لا أود في هذا المقال أن أناقش فكرة
التغيير الذي قد يطال العالم في إثر جائحة
كورونا، كما أنني لا أتناول تأثيرات هذا التغيير (إن حدث) على الأفراد ولا على المجتمعات، لكن أتكلم عن واقع العرب الحالي، بأنظمتهم وحكامهم الحاليين.
أعتقد أن العرب بواقعهم الحالي بمنأى عن أي إيجابية تُذكر مهما ناحت النائحات شرقاً وغرباً أن العالم سيتغير بعد جائحة كورونا.
القرن المنصرم وواقعنا المعاصر يشي بردود فعل باردة عقيمة تجاه هزات كبرى وأحداث نوعية، سقطت إمبراطوريات وتهاوت أيديولوجيات، وظللنا نراوح مكاننا، لم نسع أو نتغير!
كل ما حدث؛ هرولنا (نحن العرب) بمنتهى البؤس والاستكانة لنُلْقِي بأنفسنا وإمكاناتنا تحت أقدام السيد الباقي، بعد أن كنا (أو البعض منا) يتأرجح بين الحبلين، ويستبقي شيئا من كبرياء مُتَوَهَّم من صراع المعسكرين.
لندع الإمبراطوريات والأيديولوجيات ولنستشرف نظرة عامة لواقعنا في العقود الأخيرة، نجد أن دولاً كانت في الواجهة زَلَّت وهَوَّت، فيما صعدت أخرى وصنعت لنفسها موطأ قدم بين الكبار.
أما العرب لا يدرون أين موقعهم، لا يشغلهم شيء، مكانهم الأثير مدرجات المتفرجين بلا دور أو أثر!!
بعض الدول التي قامت وعلا شأنها في ميدان الحضارة والاقتصاد والسياسة تشاركنا الإقليم والتاريخ، فماذا كان موقفنا منها متابعةً أو تعاوناً أو تنافساً أو اهتداءً؟!
حسبنا نموذجين في محيطنا الإقليمي القريب؛ إيران وتركيا!!
إيران الكائن "المنبوذ" والدولة التي لا تخرج من حصار دولي حتى تستقبل آخر أشد. أين هي الآن وأين نحن؟!
لا أناقش الوضع داخل إيران فهو لا يعنيني هنا، لكن ألم تصبح إيران أعز دولة في محيطنا الإقليمي، وعلى حسابنا نحن العرب؟!
إيران التي كانت لها إصبع في لبنان؛ اليوم أحاطت أذرعها بدول
العالم العربي حتى أصبحنا فِراشاً وثيراً تتمدد فيه إيران، وتعبث فيه بشرف العرب وكرامتهم كيفما شاءت.
أين إيران وأين العرب في عواصم الخلافة في دمشق وبغداد؟!
ماذا عنها في اليمن (بيت الحكمة العربي) الذي كان سعيداً؟! ولا تسلني عن بيروت!!
جميعها أضحت حواضر فارسية أو شيعية، أو سمها ما شئت!!
ولا زالت بعض دولنا تلعن إيران حقيقة أو ادعاء، وتدفع الجزية وتبذل المليارات أو التريليونات حَلْباً صاغرين أو كمشتريات سلاح؛ فقط لمناكفتها.
ثم جاءت عاصفة الحزم، فكانت برداً وسلاماً على إيران وأنصارها، بينما كانت لعنة وفقراً وشؤما على أمة العرب، إن جاز أن نسمي العرب أُمَّة في زمن التشرذم والشتات.
على الجانب الآخر، تركيا التي كانت تنافسنا في
التخلف والفقر وسوء الخدمات وتردي الأوضاع المعيشية والصحية والاقتصادية، ها هي تملأ فراغنا الإقليمي الخليجي والعربي، وتصبح صاحبة كلمة عُليا وأداة حسم في نزاعاتنا.
تركيا اليوم تقارع الكبار في المجالات الاقتصادية والتقنية والعسكرية، وتستهدف التواجد في العشر دول الأكبر عالمياً في المدى المنظور.
العباقرة من ساستنا لا يرون في تركيا إلا العدو، أما جوقة الإعلام العربي الرسمي، فيرون في تركيا العِبَر ويصدرونها عاراً يخيفون به شعوبنا المقهورة.
فتركيا بلد الدعارة وكأن بلاد العرب كنانة التقوى وكعبة الورع! وأردوغان حليف إسرائيل وكأن ساستنا غُرَرَ الجهاد وعُداة إسرائيل! ويرون الشعب التركي يرسف تحت أغلال القهر والفقر والاستبداد وكأننا ملكنا ناصية الديمقراطية والرفاه والحرية وحقوق الانسان!
لست في معرض الدفاع عن كلتا الدولتين ولا أحلل الواقع الداخلي لهما، فقط أبرز حقيقة أن كل من إيران وتركيا سبقتا في كل ميدان، بينما نحن العرب في الضلالة والتخلف وسُحُب الكذب ننعم بالغباوة والهطل.
وبحسبة أخرى، ماذا لو أردنا عن ندافع عن حضور ساسة العرب ونثبت لهم أثر ودور وفاعلية؟!
سيتبين لنا أنهم فاعلون فعلاً، بل شديدو الفعل والأثر حقاً، وبالذات في واقعنا المباشر. لكن ما هي تلك الفاعلية وما هو ذلك الأثر؟!
يمكننا القول بملء الفم أنه لولا الحضور العربي والأموال العربية والنفط العربي لتغيرت خرائط كثيرة في العقود الأخيرة.
وأزعم أن بقاء القوى المهيمنة وصمود القوى القديمة في عالمنا كان بفضل حوادث وشخوص عربية كانت صاحبة الأثر الأكبر فيها، ولعل الأمثلة تفيد في الشرح والتفسير:
أي آثار خلفتها معاهدات السلام العربية مع إسرائيل؟! وما هي إلا إرث ثقيل وتركة الخسار والذل الذي أورثنا إياها السادات وملك الأردن وجيلهم الغابر؟!
أزعم كذلك أنه لولا حرب الخليج الأولى والثانية لما كانت أمريكا "بوش- كونداليزا رايس" بهذه القوة والجبروت، وأنه لولا صدام ومبارك والقذافي وآل سعود (حينمـا كانوا محافظين)، لـمَا استقرت القوة لأمريكا "أوباما- كلينتون".
وأنه لولا عيال زايد وصبي آل سعود المتهور والمجرم السيسي، لما حافظت أمريكا "ترامب- كوشنر" على كبريائها وعُلُوها.
وبالمجمل؛ لولا هؤلاء السفهاء (كنوز إسرائيل التاريخيين) الذين حَكَمُوا تاريخنا القريب، لـمَا كانت إسرائيل ولا ظلت القدس أسيرة يوماً واحداً!!
خلاصة القول أنه بخطايا ساستنا وخيانات حكامنا وانبطاح رموزنا وقادتنا؛ كنا وما زلنا دوماً رافعة تعويم لكل أعدائنا ورافعة دعم لبقاء جلادينا، في الوقت الذي لم يكن هؤلاء الخونة عوناً لشعوبهم وعرقهم وأمتهم على شيء، اللهم إلا أن يكون هذا الشيء هو حياة مذلة وعيش رخيص.
إن الحقيقة التي يجب أن نتوقف معها ولا نجاوزها أننا (بوقعنا الحالي) لا علاقة لنا بتغير العالم؛ إن تغير أو لا يتغير، ما لم نتغير نحن!!
لن نستفيد إذا ما عَلَت الصين أو هوت أمريكاً، إن قامت أوروبا أو سقطت روسيا، لأننا في كل الأحوال سنظل مستهلكين للأخبار هنا وهناك، في الوقت التي تظل ثرواتنا ومقدراتنا ترفع دولاً وأمما في الشرق والغرب، إلا دولنا وأمتنا.
إننا لكي نتأثر بأي تغيير يحدث من حولنا، ينبغي أولاً أن نتطهر من فيروسات الخيانة وأمراض العجز التي أثقلت كاهلنا وفرطت في موازين قوتنا لصالح أعدائنا وكارهينا.
إن قيامة العرب أو حتى مجرد الحلم والأمل فيها، تنتظر أولاً أن ندفن رموز
الاستبداد والخيانة في واقعنا، وأن نعيد إنتاج أسود تحكمنا وتقودنا بدلاً من كانتونات الخيانة وصنائع الاستعمار التي تستعبدنا وتهين حاضرنا وتنسف مستقبلنا.
لن تكون العرب أُمَّة ولن يكون لنا عزة أو كرامة أو كيان، حتى تكتب أقلام التاريخ أسماء حكامنا الحاليين في مزابل التاريخ، وحتى تتعفن جثثهم في وعي الناس بمعرفة غدراتهم وخيانتهم.
إنه ذلك اليوم وحده الذي سنفرح فيه بالتغيير في العالم وننتظره، لأننا حينئذ سنكون رافعة هذا التغيير وسنجني ثماره.
يومها ستَبْيَضُّ وُجُوه بني العرب، وتَسْوَدُّ وجُوهٌ كالحة طالما كنا نحن مداد حياتها، وكانوا هم قابضي أرواحنا وسارقي أقواتنا ومصاصي الدماء.