضور الفيروس، رغم الإجراءات الأمنية، والقوم يتعاملون معه كما لو كان إرهابيا يختبئ في الجبال والكهوف. وأحد الجنرالات الذي وافته المنية من جراء اصابته به، قالوا إنه راح ضحية مواجهته، ولم يقولوا كيف واجهه، فهل كان يقف في كمين للقبض عليه؟!
ورغم الاعتراف بإصابة مصريين به، فقد بدت السلطة في حالة استهانة بكل المطالب الخاصة بإجراءات الحماية، فمرة أخرى تبح الأصوات وهي تطالب بإغلاق المدارس والجامعات مع تعنت السلطة ممثلة في وزير التعليم، ثم يُتخذ القرار، وكذلك الأمر فيما يختص بالدعوة لإغلاق المساجد والكنائس؟ وقد تم اتخاذ القرار بعد ذلك، وتأخرت السلطة في اصدار
قرار حظر التجول والذي لم تصدره سوى الثلاثاء لكنها لم تراع تداعياته، ولم تدرك أنه وغيره من القرارات المماثلة لا بد أن يعبر عن سياسة مكتملة!
فإلغاء التجمعات في دور العبادة، لن يغني شيئا مع استمرار الزحام في مترو الأنفاق والمواصلات العامة، وفرض حظر التجول من الساعة السابعة مساء حتى السادسة صباحاً لا يعني أن الفيروس لا يتجول نهاراً، فماذا فعلوا مع وجود الناس في الشوارع؟ وإغلاق المقاهي الآن لا ينفي أنها كانت مفتوحة مع انتشار الفيروس، ووقف السياحة من البلاد الموبوءة لا ينفي أن مصر استقبلت سياحا من الصين وغيرها، ووقف العمل في الفنادق والمنتجعات السياحية لا ينفي أنها كانت مفتوحة في أيام أنكر فيها وجود الفيروس، وأن عودة العاملين في هذا النشاط إلى قراهم دون وضعهم تحت الحظر لمدة أربعة عشر يوما، لا ينفي أن من بينهم من يحملون الفيروس وسيكونون وبالا على مجتمعاتهم!
فلماذا كان الإنكار؟.. وماذا يفيد الاعتراف بعد فوات الأوان مع عدم التعامل بجدية مع المأساة؟!