يدور سجال في لبنان حول قدرة التحقيق المحلي بانفجار مرفأ بيروت، الذي وقع الثلاثاء الماضي، على كشف حقيقة ما جرى.
يعود جزء من هذا السجال إلى
تحميل السلطات، التي تتولى التحقيق، مسؤولية "الاهمال" ما تسبب
بالانفجار عبر تخزين كميات كبيرة من "نترات الأمونيوم" الخطيرة بشكل "غير
آمن" في مرفأ بيروت، منذ منتصف عام 2014.
وكانت الحكومة
اللبنانية قد أعلنت، الأربعاء، إجراء تحقيق بالحادثة يستغرق خمسة أيام.
وأكد وزير داخلية لبنان، محمد فهمي، أن بلاده ليست بحاجة لمحققين دوليين، من أجل المشاركة في الوصول إلى الأسباب الحقيقية لانفجار المرفأ.
وفي إطار التحقيقات، اتخذ مصرف لبنان المركزي، الخميس، قرارا بتجميد حسابات سبعة مسؤولين
بميناء وجمارك بيروت، وأعلنت الجهات القضائية بلبنان إيقاف 16 شخصا على ذمة
التحقيق.
لكن رؤساء أحزاب
ورؤساء حكومات سابقون ومفتي لبنان وجهات نقابية وسياسيون ونشطاء لبنانيون ومنظمة
العفو الدولية يطالبون بإجراء "تحقيق دولي" في الانفجار.
اقرأ أيضا: جعجع وجنبلاط يطالبان بلجنة تحقيق دولية بانفجار بيروت
وعقب
هذه المطالبات، قال إيلي الفرزلي، نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، إن المطالبة بتحقيق
دولي في الانفجار تعني "إلغاء الدولة اللبنانية".
فقدان الثقة
إلا أن أستاذ العلوم
السياسية بالجامعة اللبنانية، وليد صافي، تساءل حول "حقيقة وجود سيادة
في لبنان"، وقال لـ"عربي21" إن الدولة اللبنانية لا تمتلك السيادة
الكاملة على معابرها وأراضيها، والدليل أن "قرار السلم والحرب بيد حزب
الله".
ومشيرا إلى أن نتائج
التحقيقات السابقة، التي جرت في لبنان بمشاركة الأجهزة الأمنية والقضائية كانت
"صفرا"، أكد صافي على أن رفض التحقيق الدولي يعني محاولة "تجهيل
الفاعل"، كما حدث بتلك التحقيقات.
ويلفت صافي إلى أن
"معظم اللبنانيين اليوم لا يثقون بالسلطة، ولا يثقون بالإجراءات الحكومية،
وبالتالي فقدت الدولة المصداقية للقيام بمثل هذا التحقيق".
ويعود ذلك، وفقا لأستاذ العلوم السياسية، إلى أن القضاء في لبنان مسيس والأجهزة الأمنية مخترقة بنفوذ سياسي يؤثر عليها، وقال: "لا يمكن أن يكون أي تحقيق مستقل في لبنان".
ويفضل صافي أن تكون لجنة التحقيق
الدولية برعاية الأمم المتحدة. ومن ناحية عملية، ينبغي أن تتقدم الحكومة اللبنانية
بطلب إلى المؤسسة الدولية لإجراء "تحقيق دولي شفاف".
وعن المساهمة الشعبية
في الدفع باتجاه "تحقيق دولي"، يقول صافي "يجب أن تستمر الضغوط الشعبية
للمطالبة بإجراء تحقيق دولي، لكن هل هناك من يسمع لرأي الناس، نحن ابتلينا بسلطة
لا تسمع رأي الناس، وتتحاور مع نفسها، وفاقدة لكل مقومات القيادة الحكيمة".
اقرأ أيضا: مصرف لبنان يجمد حسابات مسؤولين بميناء وجمارك بيروت
ويفاقم الانفجار من أوجاع بلد يعاني منذ أشهر، تداعيات أزمة اقتصادية قاسية، واستقطابا سياسيا حادا، أثر على الأوضاع المعيشية، وجعل نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وأضر بقيمة العملة الوطنية.
وإلى جانب عشرات القتلى والمفقودين وآلاف
الجرحى والمشردين، دمر الانفجار 80 بالمئة من مرفأ بيروت الذي تمر عبره 70 بالمئة
من تجارة لبنان الخارجية.
وقُدر حجم الدمار بنحو 15 مليار دولار، علما أن لبنان يعاني من مديونية عالية تصل إلى 170 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.
"سلطة متهمة" تحقق
ويؤيد القيادي
بالجماعة الإسلامية في لبنان، سامي الخطيب، المطالبة بإجراء تحقيق من خلال جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة في
الانفجار بمرفأ بيروت.
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أوضح الخطيب أن لبنان لا يمتلك "أمرين" لإجراء التحقيق بهذا
الانفجار، وهما: الجهة المحايدة القادرة على إصدار حكم نزيه بهذه القضية،
والإمكانيات التي تمكنه من الوصول تقنيا إلى الحقائق، والتي تحتاج إليها أي لجنة
تحقيق.
ويقول: "لا شك أن كارثة بهذا الحجم تحتاج إلى تحقيق بمستوى يتجاوز حدود من ينبغي أن يكونوا محل
مساءلة ومحاكمة، وهذا جوهر القضية".
ويؤكد على أن الحكومة
التي شكلت لجنة تحقيق، مسؤولة وينبغي أن تجيب عن مجموعة من الأسئلة تتعلق
بـ"الإهمال"، قبل أن تشكل لجنة التحقيق.
واعترفت الرئاسة والحكومة اللبنانية، الثلاثاء، بأن 2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت
مخزنة في الميناء منذ ست سنوات دون إجراءات سلامة، ويقول الخطيب "هذا الاعتراف يكفي لأن يحاكم المسؤول عنه".
ويعتقد الخطيب أن لجنة
التحقيق المحلية "لا تلبي رضا الناس ولا حجم الكارثة، ولا تحقق تطلعات
الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني".
اقرأ أيضا: عون يطالب ماكرون بصور المرفأ.. ومواقف مثيرة بزيارته (شاهد)
وقال: "أقل ما ينبغي على هذه السلطة أن ترحل بعد هذه الحادثة، أقل ما تقدمه أن تعترف بفشلها، وأن تترك المسؤولية".
رأي خبراء عسكريين
واستطلعت "عربي21" آراء خبراء عسكريين حول إمكانية وقوف التحقيق المحلي اللبناني على ملابسات الانفجار، وقدرته على كشف الحقيقة والفاعلين.
وقال الخبير العسكري العميد أمين حطيط لـ"عربي21": "نتمنى أن نصل إلى نتيجة، لا نستطيع القول إن نتائج العمل مضمونة، لأنه وفي جرائم كثيرة تكون لدى المجرم مقدرة على إخفاء الدليل الجرمي".
وأضاف حطيط "لا نستطيع إدعاء أننا نملك الطاقات المطلقة، نحن طاقاتنا محدودة، نعمل جهدنا لنكشف الفاعل، لكن إذا لم نقدر على كشف الفاعل، فعلى الأقل يمكننا أن نعرف المتسببين بالتقصير والإهمال الذي أدى للانفجار".
في المقابل، كان رأي الخبير العسكري العميد الركن أحمد تمساح أن "السلطات اللبنانية فاقدة للثقة لدى الشعب"، و"مهما صدر عنها فلن يتم تصديقها"، مستدلا "بتضارب الروايات الرسمية حول أسباب الانفجار".
وقال تمساح لـ"عربي21": "نحن نطالب بالتحقيق الدولي، لأن الدولة اللبنانية لا يوجد لديها العتاد والأجهزة التقنية والأشخاص المخولين للتحقيق بمثل هذا الانفجار. يفترض أن يكون هناك اختصاصيون يستطيعون سبر أغوار ما حصل. ما حصل كبير جدا".
خبراء عسكريون لـ"عربي21": هذه أبرز فرضيات انفجار بيروت
كارثة بيروت تذكّر بمخاطر مشابهة حول العالم.. إحداها باليمن
هل يمكن أن يكون انفجار لبنان مدبرا.. ما علاقة الموساد؟