لا يوجد أسوأ من تزوير التاريخ سوى تزوير الأحداث التي لا تزال جارية، والتي لا يزال ضحاياها يعانون ويدفعون ثمنها من دمائهم ودموعهم. الاختيار2 هو في هذا المجال واحد من أسوأ العلامات في تاريخ الدراما المصرية، وسيسجل كصفحة سوداء في كتاب كل من ساهم فيه من صناع فيلم أو كتاب أو مخرجين أو ممثلين.
برغم كل هذا السوء، ثمة محاسن لهذا العمل -غير الفني- المشين، وثمة ما يمكن أن يبنى عليه لصالح الشعب المصري الذي يستحق أفضل من هكذا نظام قمعي.
أولى محاسن هذا العمل الذي لا يقل إجراما عن المجزرة نفسها، أنه يظهر أزمة النظام. اعتقد الكثيرون بما في ذلك معارضو الانقلاب أن النظام حسم معركته مع الشعب، وسيطر كاملا على "الرواية"، وأنه امتلك زمام الأمر والقوة تماما. لكن إنتاج مسلسل الاختيار2 أكد أن النظام لا يزال يعاني أزمة كبيرة في مجالين رئيسَين هما الشرعية والثقة.
كان النظام يؤمن أنه يمتلك شرعية حقيقية بين الناس لما اضطر لصرف الملايين على عمل درامي يسعى من خلاله لتثبيت شرعيته في الحكم، وتحويل الانقلاب في وعي الناس إلى ثورة
من محاسن الاختيار2 الأخرى أنه كشف ضعف رواية النظام مقابل دم الضحايا، فعلى الرغم من حجم الإنتاج وتكلفته الباهظة واللجوء لنجوم محبوبين للجمهور، إلا أن المسلسل فشل في صناعة رواية متماسكة. شاهدت الحلقة الخامسة المتعلقة بمجزرة رابعة -ولن أتورط بمشاهدة المسلسل كاملا حفاظا على ضغط الدم والأعصاب- فوجدت بعين المراقب أن المشاهد فشلت في صناعة قصة متماسكة، وأنه لجأ للكذب حتى أنه تجاوز كذب الروايات الرسمية المتعلقة بأحداث يوم المجزرة، ولهذا فإن أي مشاهد لديه الحد الأدنى من الموضوعية سيخرج بنتيجة معاكسة لما أراده النظام من إنتاج هذا المسلسل.
لجأ للكذب حتى أنه تجاوز كذب الروايات الرسمية المتعلقة بأحداث يوم المجزرة، ولهذا فإن أي مشاهد لديه الحد الأدنى من الموضوعية سيخرج بنتيجة معاكسة لما أراده النظام من إنتاج هذا المسلسل
ومن محاسن الاختيار2 أيضا أنه فتح الباب مجددا للذاكرة الشفوية عن المجزرة الأكبر في تاريخ مصر الحديث، وقد أثار المسلسل موجة من الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي والمشاركات عبر كلوب هاوس لشهود عيان من الناجين من المجزرة، وبهذا "استطاع" النظام الحاكم إعادة الذاكرة الحية للرواية الحقيقية وفشل في تحقيق هدفه من المسلسل.
يمكن أيضا أن يستثمر الحدث من قبل أنصار الثورة لكشف فشل النظام في معاركه الخارجية، والبناء على فقدانه للشرعية للمطالبة بتغيير سياساته القمعية من خلال الضغط الشعبي
وبعيدا عن المجزرة، يمكن أيضا أن يستثمر الحدث من قبل أنصار الثورة لكشف فشل النظام في معاركه الخارجية، والبناء على فقدانه للشرعية للمطالبة بتغيير سياساته القمعية من خلال الضغط الشعبي. إذا كان لجوء النظام لمسلسل درامي كاشفا عن شعوره بأنه لا يزال فاقدا للشرعية وكاشفا أيضا عن غبائه السياسي كما بينّا، فإن المعارضة قادرة على استثمار ذلك بنزع الشرعية عنه داخليا وخارجيا، وكشف فشله في حل أزمات البلاد الخارجية، وبناء إجماع شعبي على ضرورة رحيله أو تغيير سياساته جذريا.
المواطنة بين الأمن القومي وسد النهضة.. المواطنة من جديد (47)
مصر وتونس.. أو عندما يستعين العاجز بالأعجز منه
قيس سعيد.. وأحمد فهمي.. ومعهما حمزة البسيوني!