تتفق الإدارتان الأمريكيتان، الراحلة والقادمة، على معاداة نظام
الأسد، مما يعني استمرار المقاربة الأمريكية القائمة على إدامة الضغط على النظام عبر
فرض العقوبات ومنع إعادة تأهيله دولياً، ومنع الأطراف الإقليمية والدولية من المساهمة في إعادة الإعمار.
هل من الممكن أن تتطوّر هذه المقاربة إلى حد تجريد حملة عسكرية لإسقاط النظام في
سوريا؟ تمت إزاحة هذا السؤال من التداول السياسي منذ خريف عام 2013، عندما تراجع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن الخط الأحمر الذي وضعه، وذهب إلى إجراء تسوية مع روسيا تقضي بتجريد نظام الأسد من أسلحته الكيماوية، ثم بعد ذلك التوافق على آليات جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في ما خصّ إدارة الأزمة عبر اتفاق وزيري خارجية البلدين، جون كيري وسيرغي لافروف، شكّل بداية تراجع الدور الأمريكي في سوريا، والذي سيختم فعاليته في منتصف 2018 بالطلب من فصائل
الجنوب عدم التعويل على الدور الأمريكي والتفاهم مع روسيا على تسوية تنقذ ما يمكن إنقاذه.
غير أن الجديد في هذا الملف، إبداء جميع أركان إدارة الرئيس جوزيف
بايدن، والذين سبق لهم إدارة الملف السوري في عهد إدارة اوباما، الندم على السياسات الخاطئة التي اتبعوها في ذلك العهد، والتي أدت لنتائج سلبية، وخاصة على المستوى الإنساني، وحجم الدمار وأعداد الضحايا التي خلفتها حرب الأسد على السوريين، فهل يتجاوز هذا الندم إطار المشاعر والأحاسيس الوجدانية والاعتراف بالذنب، إلى بناء سياسات حاسمة تهدف إلى إزاحة الأسد وإنهاء آلام السوريين وتحقيق العدالة لهم؟
ليس خافياً حجم الرهان الأمريكي على نجاعة
العقوبات التي تفرضها على نظام الأسد، بدليل نشاطها على هذا الخط بكثافة، ومتابعتها لتفاصيل نشاط الشركات الاقتصادية ومن يملكها وما علاقته بنظام الأسد، ومراقبتها لأي نشاط تجاري لنظام الأسد مع العالم الخارجي، وذلك لاعتقاد الإدارة الأمريكية أن هذا السياسة القائمة على تجفيف مصادر الأسد المالية سيؤدي بالنهاية إما إلى إضعافه وإجباره على تطبيق القرارات الدولية، أو سقوطه شعبياً عبر ثورة جديدة يقوم بها السوريون، وتحديداً البيئة الحاضنة للأسد التي أسهمت حتى اللحظة في بقائه في السلطة من خلال التضحيات الكبيرة التي قدمتها، أو عبر اضطرار روسيا إلى إجبار الأسد على تقديم التنازلات السياسية المطلوبة لإنجاز تسوية سياسية متفق عليها دولياً.
لكن ماذا إن لم يتحقّق شيء من هذه التوقعات؟ ما هي الخطة الأمريكية البديلة؟ عملياً تبدو العقوبات قد وصلت إلى ذروتها، كما أن انعكاساتها على الشارع السوري وصلت إلى أقصى ما يمكن تصوره وفي وقت سريع جداً. ولا زال النظام يراهن على أن روسيا لن تسمح بسقوطه لأسباب اقتصادية، فهو أداة مهمة في صراع جيواستراتيجي عالمي تعرف روسيا مقدماً أن عليها توفير قدرات تشغيلية له، مثلما توفرها لتطوير الأسلحة أو الإنفاق على قواعدها خارج الحدود، ربما لن توفر له الدعم الذي الكافي لتغير الأوضاع الاقتصادية بدرجة كبيرة، لكن يكفي الأسد الحصول على الدعم الذي يبقيه واقفاً على قدميه قدر الإمكان.
ويراهن النظام على أن إدارة بايدن، المتلهفة إلى
إعادة الاتفاق النووي مع إيران، ستكون مجبرة على إلغاء العقوبات الاقتصادية عنها والإفراج عن أموالها، التي سيصل جزء منها إلى خزائن النظام.
غير أن الرهان الأهم لدى نظام الأسد يتمثل بانهيار سياسة العقوبات برمتها، نتيجة ضغط أمريكي داخلي، أو دولي، بذريعة أن العقوبات تدمّر حياة الشعب السوري وتحيلها إلى جحيم، ومن الممكن أن تنتج عنها نتائج كارثية كتلك التي حصلت في العراق قبل سقوط نظام صدام حسين. وتلعب روسيا على هذا الوتر منذ فترة، وقد تنضم لها بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي ترغب في إنهاء عزلة الأسد وتبحث عن مبرر لإعادة التواصل معه، فما الذي ستفعله إدارة بايدن في هذه الحال؟
المرجّح أن إدارة بايدن ستتعاطى مع نظام الأسد على أنه ملف صغير ضمن ملفات نزاعها مع روسيا، وهي ستحاول قدر الإمكان إيلام روسيا من خلال هذا الملف وإبقاءه مفتوحاً لتحقيق أكبر قدر من الاستنزاف لروسيا، لكنها بنفس الوقت، لن تكون مرتاحة إذا استطاعت روسيا عكس الهجمة وتحويل الوضع السوري إلى تحد لإحراج إدارة بايدن على الصعيد الدولي، حينها ستكون أمريكا أمام خيارات مؤلمة: إما التراجع عن العقوبات، وما يعنيه ذلك ضمنياً من هزيمة سياسية مدوية قد تؤدي إلى خروجها من المنطقة لصالح روسيا وإيران والصين، وإما تغيير مقاربتها والانتقال إلى حلول جذرية، أي إسقاط الأسد ووضع حلفائه في مأزق خطير، فهل تسير الأمور إلى هذا الاتجاه؟
twitter.com/ghazidahman1