يتبع الحكومة
المصرية حوالي 50 هيئة
اقتصادية، بالإضافة لحوالي 160 هيئة خدمية، والفارق بينهما هو استهداف الهيئة الاقتصادية للربح، بينما لا يشترط تحقيق ذلك بالهيئات الخدمية، والتي تحقق معظمها عجزا ما بين مصروفاتها التي تزيد عن إيراداتها، كما تعاني العديد من الهيئات الاقتصادية منذ سنوات طويلة من نزيف
الخسائر.
وتشير بيانات وزارة المالية في العام المالي الحالي (2020/2021)، الذي بدأ أول تموز/ يوليو تموز الماضي ويستمر إلى نهاية حزيران/ يونيو القادم، فما يخص العلاقة بين الموازنة العامة والهيئات الاقتصادية لتوقع بلوغ المدفوعات لها من الموازنة العامة 304 مليارات جنيه، بينما تصل الإيرادات المتوقعة منها إلى 180 مليار جنيه، ليصل
العجز المتوقع بالعلاقة معها إلى 124 مليار جنيه.
وكانت السنوات المالية الماضية قد شهدت عجزا أيضا في العلاقة بين الموازنة العامة والهيئات الاقتصادية، بلغ في العام المالي الأخير 2019/2020 نحو 45 مليار جنيه، وفي العام المالي 2018/2019 نحو 46 مليار جنيه، وفي العام المالي 2017/2018 نحو 84 مليار جنيه.
وتتضح تفاصيل صورة العلاقة بين الموازنة العامة والهيئات الاقتصادية خلال العام المالي الحالي، من خلال دفع الموازنة لها 304 مليار جنيه، مقسمة ما بين 285 مليار جنيه كإعانات ودعم معظمه يتجه لهيئة التأمينات الاجتماعية لدفع المعاشات، والى هيئة السلع التموينية كدعم للسلع التموينية، و17 مليار جنيه كمساهمات في الهيئات الخاسرة لتعزيز رؤوس أموالها، تضمنت توجيه 4.8 مليار جنيه لهيئة المحطات النوووية لتوليد الكهرباء، و4.6 مليار لهيئة السكة الحديد، وثلاثة مليارات جنيه للمتحف المصري الكبير، و1.8 مليار جنيه للهيئة الوطنية للإعلام.
وبخلاف المساهمات، فهناك مليار جنيه نظير الخدمات التلفزيونية والإذاعية للحكومة، ومليار جنيه لدفع اشتراكات غير القادرين بهيئة التأمين الصحي الشامل المستحدثة مؤخرا.
أما الموارد المتحققة للموازنة العامة من الهيئات الاقتصادية والبالغة 180 مليار جنيه، فهي موزعة ما بين 64 مليار جنيه كفوائض من الهئيات الاقتصادية الرابحة، و80 مليار جنيه كضرائب متنوعة على تلك الهيئات، وإتاوات مفروضة على هيئتي قناة السويس وهيئة البترول بقيمة 18 مليار جنيه، ورسوم 14 مليار، وإيرادات أخرى أربعة مليارات جنيه.
أعلى الخسائر بالسكة الحديد وماسبيرو
وباستعراض نتائج أعمال الهيئات الاقتصادية خلال العام المالي 2018/2019، فقد ربحت 27 هيئة منها، واستمرت 16 هيئة في الخسائر المزمنة، وحققت أربع هيئات اقتصادية توازنا بين الإيرادات والمصروفات.
وتتركز الخسارة في عدد قليل من الهيئات، حيث تصدرت هيئة السكة الحديد الخسائر بقيمة 12.3 مليار جنيه من إجمالي خسائر 21 مليار جنيه، بنسبة 59 في المئة من الإجمالي، كما بلغت خسائر الهيئة الوطنية للإعلام والتي حلت محل اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) مؤخرا سبعة مليارات جنيه، بنسبة 34 في المئة من مجمل الخسائر، ليصل نصيب الهيئتين من الخسائر 93 في المئة، وبإضافة خسائر هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة وهيئة النقل العام في القاهرة وهيئة النقل العام في الإسكندرية، يصل نصيب الهيئات الخمس إلى 98 في المئة من إجمالي خسائر 16 هيئة اقتصادية.
وتضمنت قائمة الهيئات الاقتصادية الخاسرة هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وهيئة المعارض والمؤتمرات، وهيئة المحطات المائية لتوليد الكهرباء، وهيئة المشروعات الصناعية والتعدينية، والهيئة الزراعية المصرية، وهيئة المساحة، وهيئة مشروعات التعمير والمشروعات الزراعية. وأضافت الحكومة للهيئات الاقتصادية في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي هيئة الأنفاق، وهي هيئة ضخمة، للخسائر المزمنة.
ولوحظ خلال العام المالي 2018/2019 زيادة قيمة الخسائر في ثماني هيئات بالمقارنة لخسائرها في العام السابق، وهو ما يمثل نصف عدد الهيئات الخاسرة.
وهكذا نجد خسائر الهيئات الخاسرة ترتفع إلى حوالي 21 مليار جنيه بالعام المالي 2018/2019 مقابل 18.7 مليار في العام المالي السابق، وعلى الجانب الآخر انخفاض الأرباح الكلية للهيئات الرابحة بالمقارنة بالعام المالي السابق.
بيع الأراضي لسداد الديون
وبلغ عدد العاملين في الهيئات الاقتصادية في عام 2017 نحو 341 ألف، ورغم وعود الحكومات المتعاقبة لحل مشكلة ضعف أداء الهيئات الاقتصادية، فإن الهيئات الخاسرة تتزايد قيمة خسائرها بمرور السنوات، مما يدفعها إلى المزيد من الاقتراض خاصة من بنك
الاستثمار القومي، وهو البنك الحكومي التابع لوزارة التخطيط والمعني بتمويل الجهات التابعة للدولة، ومع عدم القدرة على سداد القروض تزداد قيمتها بسبب الفوائد، مما يزيد من أعباء تكلفة الاقتراض، الأمر الذي يسبب زيادة المصروفات عن الإيرادات، خاصة مع تزايد الأجور بشكل فاق كامل إيرادات النشاط في عدة هيئات، نظرا لكبر حجم العمالة في العديد منها.
فاتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) الذي حلت محله الهيئة الوطنية للإعلام كان يعمل فيه حوالي 40 ألف شخص، يتطلب العمل أقل من ربعهم فقط، ومع الهيمنة الرسمية على المضمون التلفزيونى، انصرف المشاهد إلى الفضائيات الخاصة الأكثر انفتاحا إعلاميا، مما دفع المعلنين إلى تلك الفضائيات وهجرهم للقنوات الرسمية، مما زاد من خسائر مبنى ماسبيرو.
وهكذا تزايدت خسائر ماسبيرو خلال السنوات الأخيرة من 3.7 مليار جنيه، في العام المالي 2012/2013 إلى 4.3 مليار جنيه في العام المالي التالي، ثم إلى 4.5 مليار جنيه في العام المالي 2014/2015، وزادت الخسائر بشكل قليل في العام المالي التالي إلى 4.6 مليار، ثم بلغت 5.4 مليار في العام المالي 2016/2017، وزادت إلى 6.2 مليار جنيه بالعام المالي التالي، لتصل تلك الخسائر إلى 7.1 مليار جنيه في العام المالي 2018/2019.
وتأتي تلك الخسائر رغم الدعم الشهري من قبل وزارة المالية لماسبيرو بقيمة 220 مليون جنيه لدفع أجور العاملين في المبنى، وهو دعم مستمر منذ عام 2013 وحتى الآن، بخلاف ما تدفعه الحكومة مقابل الخدمات الإذاعية والتلفزيونية سنويا. ومن هنا وفى ظل الهيمنة الحكومية على المضمون الإعلامي، فلا سبيل لعودة المعلنين إلى تلك القنوات التلفزيونية الحكومية حاليا، بحيث أصبح السبيل الوحيد أمامها هو بيع مساحات من الأراضي التابعة لها في المحافظات، لبنك الاستثمار القومي لتخفيف أعباء الديون، وهو ما يتم تنفيذ حاليا إلى جانب استمرار الدعم الحكومي الشهري والمساهمة برأس المال سنويا.
الحكومة تتسبب بخسائر هيئة المعارض
كذلك تزايدت خسائر هيئة السكة الحديد خلال السنوات الأخيرة من 1.8 مليار جنيه، في العام المالي 2012/2013 إلى 3.4 مليار جنيه في العام المالي التالي، ثم إلى 5.2 مليار جنيه في العام المالي 2014/2015، وزادت الخسائر بشكل قليل بالعام المالي التالي، ثم بلغت 6.4 مليار في العام المالي 2016/2017، وارتفعت إلى 10.5 مليار جنيه في العام المالي التالي، ثم لتصل تلك الخسائر إلى 12.3 مليار جنيه في العام المالي 2018/2019، بسبب ضعف عمليات الإحلال والتجديد والصيانة، وتقادم عربات القطارات والعجز عن شراء قطع الغيار اللازمة، وزيادة عدد حوادث القطارات، مما دفع كثيرين لتفضيل وسائل نقل بري أخرى، خاصة في عمليات نقل البضائع التي انخفض نصيب السكة الحديد منها، وأصبحت إيرادات تذاكر الركوب لا تكفي لسداد أجور العاملين، مما دفع الحكومة لضخ أموال بشكل متكرر في رأسمال الهيئة المتآكل بسبب الخسائر.
ورغم البدء مؤخرا في عمليات تطوير للسكة الحديد فإنها تتم من خلال قروض، ولهذا تسعى هيئة السكة الحديد لبيع قطع من أراضيها بالمحافظات لبنك الاستثمار القومي لسداد جانب من ديونه، إلى جانب المطالبة بخصم جزء من فوائد تلك الديون المتراكمة عبر السنوات الماضية، وتأسيس شركات تابعة للسكة الحديد والاستغلال الإعلاني للمحطات.
وتتسببت الحكومة في خسائر بعض الهيئات مثلما هو الحال مع هيئة المعارض، التي زادت خسائرها إلى حوالي 116 مليون جنيه في العام المالي 2018/2019 مقابل خسائر 47 مليون جنيه في العام المالي السابق، بسبب اتجاه غالبية الجهات الرسمية والخاصة لإقامة معارضها في مركز المؤتمرات التابع للجيش، مما حرم هيئة المعارض من تلك الإيردات وهو أمر متوقع استمراره خلال الفترة القادمة.
ورغم لجوء الحكومة إلى رفع أسعار الخدمات التي تقدمها الهيئات بشكل متتال لتقليل خسائر الهيئات الخاسرة، فإن تراكم الخسائر وتكلفة الدين أصبح رفع تكلفة الخدمة معهما لا يكفي وحده لعلاج المشكلة، مثلما هو الحال مع خسائر هيئة النقل العام في القاهرة والإسكندرية منذ سنوات، فلم تفلح عملية رفع أسعار التذاكر عدة مرات في وقف خسائرها، نظرا لحاجتها إلى سداد الأجور وصيانة الأوتوبيسات وشراء بديل لها بعد تهالكها وتكاليف الوقود، ووجود منافسين في تقديم نفس الخدمة بوسائل مواصلات أكثر آدمية.
وتبقى الحلول للهيئات الاقتصادية الخاسرة جزئية وغير مستمرة، ومجرد مناشدات متقطعة من قبل لجان البرلمان، إلى حكومة لديها موازنة مصابة بالعجز المزمن، وتخضع لأولويات بالإنفاق مفروضة عليها لا علاقة لها بأولويات احتياجات المواطنين، مع غياب الخبرة الاقتصادية لدى قيادات العمل الحكومي وعوامل الولاء في اختيار القيادات، وفرض القيادات السابق عملها بالجيش على كثير من الهيئات الاقتصادية.
twitter.com/mamdouh_alwaly