يعد ملف المقابر
الجماعية، أحد أبرز الملفات التي تواجه التوافقات الليبية، خاصة مع تكشف المزيد
منها كل يوم، والعثور على عشرات الجثث لمدنيين اختطفوا خلال السنوات الأربع
الماضية.
وكشفت منظمات
حقوقية، بلاغات بالمئات من ذوي مدنيين اختطفوا على يد مجموعات، تتبع اللواء
المتقاعد خليفة حفتر، خاصة في مدينة ترهونة، التي كانت تسيطر عليها مليشيات تسمى
"الكانيات"، والذين عثر على الكثير منهم حتى اللحظة، مدفونين داخل مقابر
جماعية عشوائية في مناطق سيطرتها.
وقالت منظمة
"هيومن رايتس ووتش" إن المئات فقدوا أو أُبلغ عن فقدانهم بين 2014
و2020. ونقلت عن "حكومة الوفاق
الوطني" الليبية قولها إنها اكتشفت 27 مقبرة جماعية في ترهونة منذ حزيران/يونيو،
وجرى التعرف على بعضها والتحقق من هوية الكثير منها.
وتثار تساؤلات
بشأن ما إذا كان هذا الملف سيفتح، بعد التوافقات الأخيرة التي جرت في ليبيا في
الشرق والغرب، وما إذا كان المسؤولون عن المقابر الجماعية والمجازر التي ارتكبت
سيقدمون إلى المحاكمة أم سيجري طي هذا الملف حاليا؟
الخبير القانون
والمحامي بالمحكمة العليا الليبية عبد الباسط حداد، قال إن الجرائم التي تصنف في
خانة جرائم الحرب والإبادة وضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم ويفترض بالجهات القضائية
والقانونية، ملاحقة من وقفوا خلفها بعيدا عن أي أجواء سياسية.
وأشار حداد
لـ"عربي21" إلى أن المجازر التي وقعت في البوسنة والهرسك، ورغم الاتفاق الذي
أبرمه البوسنيون مع جيرانهم للصلح، إلا أن المتورطين فيها، تمت ملاحقتهم وجلبتهم
المحكمة الجنائية الدولية وحوكموا.
اقرأ أيضا: تقرير يكشف تفاصيل رعب بثته مليشيا الكاني بترهونة الليبية
وأضاف أن القضاء
المحلي، من المفترض أن يتحرك، لتكون الجنائية الدولية مكملا له، لكن لا تعويل
عليها، لأنها قد تحاكم اثنين من المجرمين الكبار، ولكن الصغار ممن نفذوا الجرائم
بأيديهم فهؤلاء سيفرون من العدالة، والمأمل أن القضاء الليبي يتحرك ويقوم بواجبه
لإنجاز هذا الملف وتحقيق العدالة للضحايا.
وشدد على أهمية
الجدية في متابعة هذا الملف، خاصة في هذه الظروف، وقال حداد: "افتتح مكتب
للقضاء العسكري مسلاته لجمع الأدلة، وملاحقة المتورطين بالجرائم والاستماع للشهود،
لكن المطلوب الجدية في إصدار قرارات القبض والملاحقة وإرسال مذكرات للشرطة
الدولية، وأرى أن المجهودات المبذولة ضعيفة رغم جهود الجهاز القضائي والتواصل مع
جهات الطب الشرعي وهيئات البحث عن المفقودين".
وأكد على "وجود
تقصير حتى اللحظة في هذا الملف، والمعول على القضاء المحلي لعب دور أكبر فيه، رغم
الصعوبات الدولية في ملاحقة كبار المجرمين، لأن دولا كبرى تدعمهم وتشاركهم وتورطت
معهم في جرائم الإبادة".
من جانبه قال موسى
قنيدي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بكلية القانون في جامعة مصراتة ورئيس
منظمة نداء لحقوق الإنسان والتنمية المجتمعية، إن ملف المقابر الجماعية "معقد
وشائك وكبير جدا، مقارنة بإمكانيات السلطات الليبية المختصة، في مجال الكشف عنها
وانتشال الجثث".
وأضح قنيدي
لـ"عربي21" أن ملف أعداد المقابر الجماعية في ترهونة، لن تكون نهايته قريبة،
لثلاثة أسباب، الأول أعداد المفقودين الكبيرة جدا، والأدلة والظروف التي فقد فيها
العديد من الأشخاص بالقتل والدفن بمقابر جماعية، والثاني طول المدة التي بقيت فيها
قوات "الكانيات" مسيطرة على المدينة، وهي مسؤولة عن القتل الجماعي.
أما السبب
الثالث، فهو الأسلوب الذي اعتمدته المليشيات في التصفية، والذي طال عائلات
بأكملها، حتى لا يبقى شخص يطالب بالعدالة الجنائية أو القصاص.
وشدد على أهمية
المضي بهذا الملف وتقديم الدعم المادي والمعنوي لذوي الضحايا، والوصول إلى جثامين
الضحايا ومحاسبة المتورطين أولا ثم إطلاق مصالحة شاملة، شرط عدم إضاعة الحقوق.
وأكد أن جزءا
كبيرا من المشكلة في ليبيا هو الإفلات من العقاب، ومحاولة تطبيق برنامج للمصالحة
دون محاسبة، وهو ما يعمق المشكلة ويهدد باللجوء لتصفية الحسابات وأعمال الثأر
والانتقام، وغير المحاسبة يدخلنا في نفق مظلم.
لكنه في المقابل
قال إن الجهود الحكومية، من حيث البحث واكتشاف وانتشال الجثث جيدة وتتحسن يوما بعد يوم بواسطة جهود الهيئة العامة للبحث والتحري عن المفقودين، وبمساعدة الهلال الأحمر، لكن
الجهود الحقوقية لا زالت دون المستوى بسبب حجم المقابر الجماعية وقلة الدعم لمنظمات
المجتمع المدني التي أولت اهتماما بهذا الملف.
بعد مرور 10 سنوات على الثورة ضده.. أين ذهبت أموال القذافي؟
بذكرى الثورة.. ما مصير مرتزقة ليبيا بعد التوافقات الأخيرة؟
تحديات كبيرة تواجه حكومة ليبيا الجديدة.. أبرزها الانتخابات