أبانت أيام فيروس كورونا
المؤلمة، الوجه البشع لبلاد الغرب، التي ظنّ كثيرون بأنها مُنزهة عن الخطأ،
ومعصومة من التخلف والظلم، فلا يكاد يمرّ يوم إلا وتصدمنا بعض المشاهد والأقوال،
حتى نكاد نرفع قبعاتنا لبعض حكام الشرق، من الذين جلدناهم دائما من دون رأفة،
مقارنة بالذين تسابقوا لغزو الفضاء، وقهر من في الأرض، قبل أن يخرّوا أمام فيروس
مجهري، أظهر العالم على حقيقته.
والذين يتابعون الندوة الصحفية التي يقدمها
الرئيس الأمريكي يوميا، بما يشبه "سيت كوم"، فيه من الطرائف أكثر من
الأحزان، يحتار كيف يقود رجل دولة عظمى، تصرّ على أن تقول للعالم "أنا ربكم
الأعلى"، وهو عاجز عن تحضير جملة مفيدة، يتابعها قرابة مليار نسمة، إلى أن
وصل به "التيهان" أن نصح البشرية بحقنة كحول للعلاج من فيروس كورونا.
والذي يعلم بأن بريطانيا التي بلغ فيها رقم
الوفيات قرابة خمسة وعشرين ألفا، وعدد المصابين زهاء المئة وسبعين ألفا، من دون
حساب ضحايا دور العجزة، وعددهم بالآلاف في المملكة المتحدة، قضوا دون أن يُشيعوا،
أو حتى يرتشفوا كأس ماء، وهم يحتضرون بعد أن فرّ من هذه الدور العمال والممرضون،
لا يكاد يفهم كيف لهذه المملكة أن تكون لها شمس لا تغرب أبدا.
والذي يتابع معارك قرصنة الدواء والكمامات،
وحتى الغذاء التي دار رحاها في مطارات وموانئ الدول الموسومة بالعظمة والرفعة،
لابدّ أن يغير الكثير في قواميس المدح والذم وجداول ترتيب بلاد الدنيا، التي ظلت
تمنح القمة لهؤلاء من دون تردد.
لا أحد فهم كيف خاطب رئيس الوزراء البريطاني
شعبه بمقولته الشهيرة: "ستفقدون أحباءكم" بفيروس كورونا، في نفس اليوم
الذي سمح فيه بإجراء مقابلة كرة بين ليفربول وأتليتيكومدريد، في ملعب مُتخم
بالمناصرين، وكيف استصغر دونالد ترامب الجائحة، قبل أن تقتل في بضعة أيام من شعبه،
أكثر من عدد قتلى أمريكا في حرب فيتنام، التي عمّرت عشرين سنة كاملة.
لا جدال في أن هذه البلدان قدّمت للبشرية
الكثير من العلوم والتكنولوجيا، وساهمت في منح الإنسانية بعض الراحة في الغذاء
والعلاج والثقافة والترفيه بمقابل، كما قدمت بقية الشعوب على فترات متقطعة من
التاريخ بلا مقابل، وكما ستقدم أخرى مستقبلا، ولكن أن تبقى العصمة في يدها في كل
المجالات، وإلى ما لا نهاية، فذاك ما يجب أن يتغير ما بعد جائحة كورونا، التي ضربت
بقوة في كل مكان، فخرجت منتصرة في بعض البلاد "العظمى"، وخلفت فيها
ملايين من الضحايا، وخرجت خائبة في بعض البلاد "الصغرى" التي أبانت
شعوبها وحتى حكامها، بعضا من المقاومة بأسلحة بدائية، وكثير من الصبر والحكمة.
هناك فرص ذهبية لا تسنح في كل الأزمان لبعض
الشعوب، حتى وإن لم تعرف قيمة نفسها، فستمنحها الفرصة لمعرفة قيمة الآخرين، فقد
عجزنا عن الصعود بسبب نقص ثقتنا في أنفسنا، فنزلوا هم إلينا!
(الشروق الجزائرية)