قضايا وآراء

إسرائيل ويهود فرنسا مجددا

1300x600

بعد فتح مكاتب الوكالة اليهودية في فرنسا خلال شهر أيار/ مايو الماضي (700) ملف هجرة ليهود فرنسا لاستيعابهم في إسرائيل، برزت أسئلة حول يهود فرنسا وأهميتهم في إطار جذب مزيد من يهود العالم بعد تراجع أرقام الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة بشكل ملحوظ منذ بداية التسعينيات .

حقائق ومعطيات حول يهود فرنسا

تعتبر الجالية اليهودية في فرنسا من الجاليات اليهودية الكبرى في أوروبا وأكثرها نفوذاً على الإطلاق، حيث وصل مجموع أفرادها في بداية العام الحالي 2020 إلى نحو 700 ألف يهودي، وينحدر 60% منها من أصول مغاربية، ولها نفوذ في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هذا فضلاً عن كون أبنائها يتبوؤون مراتب عليا في الدولة والمجتمع في الجامعات الفرنسية، وفي مجالات العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية. 

وفي المجال الاقتصادي، فإن القسم الأكبر من العمالة بين اليهود يتركز في قطاع الخدمات والأعمال التجارية، وتصميم الأزياء وفي الإعلانات وقطاع الإعلام الفرنسي، حيث يلاحظ نفوذ يهودي في وسائل الإعلام المختلفة، خاصة الدوريات والصحف الهامة والفضائيات، ولرأس المال اليهودي المنظم دور في ذلك، كما توجد في فرنسا مائة جمعية يهودية. 

 

من الملاحظ أن نسبة اليهود الفرنسيين المهاجرين إلى إسرائيل ضعيفة، وأغلبيتهم من اليهود الذين التحقوا بأقارب لهم هاجروا إليها من مناطق مختلفة من أوروبا. بل إن اليهود الذين هاجروا من مصر والجزائر وبقية دول المغرب العربي فضلوا الهجرة إلى فرنسا على الهجرة إلى إسرائيل.

 



إضافة إلى ذلك؛ فإن سر نفوذ اللوبي اليهودي في فرنسا يكمن في تعدد المنظمات اليهودية المنتشرة في فرنسا وأهدافها المتقاطعة مع اليمين الإسرائيلي، وكذلك في رأس المال اليهودي المنظم والداعم مادياً ومعنوياً لإسرائيل، حيث يقوم عدد كبير من الشباب اليهودي في فرنسا بآداء الخدمة العسكرية في إسرائيل فترة محددة، ثم يعودون إلى بلد المنشأ.

وعند استعراض تطور وجود اليهود في فرنسا، نجد أن عددهم لم يتجاوز عند قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 أربعين ألف يهودي، من أصل 26 مليون فرنسي. وفي عام 1810 ـ أي بعد الثورة الفرنسية التي منحتهم حقوقاً متساوية مع بقية الفرنسيين ـ ارتفع عددهم ليصل إلى 46583 يهوديا. وحسب إحصائية صدرت عن الجالية اليهودية، فإن 115 ألف يهودي قد جاؤوا إلى فرنسا بين عام 1880 و1939، إذ وصل 30 ألف يهودي خلال الفترة (1881- 1914)، و85 ألفا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبفعل الزيادة الطبيعية وهجرة بعض اليهود المغاربة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ـ ارتفع عدد أفراد الجالية اليهودية في فرنسا ليصل إلى نحو 700 ألف يهودي بحلول عام 2020.

الهجرة إلى فلسطين

لم تكن هجرة يهود فرنسا إلى فلسطين منظمة قبل عام 1948، ولكن خلال الحرب العالمية الثانية بدأت عائلات يهودية تهاجر إلى فلسطين هربا من الاحتلال الألماني لفرنسا. وحتى قيام إسرائيل لم يهاجر إلى فلسطين من يهود فرنسا سوى 3943 يهودياً، وأكثر سنوات الهجرة عددا كانت سنة 1949، حيث وصل إليها 1653 يهوديا فرنسيا، وفي السنوات العشر الأولى بعد قيام إسرائيل لم يهاجر إليها من فرنسا سوى 7768 يهوديا. 

ومن الملاحظ أن نسبة اليهود الفرنسيين المهاجرين إلى إسرائيل ضعيفة، وأغلبيتهم من اليهود الذين التحقوا بأقارب لهم هاجروا إليها من مناطق مختلفة من أوروبا. بل إن اليهود الذين هاجروا من مصر والجزائر وبقية دول المغرب العربي فضلوا الهجرة إلى فرنسا على الهجرة إلى إسرائيل.
 
وبشكل عام تشير دراسات إلى هجرة نحو 90 ألف يهودي من فرنسا إلى فلسطين المحتلة منذ إنشاء إسرائيل وحتى نهاية عقد التسعينيات من القرن المنصرم. وتراجعت أرقام هجرة يهود فرنسا خلال العقود الماضية إلى فلسطين المحتلة، الأمر الذي دفع اسرائيل لوضع مخططات بهدف مضاعفة أعداد المهاجرين اليهود من فرنسا. 

وعلى الرغم من تأكيد وزيرة الهجرة الاسرائيلية "بنينا تامانو شطا" أخيراً وصول (90) ألف مهاجر يهودي بحلول نهاية العام المقبل 2021، مقارنة بـ (35) ألف مهاجر خلال العام المنصرم 2019، جلهم من الولايات المتحدة، موطن أكبر جالية يهودية في العالم. لكن ثمة شكوك حول قدرة المؤسسة الإسرائيلية على جذب أعداد كبيرة من يهود أمريكا وفرنسا على وجه الخصوص على غرار هجرة اليهود من دول الاتحاد السوفياتي السابق. 

وفي الوقت الذي ينحاز عدد كبير من اليهود الفرنسيين إلى جانب إسرائيل وسياستها التعسفية التهويدية، فإنه لا توجد عوامل طاردة لليهود من فرنسا في ظل ديمقراطية فرنسية مشهود لها، وكذلك عوامل الجذب الاقتصادي والرفاه الاجتماعي هناك مقارنة مع إسرائيل؛ كما أن ثمة دولا أوروبية قد تكون أكثر جاذبية ليهود فرنسا من إسرائيل في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا