على عكس ما يتصوره الكثيرون، فإن ما يحصل اليوم في تونس هو تأكيد لنجاح وترسخ المسار الديمقراطي في البلاد.
مظاهر ديمقراطية
أن يعتصم نواب للمطالبة بأشياء هم يرونها حقوقا لهم فهذا أمر صحي في بلد حديث العهد بالديمقراطية، وثقافة الاختلاف والاجتهاد شريطة الاحترام والالتزام بالدستور ومعايير حكم القانون والكرامة للشعب والسيادة الوطنية.
أن يطالب ناشطون بالمجتمع المدني أو شخصيات سياسية أو حزبية بأمور تعدّ ربما غريبة وغير عقلانية في مجتمع ديمقراطي، فهذا أيضا طبيعي في مرحلة تعلم جماعية.
أن يطالب ناشطون في الجهات بحقوق لهم مهما كانت طبيعتها، فهذا أيضا مفهوم ويمكن تفسيره والتعاطي معه، خاصة أن الكل يجمع على ضرورة القطع مع سياسة التهميش والتمييز الجهوي التي اتبعت منذ الاستقلال.
ربما غلبة المطالب العدمية والتدميرية للبلاد والمؤسسات، أعطى الانطباع لدى البعض بأن الأمور تسير نحو الأسوأ، وهذا مؤشر خاطئ.
من حق أي سياسي أن يقدم رأيه وأن يغير حساباته وتموقعه السياسي في مسار ما، ولكن ليس من حق أي فرد أو جماعة مغالطة الناس وتزييف التاريخ وإخفاء الحقائق ورهن مصير البلاد والأجيال القادمة بمطالب تدعو للفوضى والانقلابات.
لعل غياب المراكز البحثية والتوجيهية والأكاديميات العلمية والسياسية لدى الأحزاب والنقابات، هو أحد عوامل الفوضى التي نراها أحيانا، وربما هذا دليل على أن الكثير من الفاعلين لازالوا في مرحلة التجربة والتعلم الذاتي، وهذا الأمر سوف يأخذ وقتا حتى تتكون طبقة متكونة ومتشبعة ثقافيا وسياسيا، وبإمكانها إدارة الأزمات بعيدا عن العقلية العدمية والسلبية.
فما نراه اليوم هو عملية جد مركبة ولا تقتصر عن نواب من المنظومة القديمة، بل هي أقرب إلى شبكة من المصالح والارتباطات، فيها من السياسيين ورجال الأعمال والإعلاميين والنقابيين والـ"ناشطين" في المجتمع المدني والجمعيات، التي لا ترى مصلحة لها في نجاح المسار الحالي، ومن ثم تعتمد أسلوب التزييف والتهييج والشيطنة والتعطيل لتبرير ما تسعى إليه. البعض من هؤلاء "النواب" سبق أن وردت أسماؤهم في الخطة المنسوبة لدولة الإمارات لتعطيل أو المسار الديمقراطي في تونس أو إيقافه. ومعلوم بأن هذه الخطة سربت خلال أزمة التأشيرات، ومنع السلطات الإماراتية للتونسيات من دخول أراضيها، وإلى حد علمي لم يقع نفي هذه التقارير أو تكذيب ما ورد فيها من طرف الجهات الرسمية الإماراتية، أو حتى الديبلوماسية التونسية.
هذه الفئة معلومة ومعروفة ومجال تأثيرها محدود، ويجب التواصل أكثر مع الشعب لتوضيح ما يحصل ولماذا وصلت البلاد لهذه الوضعية أو من أوصلها، وسبل الخروج من الوضع الصعب للمواطنين.
عدمية مخيفة
الجديد هو دخول بعض الشخصيات التي لم يعرف عنها أنها تورطت مع المنظومة القديمة على خط العدمية والدفع باتجاه تدمير المسار الديمقراطي برمته. إنه من حق أي سياسي أن يقدم رأيه وأن يغير حساباته وتموقعه السياسي في مسار ما، ولكن ليس من حق أي فرد أو جماعة مغالطة الناس وتزييف التاريخ، وإخفاء الحقائق ورهن مصير البلاد والأجيال القادمة بمطالب تدعو للفوضى والانقلابات.
هذا التمشي يعدّ خطأ كبيرا يجب على العقلاء والحكماء التصدي له وتبيان خطورته على الوطن وتجريم كل من يسير فيه أو يدعو إليه ومحاسبته بالقانون والعدالة. يجب بعث رسالة مضمونة لعقلاء البلاد من أجل العمل معا؛ لأنه تبين أن ثقافة الصدام والعنف ورفض الآخر لا أفق لها، وهي مرفوضة ومنبوذة ومدانة أخلاقيا وسياسيا، ويجب التصدي لها قانونيا وشعبيا.
يجب التحذير من عملية الترذيل والتشكيك في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المجلس النيابي الذي يضع تواصل الدولة في خطر. ومن المهم دعم البرلمان كمؤسسة تشريعية ممثلة للشعب من أجل إنجاز "القانون الانتخابي"، الذي يقطع مع التشتت والخطاب المبتذل. وكذلك المحكمة الدستورية كمرجع دستوري لكل المؤسسات في الدولة، والعمل على حماية أمن المواطنين وسلامة الوطن والمسار الديمقراطي الذي يتم استهدافه بأدوات داخلية وخارجية مستراب، ويجب عدم التساهل في هذا الأمر، والعمل من أجل صيانة مصلحة البلاد وفرض سلطة الدولة على الجميع بأدوات العدالة والقانون.
من مخازي الاستعمار أن يجيز لنفسه ما يحرمه على غيره!؟
ما لم يحققه المحتل بالحرب.. يعمل لإنجازه بالتطبيع والانقلاب!