يتجدد الجدل في
اليمن مع حلول كل ذكرى لاندلاع
ثورة 11 شباط/ فبراير 2011، حول النجاحات والإخفاقات التي
أجبرت الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، على التنحي عن السلطة، وسط أسئلة عدة حول
ما حققته حتى الآن، وهل فشلت حقا كما يتحدث البعض.
وتأتي الذكرى العاشرة في ظل من يحملها ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، من "انقلابات" بدأها
الحوثيون خريف العام 2014، وتدخلات خارجية، ويطرح مراقبون تساؤلات حول مستقبلها
وفرص التغيير، في بلد تفتك به الحرب منذ 6 سنوات، حيث تتشابك أحداثه، وتتداخل فيه
العوامل الإقليمية والدولية؟
"الحرية ليست عارا"
وفي هذا السياق، يقول
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة في اليمن، فيصل الحذيفي: "لا نستطيع
الحديث عن إخفاقات ثورة لم تكتمل مساراتها في التحول نحو الدولة اليمنية الاتحادية
بدستور جديد وسلطة شرعية جديدة".
وأضاف، في حديث لـ"عربي21"، أنه تم اعتراض طريقها منذ اليوم الأول، بدءا بقتل المتظاهرين السلميين، كما هو حال
شهداء جمعة الكرامة 1 آذار/ مارس 2011، وحتى الذهاب نحو تسوية سياسية بحسن نية؛ هربا
من الوقوع في فخاخ الحرب المدمرة التي أوصلت الردة المضادة للثورة إلى الحرب التي
هرب منها الجميع.
وبحسب الحذيفي، فإن
الثورة حققت دعم مسيرة الحرية، وإسقاط الاستبداد، والتوريث، ووضوح الخيارات التي لا
تنازل عنها، مهما كانت الكلفة الباهظة، مشيرا إلى أن هذه الحرب التي دمرت كل شيء قد عرت كل السوءات المختبئة والمتآمرة، وهذا الانكشاف في ظل هذه الصراع كفيل
بإعادة البناء على أساس متين.
وأشار أستاذ العلوم
السياسية بجامعة الحديدة إلى أنها "لم تكمل إنجازاتها بعد حتى نتحدث عن الفشل
الذي تتحدث عنه أطراف النظام الفاقد للمصالح المحتكرة، مؤكدا أن ثورة فبراير شكلت
تهديدا للنظم الاستبدادية في فضاء الجغرافية السياسية لليمن، ووضُعت تحت المجهر،
بغرض الإعاقة، والحيلولة دون استكمال المهام الثورية.
وتابع: "حالة
الحرب المفروضة محليا وإقليميا ودوليا لا يمكن ربطها بالثورة، إلا من كونها مرفوضة
إقليميا بالتناغم مع سلطة التوريث في نظام جمهوري فقد كل مصالحه، وتأتي ضمن تحولات
تاريخية، لن تقف على عتبة الحرب دون الانتصار والذهاب نحو البناء".
وأوضح الأكاديمي
اليمني أن "الأحرار لا يندمون على فعل ثوري شريف، حتى لو لم تكن ثورة 2011
لكانوا على موعد مع الثورة في تاريخ قادم.. طال الزمن أو قصر"، لافتا إلى أن
"الحرية ليست عارا حتى يتم استدعاء الندم المزعوم لأجلها".
وشدد على أنه "لا
تنازل عن طموحات الشعب اليمني في الانتقال إلى دولة مدنية اتحادية ديمقراطية، مهما
كانت العثرات اللحظية التي اعترضت كل التحولات التاريخية والحضارية للأمم
والشعوب".
وأردف السياسي اليمني بالقول:
"ستنتصر الإرادة الشعبية لكل التوّاقين للحرية، وستسقط المؤامرات الإقليمية
التي حاكت ودعمت الثورة المضادة في كل دول الربيع العربي؛ بغرض إفشالها"،
معتبرا أنها "عقبات سيتم تجاوزها".
"نجاح وبعث الأمل"
من جهته، قال الناشط
السياسي اليمني، علي الأحمدي، إنه "طوال مسيرة النضال الوطني في اليمن، لم
يتحقق اجتماع شعبي وزخم ثوري في مختلف المراحل الزمنية كما حصل في ثورة فبراير
2011".
وتابع حديثه لـ"عربي21":
"لقد اجتمع الشعب اليمني فيها على أهداف خلف ثورة شعبية شملت غالبية
الجغرافيا في البلاد".
واعتبر الأحمدي أن ما
حصل يعد "نجاحا وإحياء لفكرة الثورة، وبعث الأمل في إمكانية كل مواطن أن يكون
جزءا من حركة التغيير وبناء دولة حرية وعدالة ومساواة".
وأشار إلى أن المشكلة
كانت في "نظرة قيادة الثورة التي اقتصرت على استهداف النظام ورأسه الممثل
بالرئيس، دون إعطاء الاعتبار الكافي للتأثير الإقليمي والدولي الذي يفترض أن
يتعاملوا معه بحصافة أكثر".
وأكد الناشط السياسي
اليمني أنه "سيبقى ما حصل مرحلة مهمة في مسار نضال اليمنيين"، مشددا
على "ضرورة مراجعة كل ما مضى مع نقد ذاتي، يترافق مع عمل واجتهاد بحجم التحدي
وبحجم اليمن، وتنوعه الجغرافي والسياسي والاجتماعي الفريد".
وقال الأحمدي:
"نحن بحاجة إلى التعامل مع كافة الملفات المؤرقة الموجودة، كالانقلاب وأطرافه
والحركات الانفصالية ومطالبها".
"فرض منطق التغيير"
من جانبه، يرى الكاتب
والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن "ثورة 11 فبراير هي واحدة من أهم
المحطات التي يقف أحرار اليمن بإجلال أمام تجدد ذكراها".
وقال في حديث لـ"عربي21":
"هذه الثورة بكلفها وتداعياتها هي الفعل النبيل الذي ضخ الحياة إلى ما
جرَّفتهُ سياسياتُ الأنظمة الشمولية المتلاحقة، ووضع اليمنيين في بداية طريق
الحرية والكرامة، وأعاد الاعتبار للشعب اليمني باعتباره مصدر السلطة لا
ضحيتها".
وأشار التميمي إلى أن "ثورة
فبراير لم تكن مناسبة لإعادة صياغة مصالح مراكز القوى، بل تحديدا واضحا لأولويات
الشعب اليمني".
وتابع: "ولهذا
قوبلت هذه الثورة بعدائية شديدة، من شبكة المصالح الداخلية، ومن الدول
والدكتاتوريات العربية التي خشيت من ربيع يتدفق بقوة في الفضاء العربي، مهددا بتقويض كراسيها".
وأوضح الكاتب اليمني
أن الحديث عن فشل الثورة هو استنتاج خاطئ للصيرورة التي سار عليها الربيع العربي،
مؤكدا أن "الملايين من ثوار الربيع، ومنهم ثوار اليمن، خرجوا لا يلوون على شيء،
وكل أملهم أن تتغير حياتهم إلى الأفضل، وأن يكسروا القواعد التي تحكم السلطة وطبيعة
انتقالها، وضدا على محاولة تكريس تقاليد ملكية لتوريث السلطة في بلدان الأنظمة
الجمهورية"،
وأضاف:
"الأهم من ذلك كله طي صفحة الفساد والفوضى، وإعادة الاعتبار لتضحيات الشعوب
التي أنتجت قبل عدة عقود من أجل الاستقلال وبناء الأنظمة الجمهورية القائمة على
احترام إرادة الشعب".
وبحسب السياسي التميمي، فإنه يمكن اعتبار سقوط الأنظمة وصعود أنظمة شعبية جديدة هو أهم مؤشر على نجاح
ثورات الربيع، وبينها ثورة 11 شباط/ فبراير، التي انتجت نظاما انتقاليا، وشرعت في
إنجاز حوار وطني شامل حول نظام الحكم وشكل الدولة والشراكة الوطنية، وعن كيفية حل
المشاكل المستعصية والصراع السياسي.
واستدرك قائلا:
"لكن ثمة متربصين كثر وهم دول وأجهزة ومليشيات، كلها أعلنت الحرب على الثورة
وعلى نتائجها السياسية"، لافتا إلى أن مشكلة ثورة شباط/ فبراير اليمنية هي أن
رأس السلطة الانتقالية، الرئيس هادي، شكل أحد أهم أسباب التعثر الذي عانت منه الثورة،
عندما تحول إلى حصان طروادة لإعدائها.
وقال: "أما الذين
يحمّلون ثورة 11 شباط/ فبراير المسؤولية عن التداعيات التي عانت منها اليمن في
مرحلة ما بعد الثورة، فإنهم لم يسألوا أنفسهم لماذا اندلعت الثورة، ولماذا خرج
الملايين من الناس بحثا عن التغيير".
وحسب السياسي اليمني، فإن اليمن كانت تهرول نحو الفشل، وتحولت إلى مسرح للأنشطة الإرهابية الموجهة
للأغراض السياسية، ومسرحا للقتل السياسي عبر طائرات الدرونز الأمريكية، بعد أن
تواطأ الرئيس المخلوع مع الادعاءات بأن اليمن ثاني أهم موئل للأنشطة الإرهابية بعد
أفغانستان، مشيرا إلى أن الغرض من ذلك أن يمنح لنفسه فرصة البقاء في السلطة،
والنتيجة أن الآفاق انسدت أمام اليمنيين، وتراجع الاقتصاد نتيجة توقف معظم القطاعات
الاقتصادية عن العمل، ودخلت البلاد في دورة صراع على السلطة.
وبين أن كل هذه
الإخفاقات هي التي استدعت الثورة، ولولا الاستثمار الخارجي في مواجهتها لكانت
اليمن تقدم نموذجا فريدا للدولة الحديثة الديمقراطية المستقرة والمزدهرة.
وقال: "الثوار
لا يزالون في خضم المواجهة مع أعدائها على كافة المستويات العسكرية والسياسية
والإعلامية والفكرية، ولا مجال للتراجع؛ لأن البدائل كارثية في ظل الاستثمار
الإقليمي في مشاريع ما دون الدولة".
وحول مستقبل الثورة
وفرص التغيير في اليمن، أكد أن الثورة وتضحيات الثوار نجحت في فرض منطق التغيير،
بات الشعب اليوم على وعي كامل بالمشاريع السياسية التي يراد لها أن تكون بديلة عن
النظام الديمقراطي الذي هو جوهر المشروع الوطني لثورة شباط/ فبراير.
وقال إن "الثورة
ليست وصفة جامدة، فأمام الشعب خيارات عديدة للدفاع عن حقه في التغيير. ويكفي أن
ندرك بأن الحل السياسي في اليمن الذي ترعاه الأمم المتحدة يقوم في الأصل على
استيعاب مطالب ثورة شباط/ فبراير، رغم محاولات الالتفاف على هذه المطالب، عبر تكريس
الوقائع الجديدة على الأرض، والبناء عليها في تسويق مشاريع حلول جديدة".
وأمس الأربعاء، أحيا شباب ثورة فبراير في محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، الذكرى العاشرة لاندلاعها، حيث
تم إيقاد الشعلة وسط المدينة، كما جرت العادة مع حلول كل ذكرى للثورة.